03 فبراير 2021

رحلة الأزهرية الراحلة د. عبلة الكحلاوي مع «كل الأسرة» وأهم آرائها

محرر متعاون

رحلة الأزهرية الراحلة د. عبلة الكحلاوي مع «كل الأسرة» وأهم آرائها

تعاملت العالمة الأزهرية الراحلة د. عبلة الكحلاوي مع وسائل إعلامية كثيرة ومتنوعة من داخل مصر وخارجها، وكانت الصحف والفضائيات تطاردها يومياً للحصول على آرائها في مختلف القضايا الدينية والاجتماعية التي تفرض نفسها على المجتمع، ولظروفها الصحية الصعبة- خلال السنوات الأخيرة- لم تكن ترد على الهاتف، أو كانت تعتذر بلطف نظراً لظروفها.. لكن كانت «كل الأسرة» لها مكانة خاصة عندها، فترحب بها من وقت لآخر، وتعطيها بعض وقتها للإجابة عن تساؤلاتها حول القضايا والمشكلات التي تشغل الأسرة العربية.

لذلك، لم تنشر مطبوعة عربية للعالمة الراحلة كما نشرت لها «كل الأسرة» حيث حملت صفحاتها رصيداً ضخماً من علم وفكر الداعية الراحلة، وتجسدت في كل ما نشرناه لها من قيم التسامح الديني، والوعي بالمخاطر التي تهدد كياننا الأسري والاجتماعي، وفي كل ما صدر عنها من آراء واجتهادات فقهية كانت تلتزم بمنهج الوسطية والاعتدال الذي تعلمته وتشربت قيمه من الأزهر الشريف الذي احتضنها طالبة ومدرسة وأستاذة جامعية، ومن علومه وأفكاره، ومنهجه الوسطي انطلقت للدعوة الإسلامية، ووصلت إلى عقول وقلوب الملايين داخل مصر وخارجها.

 د. عبلة الكحلاوي مع «كل الأسرة» وأهم آرائها

رحلة ربع قرن و أكثر من 200 تحقيق صحفي ديني

رحلة العالمة الأزهرية الراحلة مع «كل الأسرة» بدأت منذ أكثر من ربع قرن حيث أجرينا معها طوال هذه الفترة أكثر من ثمانين حواراً، وشاركت بآرائها وأفكارها المستنيرة في أكثر من 200 تحقيق صحفي ديني، أما تساؤلات القراء الدينية التي أجابت عنها ونشرت في «كل الأسرة» فهي تحتاج إلى جهد كبير لإحصائها، فقد تركت لنا رصيداً ضخماً من العلم والفكر الديني المستنير.
معظم ما قدمته العالمة الراحلة من علم وفكر كان لوجه الله، فلم تكن من النوع الذي يتاجر بعلمه، أو يحاول التكسب منه، ومنذ عشر سنوات تقريباً تواصلت معها لكتابة مقالات رمضانية لكل الأسرة، وألمحت لها بأن هذه المقالات تقدم عليها المجلة لكتابها مقابلاً مادياً فغضبت، وكادت تنهي المكالمة، وبذلت جهداً كبيراً لترضيتها وشرح وجهة نظري بأن هذه معلومة من واجبي إخبار كتابنا بها، وأذكر أنها قالت لي وقتها: «يا ابني أنا لا أتاجر بما أكرمني الله من علم، وأدعو الله أن ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون».

 د. عبلة الكحلاوي مع «كل الأسرة» وأهم آرائها

أنشأت داراً كبيرة لرعاية الأيتام

كانت الفقيهة الراحلة «مصلحة اجتماعية» حباها الله بروحانية نادراً ما تجدها في شخصية أخرى دينية أو غير دينية، ولذلك استحقت كثيراً من الألقاب الإنسانية التي تستحقها عن جدارة منها «داعية القرن» حيث لم يجود القرن العشرين بداعية بمواصفات د. عبلة الكحلاوي، ومنها لقب «أم الأيتام» حيث أضافت إلى جهودها العلمية جهوداً إنسانية واجتماعية كبيرة؛ فأنشأت داراً كبيرة لرعاية الأيتام.. ومنها لقب «ملاك الرحمة» حيث أنشأت دار «الباقيات الصالحات» لرعاية كبار السن من النساء اللاتي لا يجدن من يرعاهن، وأعطت هذه الدار جانباً كبيراً من وقتها وجهدها ومالها.

لا تجد زوجاً عاقلاً يعرف تعاليم دينه جيداً يضرب زوجته

عنيت بشؤون الأسرة العربية وتعاملت بعقل مستنير مع مشكلاتها

كانت الفقيهة الأزهرية في مسيرتها الدعوية عموماً وعلى صفحات«كل الأسرة» خصوصاً تجسد منهج الإسلام الوسطي، وتتبنى حل المشكلات والأزمات الأسرية بالحوار والتفاهم واستعادة المودة والرحمة بين الزوجين، فهي لم تكن تناصر النساء على حساب حقوق الرجال، بل كانت تقف موقف العدل والإنصاف بين الطرفين، وأذكر أنني سألتها يوما عن «ضرب الزوجات» فردت علي بتلقائية «لا تجد زوجاً عاقلاً يعرف تعاليم دينه جيداً يضرب زوجته».

لم تقف في صف رجل ظالم لأهل بيته، مسيء لزوجته، وكانت تؤكد أن الزوج الذي يهدر حقوق زوجته ويعاملها بعنف وقسوة لا حق له في محاسبتها، وإذا كان تمردها وعصيانها رد فعل لسلوكياته الغريبة وتجاوزاته معها؛ فهو مطالب بإصلاح نفسه قبل التفكير في كيفية علاج نشوز وعصيان زوجته.. وكانت تطالب كل زوج أن يعطي زوجته حقوقها، ويراعي الله فيها، وكانت تنصح كل زوج غاضب من زوجته، أو ناقم عليها أن يتذكر قول الحق سبحانه: «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً»، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر».

