الأمير هاري يواجه "وحش المحاكم" أندرو جرين.. محامي "الديلي ميرور" الذي لن يرحمه
الأمير هاري يصل إلى المحكمة
عينا الأمير الأشقر دامعتان في المحكمة وهو يواجه أندرو جرين، محامي الخصم الملقب بوحش ساحات القضاء والذي سيكشف عن أنيابه خلال الجلسات المقبلة. هل يخرج طفل ديانا المدلل وزوج ميغان المطيع منتصراً في معركة شرسة وغير مسبوقة في أوساط العائلة المالكة البريطانية؟
المحامي أندرو جرين
يعرف البريطانيون مدى البراعة التي يتمتع بها أندرو جرين. إن هذا المحامي القدير الذي اختارته صحيفة «الديلي ميرور» للدفاع عنها في الدعوى المرفوعة ضدها من هاري وندسور، النجل الأصغر لملك بريطانيا، «سيلتهم» الأمير الشاب وسيوجه إليه سلسلة من الأسئلة المحرجة التي لم تخطر له على بال. هي ليست محاكمة عادية، إذا، بل جلسات فضائحية تتابعها وسائل الإعلام العالمية بكثير من الاهتمام ويتلقاها الجمهور بشغف. يجب ألا ننسى أن هذا العصر الإلكتروني هو زمن التلصص وكشف الأسرار
أندرو جرين.. بعبع ساحات المحاكم
كتبت الصحافة أن أندرو جرين لن يقدم إلى هاري أي هدية. وهو سيرد على اتهامات الأمير ويفندها واحدة واحدة. فما هي تلك الاتهامات؟ جاء في الدعوى أن الصحيفة قرصنت الرسائل من هاتف هاري بمستوى احترافي تقني ومتطور من القرصنة. هذا كلام يمكن أن يزعمه أي كان. لكن سيكون على المدعي أن يثبت بالأدلة والوقائع كل تهمة وهو ينفعل إلى درجة تدميع العينين، في مواجهة محام يتسلح بقدر كبير من برودة الدم الإنجليزية الشهيرة. إن التهذيب واجب في مثل هذا النوع من المحاكمات الذي يجري أمام أنظار الملايين. لكن من ذا الذي يستطيع الحفاظ على تهذيبه الملوكي طوال 5 ساعات من الاستجواب الذي يحفر في العمق ويتطرق إلى مواضيع تبدو خارج نطاق الموضوع؟
يقاضي هاري مدير صحيفة «الديلي ميرور» الشعبية لأنه، حسب اعتقاده، لجأ إلى وسائل غير شرعية لجمع المعلومات عنه. وقد أوكل المدير إلى أندرو جرين مهمة الدفاع عنه. إنه محام يصول ويجول في ساحات القضاء منذ 35 عاما. واللقب الذي يلتصق به هو «وحش المحاكم» والخصم الذي لابد من وضعه في الحسبان قبل التورط في أي خصومة. رجل قانون تجد اسمه مدرجاً في قائمة أبرز 500 مكتب محاماة في العالم. وتكمن موهبته في القيام باستجواب مضاد وعنيف يزلزل الخصم، مهما كانت منزلته أو شهرته أو ثروته، وهو، عدا براعته في النزاعات التجارية والمصرفية، متخصص في قضايا النشر والإعلام.
اهتمام محلي وعالمي لحدث نادر
سبق لأندرو جرين التوكل عن مشاهير كثر مثل رئيس فريق موسيقى البوب مونجو جيري، أو مؤسس «آيسلند ريكورد» كريس بلاكويل. وهو يدخل قاعة المحكمة مثل نجم من النجوم، تتركز عليه الأنظار وتلتمع من حوله فلاشات المصورين بنفس الحماسة التي يقابل بها وصول الأمير هاري إلى محكمة لندن العليا في سيارة سوداء والترجل منها بدون أن ينطق بكلمة ردا على ميكروفونات عشرات المراسلين الممدودة نحوه. إنها المرة الأولى منذ قرن تقريبا في تاريخ العائلة المالكة التي يقف فيها أحد أفرادها ونجل الملك في قاعة محكمة أمام قاض. وكانت آخر قضية من هذا النوع تخص الأمير الذي سيصبح ملكاً باسم إدوارد السابع، عام 1891 في قضية قذف.
