البروفسور حميد الشامسي: أنا طبيب في "مهمة وطنية" والتوعية بالسرطان واجب
في الإطلالة على مسيرة أول بروفسور إماراتي في تخصص الأورام والسرطان، لا يمكن العبور بسهولة من محطة إلى أخرى لأن لكل محطة بصمتها وأبعادها وجهدها وثمارها.فهو طبيب وباحث ومناصر أول للتوعية حول الكشف المبكر لمرض السرطان ورئيس جمعية الإمارات للأورام وأول إماراتي يشغل منصب المقرر للجمعية الخليجية للأورام ,إلى أدوار متشعبة في مجالات متصلة.
يعتبر البروفسور الدكتور حميد عبيد بن حرمل الشامسي من الأطباء الرواد في الدولة، لكونه أول طبيب حاصل على شهادتي بروفيسور في تخصص الأورام والسرطان، وهو الطبيب الوحيد الحاصل على شهادة التخصص الدقيق في سرطان الجهاز الهضمي.
لا ترهن مسيرة مدير خدمات الأورام والسرطان في مجموعة مستشفيات برجيل القابضة بدوره الطبي فقط، بل تتعداه إلى دور بحثي ومناصر قوي للتوعية حول أهمية الكشف المبكر عن السرطان وإلى بعد إنساني يوشم تعامله مع مرضاه وتواضع لافت يترجم «مزايا» نشأته كما تمسكه بأخلاقيات مهنة الطبيب بحذافيرها، إلى جانب العديد من الجوائز الرفيعة التي نالها محلياً وإقليمياً وعالمياً.
في عيادته في مستشفى برجيل بأبو ظبي، كان لنا معه حوار بعد أداء مهمته في استقبال المرضى والتواصل معهم والاطمئنان على أوضاعهم، إيماناً منه بسياسة «الباب المفتوح» وإحساساً بمعاناة هذه الشريحة جسدياً ونفسياً.
السؤال البديهي: ما الذي قادك إلى التخصص في مجال الطب؟
العامل الأول لاختيار هذا التخصص كان تشجيع الوالدة منذ الصغر، حيث كانت تردد دوماً على مسامعي «أنت دكتور» ولم أتجاوز آنذاك الخامسة من عمري. كان هذا العامل جداً محفزاً حتى إني وضعت في بالي أنني سأصبح طبيباً يوماً ما. كما كانت والدتي حريصة على العلم والتفوق وهو أمر لا نقاش فيه، حيث كانت تزعل لمجرد حصولي على المرتبة الثانية في الفصل، ما كان يعطيني دافعاً للتفوق في دراستي وكذلك التفوق في مجالي وكلها عوامل دفعتني إلى اختيار مجال الطب إثر رغبة الوالدة وتشجيعها المستمر على مدى سنوات.
لديك بصمة في الكثير من المجالات، ولكن إنجازك الأبرز باكتشاف نوع جديد من سرطان القولون، ماذا عن هذا الإنجاز؟
أثناء دراستي، كان هناك جانب أكاديمي تبعه تدريب طبي متقدم في كندا والولايات المتحدة الأمريكية ثم توجهت إلى مركز إم دي اندرسون الذي يعتبر أحد أفضل مراكز السرطان في العالم. في مجال سرطان الجهاز الهضمي، كنت أول طبيب في هذا المجال، وحتى الآن لا يوجد في الدولة طبيب حاصل على شهادة التخصصية في سرطان الجهاز الهضمي سواء إماراتي أو غير إماراتي، أقول ذلك بفضل رب العالمين بكل تواضع.
في هذه الفترة استطعت تنمية قدراتي وشغفي بالأبحاث الطبية وتعلمت أساسياتها وباشرت بخوض هذا المجال. وعام 2017، تمكنت من التعرف إلى نوع جديد من سرطان القولون انطلاقاً من تخصصي الدقيق في سرطان قولون المستقيم حيث تمّ تحليل البيانات الجينية لنحو 10، 000 مريض كانت عندهم طفرات جينية وقمنا بدراستها وأعددنا خريطة كاملة لهذه الطفرة واكتشفنا أن إحدى الطفرات الجينية يعطي انعكاسات مختلفة على المريض. فسرطان القولون في العادة يتسم بشيء من الشراسة، ولكن دراسة هذه الطفرة الجينية تؤدي إلى أن مرض سرطان القولون يكون أقل شراسة، كما اكتشفنا أحد أنواع الطفرات الأخرى في سرطان القنوات الصفراوية.
