05 نوفمبر 2023

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

محررة في مجلة كل الأسرة

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

13 عاماً من بناء الجسور ومن نقل صورة بهيّة عن قدرة المرأة الإماراتية على خوض أي مجال، وهو ما تجسده المهندسة مريم البلوشي، رئيس مفاوضي ملف التغير المناخي في الدولة عن قطاع الطيران المدني.

المهندسة البلوشي، وهي مدير قسم البيئة في الهيئة العامة للطيران المدني، انتخبت مؤخراً نائب رئيس اللجنة المعنية بحماية البيئة في مجال الطيران (CAEP) التابعة لمنظمة الطيران المدني الدولي «الإيكاو» بإجماع الدول الأعضاء باللجنة والبالغ عددهم 31 عضواً،تقديرا لدور الإمارات في انتهاج سياسة واضحةوفعالة في ملف التغير المناخي في قطاع الطيران المدني واستنادا إلى خبرة البلوشي في هذا الملف الحيوي على مدى أكثر من 13 عاما وتماسها مع كل المستجدات في قطاع الطيران.

في اللقاء معها، تحدثنا المهندسة مريم البلوشي عن تمثيل الدولة في منصبها في «الإيكاو» وخوضها ملف التغير المناخي عن قطاع الطيران وعن جهود الدولة في مجال تقليل الانبعاثات الكربونية على متن طائرات الناقلات الوطنية وتحديات رحلة الانتقال إلى وقود مستدام:

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

نبدأ من اختيارك مؤخراً نائباً لرئيس اللجنة المعنية بحماية البيئة في مجال الطيران التابعة لـ «الإيكاو». ما أهمية هذا المنصب وما الأدوار المنوطة بك؟

اختياري لهذا المنصب وسام شرف وتقدير لدولتي التي وثقت بالكفاءات الإماراتية حيث إني النائب الأكثر خبرة من بين نائبين وسيكون هناك دور كبير لنائب رئيس اللجنة لجهة تواجده مع الرئيس بشكل دائم وخوض مهام عدة ومنها مهام الرئاسة خلال غياب الرئيس. هذا منصب هو على مستوى العالم حيث تضم اللجنة أكثر من 1000 خبير ومتخصص على مستوى العالم من جميع الدول الأعضاء والشركاء الاستراتيجيين في قطاع الطيران.

وتسعى اللجنة إلى تحقيق الهدف الدولي الرامي للوصول للحياد المناخي لقطاع الطيران بحلول عام 2050 وفقاً لقرارات الجمعية العمومية الـ41 لتغير المناخ حيث يستحوذ القطاع على أكثر من 2% من حجم الانبعاثات الكربونية في العالم.

بدوري، أشكر القيادة الرشيدة في الدولة التي دعمتني في أداء هذا الدور العالمي ومنحتني الثقة لبناء جسور من العلاقات منذ 13 عاماً أثمرت عن الثقة بالدولة وجهودها في مواكبة قطاع الطيران وملف التغير المناخي كما أشكر سيف محمد السويدي مدير عام الهيئة العامة للطيران المدني على ثقته.

نتكلم عن منصب في إحدى منظمات الأمم المتحدة ونأمل أن نكون على قدر هذه المهمة التي تشرّع أمامي آفاقاً للتعلم وتعتبر إضافة كبيرة لي، في وقت أحاول أن أكون إضافة للجنة وأن أترك بصمتي في هذا المجال، في ظل ثقة مجتمع دولي باختياري.

"كوب 28" اعتراف دولي بقدرة الإمارات على إحداث تغيير حقيقي

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

كيف تواكبين انعقاد مؤتمر الأطراف للتغير المناخي «كوب 28» في الدولة؟

استضافة الدولة لمؤتمر COP28 هو اعتراف دولي بقدرة دولة الإمارات على إحداث أثر وتغيير حقيقي في هذا الملف سواء على صعيد منطقة الشرق الأوسط أو العالم ككل. ودولة الإمارات لديها سجل مهم من المبادرات والمساعي الجادة التي تخدم العمل المناخي في مختلف القطاعات ذات الصلة، وقطاع الطيران أحد أهم هذه القطاعات.

