مجلة كل الأسرة
31 أغسطس 2023

"ملكة الأطفال" مهرة الشحي وأخوتها يشاركوننا فرحتهم بالعودة إلى المدرسة

فريق كل الأسرة

تعتبر مهرة أحمد الشحي نموذجاً للبراءة والذكاء الاجتماعي حيث تجمع العقل الكبير والقلب الكبير في جسدها الضئيل.

اليوم، تطل مهرة عبر صفحات «كل الأسرة» من خلال هذا الحوار الذي أجرته الزميلة سلام ناصر الدين معها وإخوتها عبدالله وأسماء وهيا، ليسردوا لنا يوميات العودة والتحضيرات للعودة إلى المدرسة واستعداداتهم للقاء الأصدقاء والمعلمات بعد فترة الإجازة الصيفية.


محمد بن راشد يحمل مهرة الشحي

بدأت قصة مهرة أحمد الشحي، الملقبة بـ«ملكة الأطفال»، مع فيديو بثته والدتها خلال تدريباتها في المنزل على فقرة إذاعية لتأديتها في المدرسة وكانت تردد مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله «أنا وشعبي لا نرضى إلا بالمركز الأول ونسعى لأن نكون في المركز الأول عالمياً».

مذاك الوقت، تغيرت حياة مهرة، التي تعاني حالة مرضية نادرة (نقص في هرمون الكبد) أثرت في نموها الطبيعي، وذلك بعد زيارة قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لمنزلها وأطلق عليها لقب «ملكة الأطفال».

فرجاحة عقل مهرة وشغفها بالقراءة وآفاق تفكيرها الواسع والعميق، إلى دور الوالدين في التوجيه والإرشاد والمتابعة، كلها عوامل ساعدتها في أن تكون نموذجاً للنجاح وإثبات الذات ولتكون في «المركز الأول» في قلوب كل من يعرفها.

يوميات العودة إلى المدرسة

تضج مهرة (13 عاماً) بالحياة وبـ«ألق» لحظات العودة إلى المدرسة التي ترسم بدايتها بدعاء الخروج من المنزل ببصمتها الخاصة «بسم الله توكلنا على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم أستودعك نفسي فاحفظني يا الله بحفظك وأستودعك ماما وبابا وإخواني وأستودعك الشيخ محمد بن زايد والشيخ محمد بن راشد والشيخ حمدان بن محمد وكل شيوخ الإمارات».

هذا الدعاء يجسد بداية اليوم المدرسي لمهرة في الصف الثامن في مدرسة النوف –الحلقة الثانية، وتقول «أنا جداً متحمسة لأنني أصبحت في الصف الثامن وسأتعرف إلى معلمات جدد وأستقي معلومات جديدة كما سألتقي صديقاتي وبالأخص سلامة التي أشعر بشوق كبير لها كونها سافرت خلال الصيف ولم أتواصل معها كثيراً كما اللقاء مع ربيعتيّ ريم وميرال».


مهرة مع شقيقتها هيا

اختارت مهرة حقيبة مدرسية باللون الأسود دون رسومات، وحقيبة الطعام برسم «هابي فيس» (وجه باسم) والمقلمة والأقلام والحذاء المدرسي، وبدأت بتنظيم نومها وحتى نوم إخوتها.

تشرح روتين يومها الأول من المدرسة «أستيقظ بمفردي و«لا أعذب» ماما، وفي بعض الأحيان أحضر حقيبة طعامي كما أستعين بأختي أسماء التي تحضر وجبات شهية من الناجتس والزنجر وأضع في اللانش بوكس أطعمة صحية تحوي الفواكه والخضراوات مثل الجزر والخس (أحبهما كثيراً) وبعض الحلويات والعصائر، وأفضل أيضاً «التوست بالزبدة» وأتشارك وصديقاتي بعض الأطباق»، وتردف ممازحة «في حال شاركنني وجباتهن».. وتكمل «بالعكس، حتى أني أعطيهن المال في حال لم يكن معهن ليشترين ما يرغبن».

أدعو كل الطلاب إلى الاجتهاد والمثابرة لكي يستطيعوا تحقيق أحلامهم وطموحاتهم

أما شقيقتها هيا، ابنة الأربع سنوات، فهي فخورة بحقيبتها المدرسية الجديدة ذات اللون الزهري وبذهابها إلى المدرسة. تحاول أن تقرّب لنا ملامح فرحتها بالمدرسة حيث تأتي لنا بحقيبتها وتحاول الإشارة إلى الصورة المطبوعة عليها لطفلة ترتدي فستاناً وردياً وتظهر أقلامها الوردية، ولا تغفل «اللانش بوكس» بالملعقة والشوكة، وتشير إلى «مطّارة الماء» الزهرية بكلمات خافتة وخجولة. تختصر هيا سعادتها بإيماءة من رأسها بالإيجاب، وتذكر ما ستحمله في اللانش بوكس من «جزر، خيار، موز».