 د. عبلة الكحلاوي مع «كل الأسرة» وأهم آرائها

كما لم تقف د. عبلة الكحلاوي يوماً في صف النساء اللاتي أغواهن الشيطان، فتمردن على حياة المودة والرحمة مع شريك الحياة، وكانت لا تمل من تقديم نصائحها وتوجيهاتها للمرأة بالصبر والتحمل، ومحاولة تغيير طباع الزوج الناشز، لتستمر الحياة، وتحافظ المرأة على بيتها وزوجها.. كما كانت نصائحها وتوجيهات للأزواج بالتعقل وعدم ظلم نسائهم، ومن بين ما قالته على صفحات «كل الأسرة» للأزواج الذين أدمنوا القسوة والظلم للزوجة «هؤلاء الرجال يجنون ثمرة قسوتهم وظلمهم نكداً وتوتراً وحياة جافة خالية من مشاعر الود والحميمية الزوجية، فحتى لو كانت الزوجة تعيش في رغد من العيش، ويوفر لها زوجها كل ما لذ وطاب، فالزوجة تحتاج دائماً من زوجها كلمة طيبة، ولمسة حانية، وتقديراً لرأيها، واحتراماً لمشاعرها، ومداعبة لعواطفها».

للأسف لا توجد جهود إصلاح حقيقية  بين الأزواج والزوجات في معظم الحالات

لم يقف جهد العالمة الراحلة على نشر تعاليم الإسلام الصحيحة عبر وسائل الإعلام المختلفة، بل كانت تتولى بنفسها جهود الإصلاح والتوفيق بين الأزواج والزوجات، وكم أعادت خيوط المودة والرحمة بين أزواج وزوجات كانوا على وشك استدعاء المأذون أو اللجوء للمحكمة لتفصل بينهم.

كانت تبدي أسفها على تدخلات الأهل والأقارب التي تفسد بين الأزواج والزوجات بدلا من الإصلاح بينهم، وعبرت لنا عبر صفحات «كل الأسرة» عن أسفها لذلك، وقالت «للأسف لا توجد جهود إصلاح حقيقية في معظم الحالات، وأنا شاهدة على ذلك، وهذا مخالف لما حث عليه الإسلام، والإسلام هنا يقول: إذا وقع الشقاق بين الزوجين، واستحكم العداء بين الطرفين، وكل طرف ألقى باللائمة على الآخر وحمله مسؤولية ذلك، كان لابد من أن نلجأ إلى وسيلة إسلامية فاعلة وهي الإصلاح بين الزوجين عن طريق التحكيم، فالله سبحانه يقول: «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما». 

 د. عبلة الكحلاوي مع «كل الأسرة» وأهم آرائها

واجهت بحسم التحرش الجنسي والتحلل الأخلاقي بين الشباب

وانطلاقاً من كونها داعية فقيهة بأحكام وتعاليم الشريعة الإسلامية واجهت د. عبلة طوال رحلتها الدعوية الظواهر السلبية في المجتمعات العربية، ومن أبرزها ظاهرة التحرش الجنسي الذي وصفته عبر صفحات «كل الأسرة» بـ «المصيبة الكبرى» لأن شبابنا العربي من المفترض أنه تربى على قيم وأخلاقيات تجرم - دينياً وعرفياً - التحرش بامرأة، وطالبت بمواجهة هذه الظاهرة أو الجريمة الأخلاقية بعقوبات مشددة فضلاً عن استمرار التوعية الدينية والتربية الأخلاقية، وقالت «العقاب الرادع وسيلة من وسائل المواجهة، فالله سبحانه وتعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، وناشدت الأسر القيام بواجباتها في التربية الدينية والأخلاقية للأبناء مشددة على أن «المواجهة الحقيقية لهذه الجريمة تبدأ من داخل المنزل والمدرسة والمسجد».

الإسلام دين واقعي يحترم المشاعر العاطفية، ويقدر رغبات الإنسان المشروعة، ويؤكد ضرورة تحقيق الوفاق والتفاهم بين الراغبين في الزواج

حذرت من الاختلاط بلا ضوابط بين الشبان والفتيات

وعنيت د. عبلة بنشر الآداب والأخلاقيات بين الشباب من الجنسين، وحذرت من الاختلاط بلا ضوابط بين الشبان والفتيات حتى ولو كان بقصد الزواج، ومن بين ما نصحت به أن يتم التعارف من أجل الزواج داخل البيت أو في حضور الأسرة أو تحت رقابتها على الأقل، وحذرت من صور الخلوة المحرمة شرعاً.

لكن كثيراً ما حذرت الداعية الراحلة من إجبار الأولاد- ذكور وإناث- على زواج لا يرغبون فيه، وحاربت بضراوة سلوك بعض الآباء الذين يجبرون بناتهم على الزواج من شباب لا يرغبن فيه، وقالت «الإسلام دين واقعي يحترم المشاعر العاطفية، ويقدر رغبات الإنسان المشروعة، ويؤكد ضرورة تحقيق الوفاق والتفاهم بين الراغبين في الزواج.. ومن هنا اهتم في تشريعاته بمشاعر الود والقبول بين الرجل والمرأة بل إنه الدين الوحيد الذي يعترف بذلك كشرط لدوام الحياة الزوجية واستمرارها».