الشيخ نهيان بن مبارك يكرّم البروفسور الشامسي
أنت طبيب أورام وباحث وتقوم بدور توعوي، كيف تجمع بين كل هذه المهام؟
أنا أؤمن أنني في مهمة وطنية. يمكنني أن أتواجد في العيادة وأتابع مرضاي وأتقاضى راتبي وأعود إلى بيتي. لكن المهمة الوطنية تحتّم علّي أن أواكب المستجدات القائمة ولعب دور فاعل. للأسف، توقعات منطقة الخليج تشير إلى أن السرطان سيرتفع بنسبة 200 إلى 300% عام 2040، في حين لا يمتلك الناس معلومات واضحة ويجهلون أعراضه وطرق الحماية منه كما طرق الفحص المبكر، إلى قلة الأبحاث الطبية في الخليج. بالطبع، لا أستطيع سد الفراغ لكني أقوم بقدر الإمكان بدوري كطبيب وبدوري كباحث، وهو دور أعتبره واجباً، حيث نشرت خلال السنوات الماضية أكثر من 50 بحثاً طبياً عن السرطان في الإمارات.
مع ابنته سما يحتفلان بصدور كتابه " السرطان في العالم العربي"
ولكن لديك أكثر من 100 بحث طبي في هذا المجال؟
نعم، لدّي هذا العدد. ولكن خلال الثلاث سنوات الماضية، قمت بإجراء خمسين بحثاً ونشرت هذه الأبحاث إيماناً بدوري وركزت فيها على البحث عن أسباب سرطانات الجهاز الهضمي والثدي والتي زادت بشكل كبير في منطقة الخليج. فأنا أرى أن التوعية واجب وطني ولا بد من العمل على عدّة محاور أولها علاج المرض، رعاية المرضى، زيادة الوعي لدى الأطباء، تعزيز الأبحاث الطبية، والعمل مع الجهات الحكومية منها وزارة الصحة حيث نحاول وضع توصيات، وأنا حالياً رئيس اللجنة العلمية لسرطان القولون والمستقيم في الشرق الأوسط التي تضع توصيات على مستوى الشرق الأوسط. وفي عام 2021، نشرت كتاب «السرطان في العالم العربي» وقد حقق نجاحاً كبيراً واستهدف واقع السرطان في العالم العربي بشكل علمي ومحايد وعميق. وهناك كتاب سينشر في الشهر الأول من العام المقبل عن السرطان في الإمارات يلخص واقع و إشكاليات مرض السرطان في الدولة والعوامل المحيطة به.
الكشف المبكر طريقنا الحتمي لمواجهة السرطان!
نعرف أن سرطان الثدي يتصدر أنواع السرطانات في العالم وفي الدولة، ما أبرز الأسباب وهل هناك إحصائيات دقيقة؟
بناء على بيانات السجل الوطني للأورام الذي نشر من وزارة الصحة في 2014، حوالي 40% من حالات السرطان في دولة الإمارات هي تحت سن الـ50 وبينها 20% من الحالات تحت سن الـ40 عاماً. فمن بين كل خمس نساء هناك امرأة في الثلاثينات والعشرينات، والمشكلة أن هؤلاء النساء في سن الإرضاع والحمل وتكوين الأسرة، وهناك نقص في العلم و الخبرة، وواقع الأرقام الرسمية من خلال حالات لنساء حوامل ومصابات بسرطان الثدي لم يكشفها الأطباء نتيجة التغيرات التي تطرأ على المرأة جراء الحمل. فالإشكالية أن سرطان الثدي في تزايد لدى نساء صغيرات في السن وجراء عوامل تتعلق بتزايد السمنة، التدخين، الأرجيلة، وكذلك تلعب التغذية غير الصحية دوراً أساسياً في جميع أنواع السرطانات وبالأخص سرطان الثدي.