هذا الهدوء ينسحب على اليوم الدراسي الأول لدى الأبناء الأربعة.. تروي الوالدة مريم الشرفاء «اليوم الدراسي الأول يمر بهدوء كون لا أحد منهم يبكي عند مغادرتهم البيت. فأنا أعمد إلى تهيئتهم للمدرسة نفسياً وتعليمياً وحتى أعلمهم المعوذات، سورة الحمد، الحروف باللغتين العربية والإنجليزية وكذلك الأرقام».

واللافت أن الوالدة تعتمد عقاباً عكسياً مع أبنائها «تغييبهم عن المدرسة هو عقاب بالنسبة لهم»، وهنا تتدخل مهرة «حتى عندما كسرت رجلي، رفضت البقاء في البيت وذهبت للمدرسة».

تتفاوت تحضيرات كل من الأبناء الأربعة مع اليوم الدراسي الأول. تمزج شقيقتها أسماء (10 سنوات) بين الجدية والمرح «منذ اليوم الأول، أتعامل مع الدراسة بجدية، إلا أني أهتم كثيراً بالطعام (تعقّب ضاحكة)، فأنا أحضر الكثير من وجبات الطعام من ناغتس وزنجر وشرائح البطاطا».

تعرب أسماء، في الصف الخامس في مدرسة النوف –الحلقة الثانية، عن سعادتها لعودة المدرسة «أشعر بالنشاط والفرح». وبدوره، يلفت عبدالله (12 عاماً)، في الصف السابع بمدرسة القرائن بالشارقة، إلى تعامله بجدية مع الدراسة عند «استلامه الكتب»، كما يقول.

تحديات المدرسة أمام مهرة

ولكن ما الذي تغير في واقع مهرة الشحي بعد زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لمنزلها؟

ذللت الزيارة الكثير من العقبات، وبالأخص، كما تشرح الوالدة، «أن الشيخ محمد قدم لنا بيتاً، هبة من سموه، انتقلنا إليه وبات لمهرة غرفتها الخاصة التي تتوافر فيها كافة المرافق الضرورية».. وتسرد رحلة مهرة مع تحديات المدرسة «لم تواجهني أي مشكلة في صفوف الروضة، ولكن في الصف الأول رفضت المدرسة استقبالها وعانينا الكثير وقصدنا وزارة التربية والتعليم إلى أن تواصل وزير التربية آنذاك الدكتور حسين الحمادي مع المدرسة لقبولها. بعد المدرسة الأولى، انتقلت مهرة إلى مدرسة أسماء النموذجية حيث سهلت لنا المديرة فاطمة العويس الكثير ووفرت المرافق المناسبة، وهي لم تزل تتواصل مع مهرة وتسأل عن أحوالها بعد انتقال ابنتي إلى مدرسة أخرى»، كما تمّ تعيين مساعدة لمهرة تساندها في بعض الأمور اللوجستية منها حمل الحقيبة المدرسية ذات الوزن الكبير وغيرها.

القراءة ودورها المؤثر لمهرة

القراءة جزء من يوميات أطفال هذه العائلة. سبق لمهرة أن شاركت في تحدي القراءة وفازت بالمركز الأول على مستوى إمارة الشارقة عن فئة أصحاب الهمم، كما فازت بالمركز الرابع على مستوى الدولة، وهي مستعدة لخوض غمار التحدي من جديد مع الأمل بحصد المركز الأول دون منازع.

تقرأ مهرة القصص ذات الطابع التعليمي والحماسي في آن، تقول «بعض القصص تعلمنا عدم الاستسلام وإعادة المحاولة من جديد. باختصار، أحب نوعية القصص التي تعلمني التحدي وتزودني بمعلومات عن الكواكب والعلوم وغيرها». وتؤكد والدتها «قراءاتها ساعدتها في تغيير نوعية أفكارها وحتى شعرت أنها «كبرت وايد» بفضل القراءة».

تلفت مهرة إلى عادة واظبت عليها عند القراءة وهي «التدوين»، «القراءة تجعل المعلومات منسقة في دماغي أكثر، ولكن تلخيص كل ما أقرأه كتابياً يسهّل حفظ المعلومة واسترجاع معلومات المواد الدراسية أيضاً وبالأخص خلال الاختبارات».