يعترف بأنه كان غير ناضج
آلام الأمير هاري ومعاناته
غادر هاري موطنه ونفى نفسه إلى الولايات المتحدة، مع زوجته الأميركية ميغان ماركل، ليقيم في كاليفورنيا. إنه يحمل لقب دوق ساسكس، وقد توترت العلاقة بينه وبين القصر في لندن بسبب ذلك الابتعاد والتخلي عن الواجبات البروتوكولية المنوطة به وفق التقاليد. وكان من أبرز أسباب ابتعاده هو ملاحقة الصحف الشعبية له والتعامل بشكل عدائي مع زوجته الممثلة السابقة. ولهذا قرر ألا يسكت على الضرر وأن يقوم بسلسلة تحركات قضائية ضد الصحف التي تلاحقه والتي ما زال يعتبر مصوريها سببا في حادث السيارة التي أودى بحياة والدته الأميرة ديانا، في باريس، عام 1997. وفي هذه الدعاوى بنود تتضمن اتهام الصحافة البريطانية بالتحرش المعنوي بزوجته.
في المحكمة التي بدأت الشهر الماضي، جاء في عريضة الدعوى أن «الديلي ميرور» لجأت لقرصنة رسائل الأمير الهاتفية في الفترة ما بين 1996 و2010. أي أن الأمر يعود إلى ما قبل زواجه من ميغان. ونقل المحررون الذين سمح لهم بحضور الجلسة الأولى، قبل أيام، بأن هاري شرح مدى المعاناة التي شعر بها من «اجتياح الصحافة لحياته خلال فترة طويلة»، وهي ملاحقة استهدفته منذ ولادته. ودمعت عينا الأمير وهو يقول «كان كل مقال يسبب لي ألما». كان يتكلم بصوت متردد وهو يشرح كيف أن الصحف موجودة في كل القصور ولهذا كان يطلع عليها منذ نعومة أظفاره. وقد رسمت الصحافة دوراً محدداً لكل فرد من أفراد العائلة المالكة. والصورة المرسومة له تتراوح ما بين «الأمير البلاي بوي» أي اللاهي الجاري وراء الملذات، وبين الشاب الفاشل أو الغشاش، شارب الخمر، المدمن وغير المسؤول وغيرها من أوصاف في قائمة طويلة.
وقف هاري كشاهد في المحكمة. أقسم على الإنجيل أن يقول الحق. وتساءل في شهادة قرأها على هيئة القضاة: «كم من الدماء ستلوث أياديهم قبل أن يضع أحد نهاية لهذا الجنون؟». ولم يكتف بهذا بل ندد بالعلاقة بين الصحافة والحكومة، قائلاً إن العالم يحكم على بريطانيا من خلال صحافتها ومن أداء حكومتها. وهما برأيه قد بلغتا الحضيض. وأضاف: «تفشل الديمقراطية حين تتوقف الصحافة عن محاسبة الحكومة وتتحالف معها لكي لا يتغير الوضع».
ضربات ودروس قانونية
بدأ المحامي أندرو جرين كلامه بالاعتذار لما حصل من المجموعة الناشرة للصحيفة، وهو أمر ما كان له أن يحصل. وهو اعتذار يقتصر على الاعتراف بممارسات لا تصل إلى حد القرصنة الهاتفية. إن وحش المحاكم يعرف لف القضية وقد درسه جيداً وأمعن في تقليبه على كافة أوجهه وتبحر في كل تهمة واردة فيه. وهو يسعى للتقليل من مسؤولية موكله وعدم القبول بكل ما يتضمنه الملف من اتهامات. وهو قد قرر أن يضع هاري أمام الرأي العام باعتباره شخصية شهيرة لكنها قليلة المصداقية. لن يصل الأمر إلى حد تلقين الأمير درساً بحيث لا يكرر غيره الدخول في نزاعات مع الصحافة لكنه سيحافظ على مستوى من الاحترام مع خصمه قليل الخبرة.