نلتزم دورنا التوعوي وأؤكد أن الطريق الوحيد لتقليل حالات مرضى سرطان الثدي والسرطانات الأخرى وخاصة في منطقتنا هو الالتزام بالفحص المبكر للسرطان، لأن السرطان هو مرض صامت وهناك جهل تام بأعراض بعض السرطانات.
سياسة الباب المفتوح
تتسم بالتواضع والبعد الإنساني ونرصد ذلك من خلال تعاملك مع المرضى، من أين استقيت كل هذا التواضع؟
واجب الطبيب لا يتغلب عليه أي شيء آخر. كطبيب، واجبي تجاه المريض سواء في أوقات العمل أو بعدها أولوية لأن المريض يقصدك آملاً في إيجاد علاج لحالته، كما أن مريض السرطان مختلف عن بقية المرضى كونه يصارع مرضاً وهو يصارع جسدياً ونفسياً وأن تتركه لأسابيع دون علاج هو أسوأ أمر ممكن القيام به ويلحق الأذى به لأن المرض قد ينتشر ويزيد من الحالة النفسية للمريض. فالقدرة على معاينة مريض وإعطائه من وقتك ومساعدته قدر الإمكان هي أولوية، وأنا أعتبرها واجباً على أي طبيب في جميع التخصصات وبالأخص تخصص الأورام والسرطان. أنا أؤمن بنظرية الباب المفتوح رغم كل التعب لأن مصلحة المريض فوق كل شيء.
توفي الزوج وشفيت الزوجة من السرطان!
ما أصعب موقف عشته؟
موقف أذكره دوماً وهو لمريضة مصابة بسرطان الثدي وكان زوجها يساندها وحريصاً عليها بشكل لا يمكن تخيله، حيث كان يعمد إلى الدخول قبلها للإلمام بحالة زوجته وشريكته وأم أولاده وكان وفياً لعشرة العمر التي تجمعهما. وبعد نحو عام، شفيت المريضة وكانا يتابعان معي وكان الزوج يرافقها دوماً، إلى أن حضرت في إحدى المرات بمفردها فسألتها عن زوجها فأخبرتني أنه توفي، وأصبت بصدمة كبيرة وأنا أتذكر خوفه عليها وسؤاله عن إمكانية أن تبقى على قيد الحياة لصعوبة حالتها، ولكنها عاشت وهو توفي.
عادة، هل تخبر المريض بالحقيقة كاملة؟
في البداية، أتأكد من التشخيص 100% إذ لا يمكن إخبار المريض إلا بعد التأكد من إصابته بالسرطان ووضع خطة علاجية. أخبر المريض بعد التثبت لأن للمريض الحق في معرفة مرضه ومدى خطورته و نسب الشفاء ونسب الفشل.
مع والدته في مكة
رسالة للوالدة.. والزوجة الداعمة!
تحمل امتناناً للوالدة، ما رسالتك لها؟
بصراحة، لا توجد كلمات أشكرها فيها. فأنا أدعو لها يومياً وعند كل صباح عند وصولي للعمل، أرهن كل يومي و«النيّة» في ميزان حسنات الوالدة. وهي دوماً ما تردد على مسامعي «الله يوفقك في الدنيا والآخرة ويجعل جميع أعمالك في ميزان حسناتك».
بعد يوم معاناة مع حالات صعبة، كيف يكون الوضع عند العودة إلى المنزل؟
أحاول أن أكون الأب والزوج في البيت، ولكن لا أخفيك أنه في بعض الأحيان أجد صعوبة إثر مواقف «تنكّد» علي وأتضايق من الوضع الصحي لبعض المرضى. فأحياناً، لا يمكن أن تفصل بين الجانب الإنساني الطبي والجانب العائلي، ولكن الأهم أن تكون حريصاً على أهلك وأسرتك كونك مسؤولاً عنهم.
د.الشامسي مع أبنائه
ماذا تحدثنا عن عائلتك وعن دعم زوجتك؟
لدي ستة أطفال، 4 بنات وصبيان. زوجتي خديجة علي فهد، حاصلة على شهادة دكتوراه في التربية والتعليم والقيادة التربوية، ولكنها قررت أن تقوم بدورها الأمومي، وهي داعمة لي منذ أيام الدراسة والتدريب حيث كانت الأم والأب والأخت لي ولأبنائي.
* تصوير: السيد رمضان ومن المصدر