إلى جانب ذلك، تواظب مهرة على أداء الصلوات في أوقاتها وحتى أنها تلعب دوراً مؤثراً في تغيير تفكير طالبات المدرسة «أقنعت صديقتي بضرورة المشاركة في تحدي القراءة عبر الاستعانة بأحاديث وسور من القرآن، وأقنعت أخرى بضرورة التزامها بالحجاب وتغطية الجزء المكشوف من شعرها بعد أن كانت تقلد بعض الطالبات، وهناك طفلة يتيمة في المدرسة كانت تحزن عند رؤية أب يحضن ابنته، فأعمد لتهدئتها لكون «والدها في مكان أفضل» وحتى أني دعوتها يوم ميلادي وحضرت وسعدت جداً».

تفضل أسماء، الأخت الوسطى، قراءة القصص الطويلة التي تتضمن شخصيات كرتونية وتقرأ باللغتين العربية والإنجليزية «في بعض الأحيان، أعمد إلى كتابة قصص وأدون رسماً في نهاية كل قصة». أما عبدالله، فمساره في القراءة واضح وعميق «أحب قراءة كل ما يتعلق بعلم النفس، حيث أجد الكثير من الإجابات حول تعامل الفرد في حال شعر بالضيق أو الحزن أو التوتر كما أهوى القصص البوليسية وأكره قصص الدراما».

علاقة مهرة الشحي بأخوتها

عن علاقتها بإخوتها، توضح مهرة «نحن أكثر أبناء «غريبين» في العالم. نتضارب قليلاً ثم نعمد إلى اللعب سوياً وقضاء الكثير من أوقات المرح. أنا وعبادي «نتضارب» ولكن أذواقنا متطابقة في بعض الألعاب حيث كلانا نشجع ريال مدريد والهلال السعودي ولا نحب نيمار، في حين تشجع أسماء الاتحاد السعودي ومتضايقة لكون بنزيما انتقل من ريال مدريد (الفريق الذي لا تفضله) إلى الفريق السعودي».

المدرسة.. وقت للمذاكرة وأوقات للمرح

المدرسة هي متنفس للتعليم والمرح بعد إجازة صيفية شابها بعض الملل، تبين مهرة «أيام المدرسة، نستأنس كثيراً. نحن ثلاثتنا (مهرة وأسماء وعبدالله) نخصص وقتاً لـ«برج العقارب» وهو اسم نطلقه على فريقنا حيث نحاول التسلل من الطابق الأول إلى الثاني بهدوء دون أن يشعر بنا أحد ونراقب الوضع أشبه بـ«الجواسيس» لننسل عبر الدرج، والإنجاز يكمن بالنجاح في النزول إلى الطابق السفلي، ولكن في إحدى المرات «توهقت» كيف أعود أدراجي واستغللت فرصة دخول العاملة المطبخ مع أختي الصغيرة لأصعد إلى الطابق الأول دون مساعدة أختي التي كانت في غرفتها، في حين كان عبدالله يوجه اللكمات إلى الوسائد و«الدبدوب» في غرفته ويلاحقنا قائلاً «أنا سيد ليمونة».

مهرة ترد على التنمر في المدرسة: «أنا شخص نادر»

لا تنكر مهرة الشحي تعرضها للتنمر من قبل بعض الطالبات في المدرسة. في كل الأحوال، تترفع عن الرد وتقول بثقة كبيرة «غالباً ما «أطنش» وأقنع نفسي أنهم يرتكبون إثماً بالتنمر عليّ وأنال الأجر بعدم الرد عليهنّ. سابقاً، كنت أشعر بالحزن، إلا أنني اليوم أعتبر أن طولي هو ميزة لا يمتلكونها. فأنا أعاني حالة نادرة بين ملايين الحالات وأعتبر نفسي شخصاً نادراً».
في السياق نفسه، تؤكد أسماء أنها تتعرض للكثير من مواقف التنمر على أختها «إنها (أي مهرة) نعمة من الله سبحانه وتعالى، فالله يأخذ منا شيئاً ويعطينا شيئاً آخر»، تقولها دفاعاً عن أختها وإيماناً بقدرات شقيقتها على تجاوز أي صعاب.

وفي هذا الصدد، توضح والدة مهرة «قمنا بتشخيص حالة مهرة داخل الدولة واصطحبناها خارج الدولة للعلاج، إلا أن حالات مشابهة تمت معالجتها ولكن بتداعيات سلبية، وهو ما قادنا إلى اتخاذ القرار بتأجيل علاجها إلى حين تطوير علاج فاعل ولا يترك أي آثار على مهرة، وما زلت أتابع الموضوع بخطى حثيثة للوقوف عند أي مستجد».

