"إكسبو أصحاب الهمم الدولي 2023".. الإسعاف المتخصص وسياحة الصم ومبادرات الإدماج والتوظيف
تتسم الإطلالة على «إكسبو أصحاب الهمم الدولي 2023» بالكثير من الأمل، في ظل رصد متأن للجهود التي تقوم بها الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية لتمكين هذه الفئة ودمجها ضمن أفضل المعايير وحتى إفساح المجال أمامها للتعبير عن رؤاها وتماس هذه الرؤى مع متطلباتها.
جمع الحدث الذي افتتحه سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للطيران المدني، رئيس مؤسسة مطارات دبي، الرئيس الأعلى الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات والمجموعة، على ضفافه الكثير من الرؤى والاستراتيجيات والمبادرات والنقاشات الموضوعية حول الإدماج والتكنولوجيا والابتكار والرعاية الصحية وإعادة التأهيل كما حمل الكثير من صور جميلة لأمهات أصحاب الهمم اصطحبن أبناءهن للاطلاع على آخر المستجدات والحلول المتطورة والتقنيات الحديثة التي قد تخدم حالة الابن كما الاستفادة من التجارب والمبادرات الرائدة في هذا المجال.
جولة «كل الأسرة» في المعرض حاولت استنباط بعض الملامح الإنسانية ضمن منظومة متكاملة من العمل لتحسين حياة أصحاب الهمم، وهم حوالي 50 مليون فرد في منطقة الشرق الأوسط وحدها.
واستضاف إكسبو أصحاب الهمم الدولي 2023 نحو 250 جهة عارضة استعرض بعضها ابتكارات لخبراء عالميين، فيما انصبت المبادرات الحكومية المحلية على تحسين جودة حياة هذه الفئة وإيجاد مكان لهذه الفئة تحت الشمس بما يهدف إلى تحريرها من كل القيود والتحديات التي تواجهها.
وبالتالي، فإن كل المبادرات والمشاريع تركز على توفير بيئة آمنة لأصحاب الهمم مع توافر الخدمات بسرعة فائقة وحتى تم توظيف الذكاء الاصطناعي في الكثير من الدوائر لتعزيز هذا الهدف.
تشكل بلدية دبي نموذجاً من نماذج تسليط الضوء على أصحاب الهمم وتوفير «مكان حقيقي لهم تحت الشمس» إذا صح التعبير من خلال المبادرات والمشاريع والخدمات الموجهة لهذه الفئة.
فالجناح الذي خصص لبلدية دبي داخل إكسبو أصحاب الهمم تم تزويده بكل الإمكانات والمرافق التي تسهل زيارة أصحاب الهمم للجناح وتنقلهم بسلاسة.
تستعرض ميرة العامري، رئيس قسم البحوث وأنظمة البناء من مؤسسة تنظيم وترخيص المباني في بلدية دبي، الهدف من المشاركة السنوية في الحدث لـ «عرض مبادرات ومشاريع بلدية دبي وأحدثها مبادرات لتسهيل أصحاب الهمم إلى الشواطئ العامة للإمارة عبر تزويدها بـ 7 كراسي متحركة في الشواطئ العامة و8 كراسي عائمة للاستخدام في السباحة بالبحر، مع توفير فريق إنقاذ مؤهل ومدرب بكفاءة عالية في كل شاطئ يتواجد على مدى 24 ساعة».
تشمل الخدمات، تخصيص شاليهات في حديقة الممزر، وإنشاء 10 مداخل وممرات في مناطق الجميرا 2 والجميرا 3 وأم سقيم 1 وأم سقيم 2، وشاطئي خور الممزر، وكورنيش الممزر، إلى توفير 3 مسارات تمكنهم من الوصول إلى الشاطئ مع تطبيق أعلى معايير السلامة.
تهدف هذه المبادرات، بحسب العامري، إلى توفير تجربة رائدة لأصحاب الهمم للاستمتاع بالبحر عبر توفير المظلات والكراسي المخصصة لهم ولكبار السن.
