كل المعلقين في العالم وكل عناوين الصحف أجمعوا على اختيار كلمة «هزّة» لوصف ما تركه البرنامج التلفزيوني الذي بثته منصة «نتفليكس» وكشف فيها هاري وميغان تفاصيل فضائحية عن أجواء القصر الملكي وعن تعامل عنصري مفترض في أروقته. أين الحقيقة وأين المزاعم في حديث الأمير نجل ملك بريطانيا، وزوجته الممثلة الأمريكية السابقة المتحدرة من أصول إفريقية؟ والسؤال الأهم: كم مليون دولار قبض الاثنان مقابل تصريحاتهما؟
مساء الثلاثاء، السادس من الشهر الجاري، كان الأمير البريطاني هاري وزوجته ميغان ماركل، ضيفي الشرف في حفل باذخ أقيم في نيويورك بمناسبة توزيع جائزة روبرت كنيدي لحقوق الإنسان والمسماة «هدير الأمل». ظهرت ميغان، التي باتت تحمل منذ اقترانها بالأمير الأشقر لقب دوقة ساسيكس، مرتدية فستاناً أبيض من توقيع «لوي فويتون» يكشف عن استدارة كتفيها، تبتسم بمنتهى السعادة وكأنها غير مهتمة بالزلزال الذي تسببت به تصريحاتها في المسلسل الوثائقي التلفزيوني الذي بثته منصة «نتفليكس» التلفزيونية العالمية بعد ساعات قلائل من الحفل.
أين الحقيقة في كلام "هاري وميغان"؟
وصل الاثنان إلى نيويورك على متن طائرة خاصة، قبل يومين من بث السلسلة المعنونة «هاري وميغان»، وفيه يتوسعان في الكلام عن الموضوع الذي سبق لهما تسريب وقائع منه في مقابلة شهيرة مع الإعلامية أوبرا وينفري، تشير إلى تعامل فوقي وعنصرية في أوساط العائلة المالكة، الأمر الذي تقول ميغان إنها لاحظته وعانته لأنه يمس أصولها الإفريقية. هل كانت مكروهة، بالفعل، من أفراد معينين من العائلة بحيث إنها حرضت زوجها على أخذ مسافة من القصر والتخلي عن المهمات البروتوكولية والسفر بعيداً عن الجزر البريطانية للعيش في الولايات المتحدة؟.
في أحد المقاطع الإعلانية للمسلسل الوثائقي، يقول هاري وهو ينظر للكاميرا «لا أحد يعرف الحقيقة كلها. نحن نعرف الحقيقة كلها». ثم تدخل ميغان في المشهد لتقول «من هو أفضل منا لرواية حكايتنا الخاصة؟». والحقيقة أن آثار «الهزة» قد سبقت البث. فقد تعرضت ميغان لهجوم شديد من الصحف الشعبية البريطانية حال تسرب أخبار عما يمكن أن يتضمنه المسلسل. وجاء في تعليقات المحللين أن الأمير وزوجته ليسا بريئين من هذه الكشوف طالما أن شركتهما الخاصة ساهمت في إنتاج البرنامج الوثائقي. أي أنهما يتبنيان ما ورد فيه من مساس بأفراد من العائلة المالكة أو من طاقم العاملين في القصور الملكية.
هاري هل تكره عائلتك إلى هذا الحد؟
نشرت «الديلي ميل» مقالاً اتهمت فيه هاري وميغان بأنهما يحاولان تضليل الأمة كلها ويملآن جيوبهما بالمال ولا يتورعان في سبيل ذلك بأن يستفيدا من إرث ديانا أميرة القلوب ويجعلان من مأساتها غطاء لهما. وما ورد في هذه الصحيفة ورد ما هو أقسى منه في «الصن» و«الديلي ستار» التي وجهت الخطاب إلى الأمير في عنوان صفحتها الأولى: «هاري هل تكره عائلتك إلى هذا الحد؟».
