12 سبتمبر 2022

بعد سنوات من الأحداث والنزاعات.. السياحة تعود إلى طرابلس اللبنانية

فريق كل الأسرة

فريق كل الأسرة

بعد سنوات من الأحداث والنزاعات.. السياحة تعود إلى طرابلس اللبنانية

بعد سنوات من النزاعات، فضلاً عن «كورونا»، عادت مدينة طرابلس اللبنانية تدريجياً إلى توازنها، وأبلغ مؤشرات ذلك قيام أهلها بتنظيم مبادرات وفعاليات تهدف إلى تعريف الناس بهذه المدينة العريقة بتاريخها، من خلال جولات سياحية لا تستثني أياً من أنحائها، فهي مدينة غنية بأبعادها الثقافية والأثرية والترفيهية والعمرانية والاجتماعية، وفيها صورة مصغرة لحقب مرت من تاريخ لبنان والعالم العربي.

السياحة تعود إلى طرابلس اللبنانية

تبعد طرابلس عن العاصمة اللبنانية بيروت نحو 90 كيلومتراً، وتعتبر المدينة الثانية من حيث الأهمية. وقد لقّبت بالفيحاء لأن بساتين الحمضيات كانت منتشرة في أرجائها وعلى امتداد قضائها، مروراً بالمنية، وصولاً إلى مداخل عكار شمالي لبنان، حيث كانت رائحة الليمون تفوح منها.

طرابلس اللبنانية

كما أن الفيحاء مشهورة باللقمة والحلويات الطيبة وبشعبها الطيب، وهي جزء مما يعرف ببلاد الشام المشهورة بمطبخها الأفضل على الإطلاق في المنطقة.

وعليه لا يمكن لزائر طرابلس إلا أن يتذوق مأكولاتها وحلوياتها، حيث لقصر الحلو الأثري الذي أنشئ عام 1881 محطته المعهودة، إضافة إلى شبكة المطاعم التاريخية وفي طليعتها «الشاطئ الفضي»، و«أبو نواس».

السياحة تعود إلى طرابلس اللبنانية

ويلفت نائب نقيب محرري الصحافة اللبنانية ابن طرابلس غسان ريفي، إلى أن المدينة تضم عدداً من المقاهي التاريخية، أبرزها مقهى فهيم، ومقهى موسى، ومقهى التل، ويروي لـ«كل الأسرة» محطة مميزة في طرابلس حين زار الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز لبنان، فأقيم له استقبال حاشد في الحديقة العامة قرب مبنى البلدية، وأعدّ له عبد الرحمن الحلاب حلوى من الفستق والشعيرية بالسمن البلدي وسماها «الفيصلية» تيمّناً باسمه، وهي الحلوى التي لا تزال تصنع وتقدّم كأحد أفخر أصناف الحلوى الطرابلسية حتى اليوم.

ثاني مدينة مملوكية في العالم بعد القاهرة

ثاني مدينة مملوكية في العالم بعد القاهرة

وتعد طرابلس من أهم المدن الأثرية، وهي عبقة بتعاقب الحقب التاريخية التي مرت بلبنان والمنطقة، حتى إنها ثاني مدينة مملوكية في العالم بعد القاهرة، وقد تكون المدينة الوحيدة على المستوى الدولي التي تحتضن كمّاً هائلاً من الآثار توجد ضمن محيط جغرافي يقل عن كيلومتر واحد وهو مأهول بالسكان، بما فيها محال ومبانٍ سكنية يعود بعضها إلى 700 سنة خلت، وهي مأهولة وتستخدم للصناعة والتجارة.

تحتضن طرابلس وميناؤها 360 معلماً أثرياً مصنفاً

تحتضن طرابلس وميناؤها 360 معلماً أثرياً مصنفاً

كما تحتضن طرابلس بواجهتها البحرية في الميناء 360 معلماً أثرياً مصنفاً، ونحو ألف أثر لم يُصنّف بعد، وتعود جميعها إلى عهود الرومان والصليبيين والبيزنطيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين، إلى جانب التراث الفرنسي، وصولاً إلى الحداثة الراهنة. وحسب ريفي، فإن أكثرية هذه الآثار مملوكية وعثمانية، فضلاً عن أن عاصمة الشمال كانت مدينة مميزة طوال العهود السابقة، فقد كانت تعرف بـ«الكونتيسا» عند الصليبيين، وكانت مركزاً للولاية أيام المماليك والعثمانيين، حيث كان ولاتهم يتخذون منها مركزاً لكل منهم.

منطقة القبة

ويشير ريفي إلى أن منطقة القبة تعود تسميتها إلى الخيمة ذات القبة العالية التي نصبها المنصور قلاوون في عهد المماليك، خلال محاصرته طرابلس لطرد الصليبيين منها.
أما منطقة الزاهرية فكانت تُعرف بالظاهرية تيمناً بالقائد العسكري المملوكي الظاهر بيبرس الذي كان يسكن فيها، موضحاً أن فن العمارة في هذه المدينة مملوكي وعثماني الطراز، بينما يظهر الطراز الحديث باعتماد مزايا البنّائين الفرنسيين والإيطاليين.

