من الواضح أن «كورونا» لن تفارقنا قريبًا. في عودة إلى الإنفلونزا الإسبانية، والتي نشأت حقيقة في الولايات المتحدة في العام 1918 وكانت الأشد قسوة وشراسة بين الجائحات في العصر الحديث إذ يُقدّر أنها قتلت ما بين عشرين وأربعين مليون شخص، دامت الجائحة لأكثر من سنتين حتى ربيع 1920. وها أن العالم يشهد موجة رابعة من «كورونا-دلتا»، لا أحد يعرف متى ستنتهي وإذا كانت ستليها موجات أخرى من متحوّلات لا حصر لها.
فكيف حوّلت دلتا مسير الجائحة وإلى أين ستذهب بعدها؟
يقدّر الخبراء العالميون أن ثمة ثلاثة سيناريوهات أمام دلتا:
- في السيناريو الأول الأشد تفاؤلاً: يفشل الفيروس في الهرب من المناعة الجماعية، في حال تم تلقيح العدد الكافي من الناس، كما حصل مع الفيروسات التي سبقته من نكاف وحصبة وشلل أطفال وجدري والتي لم تتمكن من التغلب على اللقاحات التي صُمِّمت لأجلها. وهذا من السيناريوهات غير المرجحة لأن وتيرة التلقيح العالمية لا تزال بطيئة.
- في السيناريو الثاني: ينجح الفيروس في الهرب جزئيًا من الحماية التي يوفرها اللقاح ويدفع ثمنًا لذلك وهو تضاؤل في قدرته على إلحاق الأذى أو التسبب بالوفاة، كما حصل مع فيروس الإيدز في التسعينيات حين طوّر متحورًا زاد من مقاومته للأدوية المضادة للفيروس ولكن قلّل من قدرته على التكاثر في داخل الجسم.
- وفي السيناريو الثالث الأشد سواداً: يتمكن الفيروس من أن يشق طريقه حول اللقاح ليلتف على المناعة التي يوفرها ويحافظ على قدرته على الانتشار والتسبب بالوفاة أو أنه قد يزيدها. لكن يقدّر بعض العلماء أن الطرق التي قد يسلكها الفيروس ليست بلا نهاية ولكن المشكلة أن لا أحد يعرف أين نهايتها. وحتى لو ظهر متحوّر جديد، ليس بالضروري أن يكون أشد فتكًا من سابقه دلتا.
وهكذا، فإذا كان «كورونا» لا ينوي مفارقتنا، كيف نعيش مع رفيق الدرب الحابس على أنفاسنا هذا؟
يقول الخبراء إنه حين يتم تلقيح الجميع أو حين يصاب الجميع بالفيروس، سيتحوّل هذا الأخير إلى شبيه بالإنفلونزا العادية مع أعداد أقل من الحالات الاستشفائية والوفيات. وسيأتي زمن في المستقبل حيث ستعود الحياة إلى ما كانت عليه منذ سنتين: تصيبك العدوى، تشتري علبة محارم ورقية، تتناول خافضات الحرارة وتقبع في منزلك لبضعة أيام.
هذه هي على الأرجح وجهتنا ولكن لا أحد يعرف متى سنبلغها وهل ستكون طريقها وعرة ومؤلمة سواء على المستوى الصحي أو على المستويات النفسية والاجتماعية والاقتصادية. هذا بالإضافة إلى ضرورة مواصلة العلماء تطوير لقاحات ضد «كورونا» تلحق بمتحوراته كما يفعلون كل سنة مع الإنفلونزا.
ويبقى الخيار قائمًا، إما اللقاح للجميع وإما العدوى للجميع.