المأخذ الأكبر الذي يؤخذ على هاري هو أنه دائم التحدث عن كرهه للمصورين ولمطارداتهم المزعجة والفظة والتي كانت سبباً في مصرع والدته الأميرة ديانا في حادث سيارة وقع في باريس، حسب وجهة نظره. فإذا كان يكره الأضواء بالفعل، فلماذا يقوم بتغذية الشائعات ويضع نفسه في بؤرة الضوء مع زوجته، من خلال هذا الوثائقي المثير للتقولات؟ هل سعى للابتعاد عن أجواء القصر، أم أنه عقد النية على الانتقام وكسب المال على حساب سمعة العائلة؟
لم يحدث من قبل أن تعرض فرد من أفراد العائلة المالكة للتعليقات الساخطة والناقدة مثلما تتعرض له ميغان حالياً من أوساط الرأي العام في بريطانيا. لقد ظنت أنها ستكسب التعاطف لكونها السمراء التي عوملت بتمييز من البيض، لكن ما حدث هو العكس. فالكل ينظر إليها على أنها المرأة الانتهازية الحقود التي فرقت ما بين زوجها وأخيه الأمير وليام وأحدثت شرخاً بين حفيدي إليزابيث الثانية وتسببت في أحزان عانتها الملكة الراحلة في سنواتها الأخيرة.
الحاجة للمال.. الكثير من المال
عند وفاة الملكة، شاهد العالم أجمع حفيدها المارق يعود مع زوجته ليشارك في الجنازة ويسير مع أفراد العائلة صفاً بصف. توقع الجميع بوادر مصالحة بين الأخوين هاري ووليام، وبداية تمهيد لعلاقة ودية مع القصر. لكن ما شاهدناه كان طرفاً من الأوهام. وكل ما هنالك أن ميغان ومن ورائها زوجها قاما بتأجيل المسلسل الوثائقي لحين مرور وقت كاف تخمد فيه مشاعر الحزن على الملكة. لقد اعتادا حياة الترف والبذخ والمساكن الفخمة والطائرات الخاصة وحفلات النخبة والثياب التي تحمل توقيعات كبار مصممي باريس وميلانو. لكن قرار الانفصال عن العائلة أصاب الميزانية بنقص لم يتوقعاه، وصارا عاجزين عن العيش في المستوى الرفيع الذي يناسبهما. وبالتالي كان لابد من تأمين مصدر للمال... الكثير من المال... فهل تعود الممثلة السابقة إلى أدوار عابرة في السينما بعد أن اعتادت دور البرنسيسة؟ وبأي مهنة يمكن أن يعمل الأمير الذي كان ضابطاً سابقاً وفي أي جيش؟
كارداشيان الجديدان
كان الحل هو بيع الذكريات وما يدور وراء جدران القصور من أسرار. وفي حين لم ينشر رقم محدد وصحيح حول ثمن الصفقة فإن من المؤكد أنه تجاوز عدة مئات من ملايين الدولارات. لقد سبق لهما توقيع عقد قيمته 100 مليون دولار مع منصة البث «نتفليكس» التي يتابعها مشاهدون في كل القارات، ومع منصة «سبوتيفاي». لقد اتخذا من ولاية كاليفورنيا مقراً لهما. وهناك من بات يطلق عليهما لقب «كارداشيان الجديدان» تشبيهاً لهما بنجمة تلفزيون الواقع الأميركية التي جمعت المليارات مع عائلتها من بيع الفضائح. وهناك في اللقطات الإعلانية التي سبقت بث المسلسل الوثائقي صور لميغان وهي تمسح دموعها من التأثر والشعور بالظلم، تجاورها صور مموهة للأمير وليام وزوجته كيت وهما يتشفيان بها.