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

يكمن التحدي الأساسي للمؤتمر في وجود آلية ملزمة ترغم الدول على الالتزام وهذا صعب للغاية.. ما خطة الإمارات في هذا الصدد؟

السؤال ليس سهلاً. دوماً هناك أولويات اقتصادية بحتة في هذا المجال وليست مجرد تقليل انبعاثات والدول التي التزمت بملف التغير المناخي هي دول قليلة. قدمت الإمارات الخطة الوطنية لتقليل الانبعاثات في نسختها الأولى عام 2012 والنسخة الثانية عام 2018 وتم تقييمها كأفضل الخطط على مستوى العالم في قطاع الطيران لأننا حسبنا الانبعاثات الحالية والمستقبلية ووضعنا خططاً لتقليل الانبعاثات بحيث تتوافق الخطة مع إمكانية التنفيذ أو البحث عن بدائل. عملية التغير المناخي ليست منافسة بل عملية لفهم الوضع الحالي والإلمام بالمعطيات القائمة ورصد التحديات الموجودة وتحويلها إلى فرص في المستقبل.

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

هذه الخطط تتماهى مع جهود الدولة في ملف التغير المناخي، كيف ترصدين مراحل رحلة التصدي للتغيرات المناخية في قطاع الطيران؟

كانت دولة الإمارات متواجدة منذ بداية التحرك في ملف تغير المناخ في قطاع الطيران وشهد العام 2007 أول تنسيق دولي جاد لدعم هذا الملف من خلال قرار الجمعية العمومية لمنظمة الطيران المدني في سبتمبر 2007، بوضع برنامج عمل للمنظمة بشأن الطيران الدولي وتغير المناخ، وهو أول تحرك دولي منظم للتعامل مع ملف تغير المناخ في قطاع الطيران.

اختياري نائب رئيس لجنة حماية البيئة لـ "الإيكاو" وسام شرف وثقة بدولتي

وبناء على ذلك القرار، أنشأت منظمة الطيران المدني الدولي لجنة حماية البيئة في مجال الطيران، وكذلك اعتمدت مؤتمر منظمة الطيران المدني الدولي المعني بالطيران وأنواع الوقود البديل وعقد نسخته الأولى في 2009، ويهدف المؤتمر لإحداث توافق دولي بشأن تطوير ونشر أنواع الوقود البديلة المستدامة للطيران لخفض نسبة انبعاثات القطاع، ولذلك فإن اختيار دولة الإمارات لاستضافة النسخة الثالثة من المؤتمر في نوفمبر الجاري هو شهادة ثقة دولية بجهود الدولة في هذا الملف.

وكيف ترسمين لنا خريطة بأبرز الإنجازات التي طبعت هذه المرحلة؟

لقد كانت الإمارات من ضمن الدول الأوائل التي تبنت ملف الاستدامة ومراعاة الأثر البيئي لقطاع الطيران، ومن خلال عضويتها في لجنة حماية البيئة في قطاع الطيران التابعة لمنظمة الطيران المدني الدولي «الإيكاو»، ومشاركتها في جميع المفاوضات الدولية التي قادتها «الإيكاو»، صادقت الدولة على العديد من القرارات الدولية التي تخدم الأهداف الاستراتيجية لتقليل انبعاثات الكربون في قطاع الطيران. فعلى مدار 14 عاماً، طورت دولة الإمارات سياسات وأطراً تنظيمية قوية لدعم إنتاج واستخدام وقود الطيران منخفض الكربون، وقدمت خطتها للتقليل من الانبعاثات الكربونية وصنفت من قبل منظمة الطيران المدني الدولي، كإحدى أفضل الخطط على مستوى العالم.