وكانت بلدية دبي وفرت نظارات خاصة بفئة أصحاب الهمم من المصابين بـ «عمى الألوان» للتمكن من الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الجميلة في إمارة دبي وعملت على تحويل مرافق دبي لتكون صديقة لأصحاب الهمم من فئة ذوي التوحد كبرواز دبي، والحديقة القرآنية، ومدينة الطفل.
وسبق وأطلقت مبادرة «مركبة السعادة»، بهدف دعم كبار المواطنين وأصحاب الهمم في عملية التقديم على خدمات بلدية دبي الإلكترونية والذكية.
سياحة للصم
الكثير من مؤسسات القطاع الخاص تبلور سياسات واضحة لتمكين فئة أصحاب الهمم حيث تتكامل جهودها مع جهود القطاع الحكومي.
في هذا السياق، يتبلور الحديث عن سياحة موجهة لفئة الصم وتتعاون شركة «أمسان أكسيسبل للسياحة» مع دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي لرفع مستوى الوعي حول التحديات الاستثنائية التي يواجهها المسافرون الصم، بدءاً من عوائق الاتصال إلى المخاوف المتعلقة بالسلامة إلى دراسة آليات تحويل هذه التحديات إلى تجارب سفر شاملة.
هذا البعد يترجم توجه الشركة إلى تعزيز السفر العالمي الشامل بطرق ابتكارية.
وفي هذا السياق، يعتبر ماجد مراد البلوشي مدير العلاقات العامة في مشروع «أمسان»، أن توظيف أصحاب الهمم ضمن أهداف الشركة، وهذا التوجه يعزز التواصل مع هذه الفئة.
البلوشي، وهو مواطن إماراتي أصم لا يتجاوز عمره الـ 28 عاماً، يشارك في فيديوهات توضيحية، بلغة الإشارة لاستهداف فئة الصم وتشجيع الصم الذين يأتون من خارج الدولة لخوض تجربة سياحية متكاملة للتعرف إلى المعالم السياحية في الدولة وحتى توفير للسياح الصم مترجمي لغة إشارة على مدى 24 ساعة، لافتاً إلى اعتماد لغة الإشارة الدولية، مع التفاوت القائم في لغة الإشارة بين بعض الدول وهو أشبه بالتفاوت بين اللهجات في اللغة الواحدة سواء العربية أو غيرها، كما يشرح.
يقول: بصفتي شخصاً أصماً في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنا سعيد بالطريقة التي تعمل بها الدولة لتسهيل الحياة للأشخاص الصم مثلي. هناك طرق متعددة لمساعدة الأشخاص الصم وذوي الهمم وتمثل شركة امسان اكسيسبل للسياحة التي أعمل بها إحدى الطرق، حيث تساعدنا على السفر في جميع أنحاء الإمارات دون عوائق».
يثني البلوشي على التقدم الذي أحرزته الدولة في تعزيز الإدماج: «تعمل الحكومة جاهدة لجعل الخدمات أكثر قابلية للوصول بالنسبة للجميع. واحدة من التحديات الكبيرة هي أن الكثير من الناس لا يفهمون لغة الإشارة، عندما تكون هناك مشكلة في التواصل، يشعرنا ذلك بالوحدة والإحباط والانعزال، وهو تحد يؤثر في الخدمات والمدارس وحتى وظائف الأشخاص الصم»، مؤكداً أن «إكسبو أصحاب الهمم» يعد منصة رائعة لزيادة الوعي بلغة الإشارة بين الناس ومساعدتهم في فهمنا، بما يحسن حياة الأفراد الصم ويخلق مجتمعاً أكثر اندماجاً».
وإن كان الهدف يتركز على تعزيز المشاركة بشكل مباشر مع مجتمع الصم وعائلاتهم لتخصيص حلولهم التكنولوجية في مجال السياحة، فإن هذا الهدف يؤخذ بعين الاعتبار مع وجود 1.5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم الذين تتأثر حياتهم اليومية بفقدان السمع وقد يمكنهم من استكشاف العالم دون قيود.
هذه القيود تحاول الجهات القائمة تذليلها عبر الكثير من المبادرات من تأهيل، تقييم، رعاية وتوظيف أصحاب الهمم وتوفير منصات توظيف لهم تستهدف القطاعين الحكومي والخاص، بالتوازي مع توفير دورات تدريبية وتطوير قدراتهم.
