شهدت عدد من الدول العربية سلسلة من الجرائم الوحشية خلال الأسابيع الماضية مع اختلاف أحداث وتفاصيل كل جريمة، لكنها جميعها تندرج تحت مسمي القتل تحت تأثير الحب.
البداية كانت مع قصة طالبة جامعة المنصورة في مصر (نيرة أشرف) والتي قتلها زميلها أمام أبواب الجامعة ولم يكتفي بالطعنات المميتة التي وجهها لها ولكنها أجهز عليها ونحرها أمام الجميع، ولأن الجريمة التقطتها الكاميرات وتناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ولأن تفاصيل الجريمة مفزعة وبشعة وتعيدنا إلى عصور الوحشية الأولى والتي كان القتل فيها مشاعاً، لاقت جدلاً واسعاً وردود فعل قوية.
وما هي إلا أيام أو ساعات قليلة حتى وقعت ضحيتان جديدتان لجرائم القتل العمد تحت تأثير الحب أيضا، الأولى لفتاة وطالبة جامعية تدعى ايمان إرشيد قتلت في الجامعة في الأردن على نفس طريقة نيرة ولنفس السبب وهو رفضها الارتباط بالمجرم القاتل الذي انتحر بعدها بأيام عندما حاصرته قوات الأمن.
والضحية الثالثة كانت في الإمارات لسيدة تدعى لبني والقاتل زوجها انتقاماً منها لطلب الطلاق وبحجة أنه لن يستطيع الحياة بدونها، وتم القبض عليه خلال ساعتين في سيارتها بعد هروبه عقب ارتكابه الجريمة. أما الضحية الرابعة كانت لفتاة فلسطينية قتلها ابن خالها لرفضها الزواج منه.
خلال أيام وجيزة جرائم في دول مختلفة والعامل المشترك فيها هو القتل العمد من جراء الرفض، وهو الأمر الأكثر خطورة بعد أن أصبح البعض يتساءل: هل لم يعد من حق المرأة أن ترفض وإلا ستقتل؟
طرحت «كل الأسرة» ظاهرة الحب الذي يؤدي الي القتل وما تأثير قصص الحب والفراق على العنف في مجتمعاتنا العربية، وسألت بعض أساتذة الطب النفسي وخبراء الأسرة والمشكلات الزوجية حول التعلق المرضي بالأشخاص، وهل يمكن أن يجتمع الحب والقتل معاً:
الشخص المهووس يكون هدفه الأساسي هو الوصول إلى من يحب بأي طريقة حتى ولو وصل إليه عن طريق القتل
في البداية، توضح الدكتورة هبة العيسوي، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن هناك اختلاف كبير بين الحب والهوس بالحب، فالهوس يعني احتلال الشخص الذي نحبه دماغنا وتفكيرنا ومشاعرنا ويصبح هذا الشخص هو الفكرة الأساسية التي تدور داخل عقلنا بالرغم أننا قد نعيش حياة طبيعية تماما ولا يظهر خلالها على الشخص المهووس بالحب أي أعراض إلا عندما تنتهي العلاقة فجأة ويتأكد الشخص المهووس أن من يحب لا يبادله أي مشاعر.
وتقول «حينها لن يستطيع الشخص المهووس بالحب التخلي عن فكرة الحب لأن ذلك يمثل له شعور شديد بالفقد والفراغ العاطفي، وخصوصاً إذا كان قليل الثقة بالنفس ولا يشعر بالأمان الداخلي فعقله لا يقبل فكرة الانفصال ويستمر في العلاقة من طرف واحد ويبذل جهد كبير في محاولات التواصل وتجديد المشاعر تارة بالحسنى عبر الاتصالات التلفونية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي وملاحقتها في كل مكان تذهب إليه وإطلاق العديد من صيحات التهديد والوعيد، وهنا يكمن الخطر».
وتستطرد أستاذة الصحة النفسية «مكمن الخطر يكون لأن الشخص المهووس يكون هدفه الأساسي هو الوصول إلى من يحب بأي طريقة حتى ولو وصل إليه عن طريق القتل».
وتطالب د. هبة العيسوي الآباء والأمهات بسماع أولادهم في فترة المراهقة والشباب ومنحهم الفرصة كاملة ليعبروا فيها معهم عن كل ما يجيش في صدورهم من مشاعر دون خجل أو خوف، وتحذرهم من استعمال الكلمات والجمل السامة مثل «استرجل» أو «أنت بلا كرامة» أو «عيب الكلام ده» و «انت لسه عيل صغير» لأن الأب والأم لو عرفوا كيف يفكر أبنائهم سيدركون هل يعاني هؤلاء الأبناء من هوس الحب أم لا، وكيف يتعاملون مع حالة الهوس التي تحتاج بلا شك إلى الاستشارة النفسية المتخصصة.