وانطلاقاً من إيمان الدولة بأهمية هذا الملف ليس فقط لمستقبل قطاع الطيران وإنما لتأثيره في متطلبات النمو الشامل والمستدام، أعلنت التزامها بتطبيق خطة (كورسيا) الهادفة إلى الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على متن طائرات الناقلات الوطنية. كما أطلقت خريطة طريق وطنية لوقود الطيران المستدام، وحددت من خلالها هدفاً طموحاً لتحقيق إنتاج سنوي يصل إلى 700 مليون لتر من وقود الطيران المستدام بحلول عام 2030، مما سيساهم في خفض ما يصل إلى 4. 8 مليون طن من انبعاث ثاني أكسيد الكربون.

وتم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحياد المناخي 2050 والتي خصصت استثمار أكثر من 600 مليار درهم في الطاقة النظيفة والمتجددة حتى 2050، وكان قطاع الطيران الإماراتي أول القطاعات التي أعلنت التزامها بقرار الحياد المناخي الصفري بحلول 2050.

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

كيف انعكست هذه الإنجازات على الأجندة العالمية؟

كل هذه الجهود عززت من ثقل الدولة على الساحة العالمية في ملف الوقود المستدام لقطاع الطيران حيث تتواجد الإمارات اليوم في المؤتمرات والمحافل الدولة المعنية باستدامة قطاع الطيران ليس فقط بصفتها عضواً في المنظمة الدولية، وإنما بصفتها مُشاركاً في صناعة القرار وصياغة السياسات والتوجهات المستقبلية لهذا القطاع الحيوي والدليل اختيار الدولة مؤخراً لمقعد نائب رئيس اللجنة المعنية بحماية البيئة في مجال الطيران (CAEP) التابعة لمنظمة «الإيكاو» كما سبق وتحدثنا عن هذا الموضوع.

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

التحول نحو وقود الطيران المستدام تحد غير سهل، ما الذي تمّ إنجازه حتى الآن على الصعيد المحلي؟

بالفعل، هو تحد كبير ويحمل العديد من التعقيدات المرتبطة بطبيعة صناعة الطيران، ولذلك فإن رحلة الانتقال نحو وقود مستدام ستتم بشكل تدريجي.
وما تم استعراضه سابقاً من جهود قامت بها الدولة على مدار 14 عاماً لتهيئة البيئة التشريعية لاحتضان منظومة منخفضة الكربون لقطاع الطيران، جعلتنا اليوم نخطو خطوات مهمة على هذا المسار ومهدت للقطاع الخاص والناقلات الوطنية للتحرك في هذا الاتجاه.

لدينا اليوم شراكات ومبادرات مهمة أعلنتها شركاتنا الوطنية، وأحدثها التعاون الذي تم الإعلان عنه بين شركة طيران الإمارات وشركة شل للطيران، والذي سيتم بموجبه توريد أكثر من 300 ألف جالون من وقود الطيران المستدام الممزوج إلى مطار دبي الدولي نهاية العام الجاري، وهو يمثل قفزة نوعية في نظام التزويد بالوقود في مطار دبي الدولي تجاه إنتاج وقود طيران مستدام.

المهندسة مريم البلوشي: رحلة التحول نحو وقود مستدام في قطاع الطيران تحد نخوض غماره بالتدريج

تؤكدين إرث زايد في مجال الاستدامة، كيف يوظف هذا الإرث في مسار الحفاظ على البيئة؟

اهتمام الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بترسيخ ثقافة حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، ينطلق من إيمانه بأهمية التوازن بين النمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لضمان إحداث نهضة حقيقية للمجتمع، وهو ما جسدته خطاباته وكلماته كما إطلاقه للعديد من البرامج التي تدعم سياسات التشجير أو الحفاظ على الحياة الفطرية والتنوع البيولوجي وغيرها من ممارسات لاستدامة البيئة وتعزيز النمو الأخضر. ويمثل هذا الموروث الثقافي والتنموي قاعدة أساسية انطلقت من خلالها الدولة نحو مفهوم بناء مستقبل مستدام مبني على قواعد اقتصادية وبيئية واجتماعية قوية بفضل رؤية الوالد المؤسس.