قلعة المدينة

قلعة المدينة طرابلس

وقلعة المدينة أهم معلم أثري شاهد على تاريخ المدينة، ولعلها كذلك أبرز معلم أثري في لبنان، وقد بُنيت منذ الفتح العربي، حيث كانت برجاً شيّده سفيان الأزدي، ثم عمد أحد القادة الصليبيين وهو ريمون دي سان جيل، إلى توسيعها.
وفي العهد المملوكي توسّعت القلعة بشكل كبير جداً، وأدخل أحدث توسيع عليها في أيام العثمانيين.

قلعة المدينة

وتحت القلعة هناك «التكية المولوية» التي أعيد ترميمها وتأهيلها، وهي جزء من التكايا والمدارس القديمة المنتشرة في طرابلس. وحسب ريفي ترتبط هذه التكية بشكل وثيق بمدينة قونيا التركية، مسقط رأس جلال الدين الرومي، الذي كان أول من عمل الفتلة المولوية، وأسس التكايا في المدن على ساحل المتوسط في العهد العثماني.

أسواق طرابلس التاريخية

أسواق طرابلس التاريخية

ولطرابلس شهرتها بأسواقها التجارية المملوكية القديمة التي تبدأ الرحلة إليها من ساحة التل وساحة عبد الناصر، ومقهى فهيم، حيث يمزج البناء الأثري لهذه الأمكنة الثلاثة بين فن العمارة العثماني والتراث الفرنسي، خصوصاً في عقوده الحجرية ونقوشه ونوافذه، إلى جانب مبنى القصر البلدي الأثري، وقصر نوفل، والحديقة العامة، وساعة التل أو ساعة السلطان عبد الحميد التي بناها بمناسبة مرور 25 عاماً على توليه عرش السلطنة العثمانية.

أسواق طرابلس التاريخية

وتنطلق الرحلة إلى منطقة الأسواق من السوق الأثري العريض، ومنه إلى أسواق الذهب والملابس والبازركان، والعطارين والحدادين والنجارين، وإلى حمامات العبد وعز الدين والجديد، إضافة إلى خانات الخياطين والصابون والعسكر والمصريين، لتنتهي عند أسوار القلعة.

أسواق طرابلس التاريخية

وللسياحة الدينية حصتها الكبرى في طرابلس، بفعل وجود كمّ هائل من المساجد على رأسها الجامع المنصوري الكبير، وجامع القرطاوية، ومسجد طينال والجامع الحميدي، وجامع العطار، وجامع أرغون شاه. أما أبرز الكنائس الأثرية فيها فكنيستا مار جاورجيوس في الميناء وطرابلس، وكنيسة مار مارون، وكنيسة مار نقولا.

وللسياحة البحرية حصتها كذلك في الرحلة إلى طرابلس

وللسياحة البحرية حصتها كذلك في الرحلة إلى طرابلس، حيث يمتد الكورنيش البحري على طول 7 كيلومترات، وهو أطول كورنيش على امتداد الشواطئ اللبنانية، وقد تم تأهيل 4 كيلومترات منه، وسيستكمل العمل في المساحات الأخرى منه. وإلى جانب الهدوء والسكينة والتمتع بمنظر البحر تحت قبة السماء الزرقاء، تنتشر إلى الجنوب من طرابلس، شبكة من المؤسسات السياحية البحرية.

9 جزر قبالة شاطئ «الفيحاء» ومحمية النخل ملجأ للطيور المهاجرة

9 جزر قبالة شاطئ «الفيحاء» ومحمية النخل ملجأ للطيور المهاجرة

ويستطيع الزائر كذلك، استكمال رحلته إلى 9 جزر قبالة شاطئ الفيحاء وهي: عبد الوهاب والبلان والرملية، والجزيرة الأولى والجزيرة الثانية، والجزيرة الثالثة، ومحمية جزر النخل التي كرست عام 1989 وتضم 3 جزر هي: الأرانب والفنار ورامكين. ويوضح ريفي أن هذه الجزر طبيعية، ولكن لا تزال مهملة على الرغم من أن كلاً منها يمكن أن تستخدم معلماً سياحياً، مشيراً إلى أن جزر النخل هي أهم مركز في الشرق الأوسط للطيور المهاجرة وتفريخ السلاحف البحرية، إلى جانب تنوّع بيولوجي ونباتات نادرة للطب العربي وطب الأعشاب.

*يذكر أن الرحلات إلى هذه الجزر تنظم فقط في أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر، ثم تقفل أمام الزوار في بقية أشهر السنة. 

*إعداد: شانتال فخري - بيروت

 

مقالات ذات صلة