انسجاماً مع شهرته وما عرف عنه من براعة، قام المحامي باستجواب هاري في جلسة عقدت نهار السابع من الشهر الجاري. وهو كان يتحرك وفق خطة دفاعية مرسومة بدقة. وقد تعمد أن يسأل الأمير إن كان قد قرأ بنفسه تلك المقالات التي يزعم بأنها أساءت إليه. وطبعاً فإن السؤال مفخخ لأن هاري كان طفلاً وقت نشر تلك المقالات. لهذا أجاب بأنه لا يذكر ما ورد فيها، لقد مضى على ذلك التاريخ 20 عاماً. وكانت الإجابات مرتبكة وهو يردد أن الصحافة استهدفته بشكل سلبي وعدائي منذ طفولته، وأنه كان يشك في أصدقائه ومن يمكن أن يسرب تفاصيل لقاءاته إلى الصحف. ولهذا عاش في دائرة محدودة.
التقط المحامي جملة وردت في شهادة هاري عن «دماء تلطخ أيدي الصحفيين» وسأله: «أي مقال تقصد بهذه العبارة»؟ وارتبك الأمير وهو يقول إن بعض رؤساء التحرير والصحفيين تسببوا بالكثير من المعاناة، وبالإحباط، وفي حالة خاصة بالموت. وكان يشير إلى ما حدث لوالدته ديانا حين طارد المصورون سيارتها في باريس، تلك المطاردة التي انتهت بالحادث الأليم. وأضاف أنه لم يذكر اسم أياً منهم في شهادته. وهنا استخرج المحامي أندرو جرين 33 مقالاً تستعرض فضائح حياة الأمير وتجاوزاته منذ كان مراهقاً وحتى استقراره في كاليفورنيا مع زوجته وطفليه. ومنها صورته الشهيرة في تلك السهرة التي تنكر فيها بزي ضابط نازي، أو علاقته بعشيقته السابقة تشيلسي ديفي، وسفراتهما سوية لقضاء إجازات في موزنبيق.
وتحت مطرقة الأسئلة اضطر هاري إلى الاعتراف بأنه ارتكب خيانات عاطفية، مبرراً ذلك بأنه كان قليل النضج، لا يفكر بنتائج أفعاله ويتصرف بغباء، مضيفاً «تلك التصرفات تسربت إلى العلن». وأوضح أن الضغط الإعلامي هو سبب انفصاله عن تشيلسي لأنها شعرت بأنها لم تخلق لذلك النوع من الحياة الملكية. وهو انفصال تسبب لهما بقلق كبير لأنهما لم يكونا يفهمان كيف يمكن لعلاقة خاصة وأمور حميمة بينهما أن تتسرب تفاصيلها إلى الصحف. كان لابد من تضييق حلقة الأصدقاء.
باختصار قام المحامي بطهو هاري على نار هادئة بهدف دفع التهم عن موكله لأن المدعي ارتكب كل تلك الأفعال في أماكن عامة وأمام الناس وبهذا فإن الصحيفة لم تتلصص عليه. وختم كلامه بعبارة مبطنة بالخبث «الجميع يتعاطف معك فيما عانيته في حياتك. لكن هذه المقالات ليست ثمرة عمل غير قانوني».. وهذا هو الشوط الأول، وليس من المعروف في أي اتجاه ستمضي بقية الجلسات. لكن من الواضح أن المعركة شديدة ولو تجملت باللياقات الشكلية، حيث يكمن خنجر وراء كل كلمة مهذبة.