خيارات المستقبل لمهرة وأخوتها

على أجندة المستقبل، يغمر الأمل مهرة كما إخوتها ولكل حلمه. تفاضل مهرة بين الطيران أو التحقيق الجنائي «أرغب التخصص في مجال الطيران ولكني كنت أفكر بخوف إلى أن ذللت أمي هذه الهواجس من رأسي وكانت إجاباتها مقنعة لتزيل الخوف من قلبي».

تشرح مهرة «أمي شرحت لي أن قيادة الطائرات شبيهة بقيادة السيارات لجهة الحصول على رخصة، إلا أن حوادث السير في الأرض أكثر بكثير من الجو، كما أن التدريب عامل كفيل بتشجيعي على هذا المسار، وعندما كنت أصغر سناً كنت أرغب أن أكون «طياراً» في المجال العسكري».

تنطلق خيارات مهرة من أن «لا شيء اسمه مستحيل»، «أرغب أيضاً أن أكون «محققة» كوني أحب البحث وألعاب الليغو ومتابعة قصص الجرائم وذكاء المحقق في كشف خفايا الجريمة». كما تهوى مهرة الطبخ «في إحدى المرات، كنت أشعر بالملل وأعددت الذرة مع كريما الطبخ والتشيتوس مع بعض الفلفل والملح وأعجبت والدي الذي أشار إليّ باستبدال الذرة بالروبيان في المرة القادمة».

يقول عبدالله «من هواياتي لعب كرة القدم ولكن أرغب بالتخصص في مجال علم النفس»، في حين تحسم هيا «أريد أن أكون دكتورة قطط (طبيبة بيطرية)».

علمت أبنائي على الاعتماد على أنفسهم وتنظيم وقتهم الدراسي لكي لا يشعروا أن الدراسة عبء عليهم

خلال الحديث المطول مع الأسرة، توقفت والدة مهرة مراراً عند «الوقت الضيق» للأطفال ما بعد المدرسة «فالوقت بين العودة من المدرسة والنوم لا يستطيع أن يلبي احتياجات الأطفال الذين يتشتتون بين تناول الطعام، حل الواجبات، مراجعات منصة «ألف» والتي تتطلب وقتاً طويلاً، ولذلك علمت أبنائي على الاعتماد على أنفسهم وتنظيم وقتهم الدراسي لكي لا يشعروا أن الدراسة عبء عليهم وحتى أنهم يساعدون بعضهم، ما يزودهم بالمسؤولية».

بدورها، تتوقف مهرة عند التأثير السلبي لاستخدام الأجهزة الإلكترونية في الطالب «منصة «ألف» تستدعي الكثير من وقتنا وحتى أن خالتي «ميثو» (ميثاء) حاولت مساعدتي في مادة الإنجليزية ولكنها تفاجأت من الجهد المطلوب لإتمام المراجعات».

توجّه رسالتها للكادر التعليمي «أنتم تريدون ترسيخ المعلومة في رؤوسنا، فالكتابة هي الوسيلة الأسهل للحفظ بدل الجلوس لساعات أمام شاشة «الآيباد». فمن جهة، الكتابة تساعد على حفظ المعلومة وعلى تحسين خطوطنا التي ساءت مع جائحة «كورونا»، كما أنه لا بد من تخصيص وقت لأنشطتنا الخاصة، بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية. فأنا أهوى الرسم والسباحة وإلقاء الشعر والتمثيل».

رسالة من مهرة الشحي إلى الطلبة

تقر مهرة أن لقب «ملكة الأطفال» هو «أحلى لقب».. «أنا طفلة رغم أن والدتي تقول أني كبرت. داخل كل كبير روح طفولية».

توجه الطفلة الكبيرة رسالتها للطلبة «يجب أن تجتهدوا لتحقيق ما تصبون إليه. فالله سبحانه وتعالى يريد منا أن نسعى ونجتهد لما نرغب بتحقيقه»، وتوجز «شدوا حيلكم، فالمدرسة جميلة شرط ألا نراها بطريقة سلبية ولا نضيّع وقتنا، بل نستثمره لتعلم أشياء جديدة واكتساب صداقات جديدة والتواصل مع مجتمعنا بشكل أفضل».

مبادرات تطوعية

باشرت مهرة التطوع في عمر 6 سنوات وكان وزنها لا يزيد على 5 كيلوجرام «التطوع يعلمنا العطاء دون مقابل. كنا نقدم وجبات في رمضان للعمال، وكنت لا أرغب سوى برؤية ابتسامتهم لتحصيل الأجر والثواب، لكوني أشعر بتعبهم وقد يتناولون إفطارهم بعد ساعات من الأذان».

الابتسامة هي مطلب مهرة حيث تشارك في الكثير من المبادرات المجتمعية «أفرح عندما أرى من حولي يبتسم. ابتسامتهم أفضل من كل أموال العالم».

تصوير: wstudiodxb@