ضرورة التعامل الصحيح مع مشاكل الأبناء في فترة المراهقة بدون عنف
ويتفق معها الدكتور أشرف محمد عبد الغني، أستاذ الصحة النفسية بجامعة الإسكندرية، في ضرورة الانتباه إلى مشاعر الأبناء ومناقشة كل أمورهم معهم بهدوء وعدم الاستخفاف بهم، ويبين «الأبناء أمانة في أعناقنا يجب أن نعلمهم أن الحب ليس بالإجبار ويجب أن ننبههم إلى الأخلاق ونزرع فيهم التسامح وتقبل الصدمات».
الكثير من الآباء والأمهات يتعاملون بشكل خاطئ مع فشل علاقات أولادهم العاطفية في فترة المراهقة ويتعاملون بعنف مع أولادهم
وينصح «صادقوا أولادكم، المثل يقول «إن كبر ابنك خاويه» فهم مثل النبات يكبر يخضر ويذبل ويتنفس ويترعرع ويموت فينكسر العود اليابس ويصبح جمر ورماد.. السوداوية التي في بعض القلوب كارثة لا تحل إلا على أصحابها ولا ذنب للطرف الآخر أن يدفع الثمن، فالمصيبة هنا تحل على الجميع، وربما تتكرر عندنا في مجتمعاتنا كل يوم جرائم انتحار بسبب فشل الحب ولكن لا تقم بسببها الدنيا ولا تقعد مثلما يحدث من جراء هذه الجرائم».
ويرى أستاذ الصحة النفسية أن الكثير من الآباء والأمهات يتعاملون بشكل خاطئ مع فشل علاقات أولادهم العاطفية في فترة المراهقة ويتعاملون بعنف مع أولادهم، خاصة إن تعلق الأمر بعلاقة عاطفية، ولا يتركون لأبنائهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم بأي شكل من الأشكال «كثيراً ما أنصح الآباء والأمهات بأنه ينبغي لهم أن يعلموا بأن الولد أو البنت في فترة المراهقة قد يمر بعلاقة عاطفية لا تتعد شهوراً أو حتى شهراً واحداً لكنها تكون مليئة بالمشاعر الفياضة».
وفي حالة صدمة الحب الأول يختلف شعور المراهق بحسب جنسه، فالبنت لا تكون قوية ولا تستطيع كتمان الأمر كثيراً وتنهار أمام صديقاتها وأسرتها وتبحث عن شخص تبث له همومها، وهي في الحقيقة تكون أكثر احتياجاً لأحضان أمها في هذا الوقت لذلك يجب أن يكون رد فعل الأم أكثر هدوءا وتتقبل حكايات ابنتها بلا قسوة ولا تهديدات. أما الولد فهو يستطيع بشكل أكبر أن يحبس مشاعره ولا تكون لدية القدرة ولا الشجاعة على الحديث حول هذا الأمر وهذا يجعله أكثر عنفا وعصبية. وفي كلا الحالتين يجب أن نساعد الابن أو البنت على الخروج من هذه الأزمة ونشجعه ونؤكد له أنه يستطيع إقامة علاقة ناجحة في المستقبل.
دور الدراما و «سوشيال ميديا» في التشجيع على العنف ضد المرأة
أما الدكتورة نانسي ماهر، خبيرة العلاقات الانسانية والعلاج الزواجي بالقاهرة، فترى أننا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة وليست مجرد حالات فردية يشارك فيها التربية على التفرقة والدراما التي تمجد البلطجي وتنشر العنف والـ«سوشيال ميديا» التي أصبحت مرتع التحريض العلني ضد الإناث والتعاطف مع المجرمين ولوم الضحايا.
وتضيف «للأسف الدراما والأغاني الجديدة تصور للشباب أن الأشخاص مثل العقارات وبالتالي يتعاملون معهم على أنهم أملاكاً، لكن في الحقيقة الأشخاص ليسوا عقارات نستطيع تملكها ويجب أن نعلم شبابنا أن خطيبتك ليست ملكك وزوجتك ليست ملكك وحتى ابنك أو بنتك ليسوا ملكك. والموضوع يتعلق أيضاً بعادات مجتمعاتنا والتقاليد البالية ونظرة المجتمع للمرأة التي أرى أنها مازالت تحتاج إلى كثير من التغيير بداية من تفكير المرأة في ذاتها مروراً بالتربية والتعليم ووصولاً إلى التمييز الإيجابي لتحصل على حقوقها كاملة وتنال التقدير المستحق من المجتمع دون أن تتحول إلى موضوع للشهوة أو فريسة للذئاب والمتحرشين».
اقرأ أيضًا: ما علاقة العنف الأسري بالإعلام والـ«سوشيال ميديا»؟