لعل المستهدف الأول في هذه المعمعة كلها هو كيت ميدلتون، زوجة ولي العهد المرشحة لأن تكون ملكة بريطانيا المقبلة. ويزعم هاري في المسلسل الوثائقي أن هناك تراتبية في العائلة المالكة، أي من هو أعلى ومن هو أوطأ. أليس هذا أمر طبيعي في كل العائلات المالكة؟ أما الملك تشارلز وزوجته كاميلا فغير مهتمين بالفيلم الوثائقي وهما على ثقة بأنهما لم يعاملا ميغان بشكل فوقي أو متعسف. وكان الملحق الصحفي السابق للقصر، ديكي أربيتر، قد استخف بوقع المسلسل وتساءل «ما الذي يمكنهما أن يقولاه أكثر مما قالاه في مقابلة أوبرا»؟ هل تسببت كيت في ضرر لسلفتها؟ هناك مشهد لهاري يضع يده على وجهه بينما تختبئ زوجته وراءه، حين كانت حبلى بابنتهما ليليبيث. ثم نسمع الأمير يتحدث عن ألم النساء اللواتي يتزوجن أفراداً من عائلات ملكية. نفهم أن المقصودة هي ميغان، وقد تكون في الوقت ذاته كيت ميدلتون، أو حتى والدته ديانا سبنسر، لأننا نرى في خلفية المشهد حشداً من المصورين يطاردونها. هل يريد أن يقول إن هروبه مع زوجته من لندن هو لكي يجنبها المصير المأساوي لديانا؟
لقد بدأ وانتهى العرض.. فهل تقع هزة ويقوم زلزال؟ يبدو أن الناس العاديين غير مهتمين بهذا المسلسل الوثائقي وبما يتضمنه من هموم برجوازية لزوجين مرفهين. فالمواطن الإنجليزي يعاني شبح البرد وشحة الغاز والوقود، ومن الأزمة الاقتصادية الطاحنة في العالم كله، والغالبية تشعر بالغضب من تفاهة من يجعل من الحبة قبة، في حين أن الشعب عاجز عن تدبير مصاريف أعياد الميلاد وآخر السنة.
تنبيهات في مقدمة الوثائقي
قبل البدء بالعرض، تظهر على الشاشة عبارات مكتوبة تشير إلى عدة أمور، أولها أن العائلة المالكة البريطانية رفضت التعليق على ما جاء في المسلسل الوثائقي. وثانياً أن كل المقابلات فيه تمت في شهر أغسطس من العام الحالي، أي قبل وفاة الملكة إليزابيث في التاسع من سبتمبر. وهناك إشارة ثالثة إلى أن هذه الحلقات تستند إلى الرواية المباشرة للأمير وزوجته وإلى أرشيفهما الشخصي غير المنشور سابقاً. لكن الجمهور الذي كان متشوقاً لرؤية الحلقات أصيب بما يشبه خيبة الأمل لأنها تخلو مما يمكن وصفه بالفضائح المدوية. بل أن مقابلتهما مع أوبرا وينفري كانت أكثر خطورة.
لقد اتخذت أمي قراراتها بقلبها دائماً وأنا ابن أمي
زواج بقرار من القلب
من أقوال هاري في المسلسل «كثيرون من أفراد العائلة المالكة، لاسيما الرجال، يميلون للزواج من شخص قابل للدخول في القالب على أن يتزوجوا من الشخص الذي أرسله القدر لهم. فهناك فرق بين اتخاذ قرارات من العقل وبين قرارات من القلب. لقد اتخذت أمي قراراتها بقلبها دائماً وأنا ابن أمي». إن الأمير يتحدث كثيراً عن والدته وعن أثر موتها عليه. وهو يلقي اللوم دائماً على الصحفيين والمصورين الذين كانوا يطاردونها في كل تحركاتها، ثم صاروا يطاردونه بعد ذلك. ويقول إن أفراد العائلة الملكية تعودوا على ذلك الواقع كلما ظهروا في مكان عام لذلك فإنهم لا يتفهمون ضيقه بهذه الملاحقة المستمرة.
تفاصيل اللقاءات السرية بين هاري وميغان
يروي هاري وميغان ذكريات أول تعارف لهما والذي تم عبر «إنستغرام». ثم قصة اللقاء الأول الذي جرى في يوليو 2016 وكيف وصل الأمير متأخراً ثم تعانقا بود وسرى التيار بينهما على الفور. وكان اللقاء الثاني موعداً على العشاء، والثالث سفرة لمدة أسبوع إلى بوتسوانا أعقبها شهر من اللقاءات السرية قبل انكشاف علاقتهما على صفحات الجرائد في خريف العام نفسه. والمسلسل الوثائقي يستعرض عدداً من صورهما الشخصية سواء بشكل منفرد أو في الإطار العائلي. ونعرف أن ميغان كانت تناديه بالحرف الأول من اسمه «إتش» وهو يناديها «إم» أو «ميج».