الإسعاف الحسي
في استكمال الجولة، يلفتنا هذا البعد الإنساني الذي يواكب الكثير من المبادرات كما الإلمام بالجانب النفسي لأصحاب الهمم ومحاولة التماهي مع واقعهم.
هذه المبادرة التي نتحدث عنها نموذج يعتبر الأول في العالم مع إطلاق مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف بمركبة الإسعاف الحسي، وهي أول مركبة للإسعاف الحسي على مستوى العالم، في مجال التعامل مع أصحاب الهمم من فئة التوحد ومتلازمة داون والإعاقات الذهنية البسيطة، كما يلفت زيد المعمري، رئيس فريق أصحاب الهمم في مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف.
يوضح: «هذه المركبة تتلاءم مع حاجة المسعف إلى جو ملائم عند التعامل مع الفئات المذكورة من أصحاب الهمم بحيث زودنا الأجهزة والتقنيات الحديثة إلى سيارة الإسعاف ليكون المسعف قادراً على مواجهة أي تحديات في حال التعامل الطارئ مع حالات التوحد وغيرها عبر التماهي مع منظومة تفاعلية متكاملة من الألوان والموسيقى والإضاءة وحتى الفقاعات بحيث يمكن للمسعف التعامل مع الحالة بكل سلاسة وأريحية».
زيد المعمري يشرح آليات عمل مركبة «الإسعاف الحسي»
وفي هذا الصدد، يلفت المعمري إلى أن الأجهزة المتوافرة داخل مركبة الإسعاف هي ذات مواصفات عالمية تساعد على تجاوب فئة التوحد مع المسعف والقدرة على تهدئة الطفل في حال اتسم بفرط في الحركة أو النشاط حيث إن المركبة زودت بإعدادات تحسن التواصل الإدراكي وتستثير حاسة السمع والنظر واللمس عن طريق الوسائل المتوافرة.
كثير من المواقف عاشها المعمري خلال أداء دوره كرئيس فريق أصحاب الهمم في «إسعاف دبي»: «كثيراً ما كنا نصادف حالات من مصابي التوحد ويكون المسعف عاجزاً عن تهدئة روع المصاب بحكم غياب الوسائل المناسبة له نفسيا وفكرة «الإسعاف الحسي» قد توفر الجو الملائم لفئات التوحد وغيرها من أصحاب الهمم والقدرة على إسعافه بوقت قياسي».
نستكمل جولتنا في أحد الأجنحة حيث يشرع طلاب مدرسة الحكمة الخاصة من إمارة عجمان في استكمال مشاريعهم الابتكارية وإظهار مواهبهم. هم طلاب من أصحاب الهمم وبعضهم من الأوائل على مستوى الدولة في الثانوية العامة لسنوات متتالية.
يؤكد الدكتور خالد آغا، موجه الخدمة الاجتماعية للتربية الخاصة في مدرسة الحكمة الخاصة –عجمان، أنه وظف خبرته في وزارة التربية والتعليم في المدرسة: «لم يكن يتواجد في مدرستنا طلاب تربية خاصة واليوم نحو 216 طالباً من أصحاب الهمم تم إدماجهم، تبعاً لتنوع الإعاقات، مع أقرانهم، مع تقديم الدعم النفسي والتربوي عبر خطط تربوية خاصة بكل طالب بعد أن ذللنا كل التحديات القائمة والصعوبات أمام هذه الفئة».
يقول: نعمل على دمج ومساعدة جميع الطلبة الذين يعانون «إعاقة أكاديمية، التوحد، الإعاقة الحركية، الإعاقة البصرية» ومن صعوبات سواء على صعيد «عسر الكتابة والقراءة، التخاطب، ضعف السمع، الاضطرابات الذهنية».
وقد تم توفير البيئة المكانية، بما تتطلبه من مرافق والمنحدرات والمواقف والأبواب المزدوجة وتوفير البرامج التربوية بناء على الخطة الفردية لجهة تخصيص امتحانات خاصة ولجان خاصة ويشاركون في كل الأنشطة الصفية واللاصفية ونشارك في مسابقات حيث فزنا بأكثر من جائزة على مستوى الدولة».
* تصوير: يوسف الأمير