ريم الكمالي: دراسة التاريخ انعكست على إبداعاتي الروائية وسأصدر رواية فكرتها خرجت من سؤال
انعكس تخصصها في دراسة التاريخ على كتاباتها الأدبية، فنجحت في نسج أحداثه ووقائعه المجردة ممزوجا بالخيال والإبداع، حصدت جائزة العويس للإبداع، كما نالت جائزة الشارقة للإبداع، ورشحت روايتها "يوميات روز" في الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"..
هي الكاتبة والروائية الإماراتية ريم الكمالي، التقيناها لنتعرف إلى مشوارها الأدبي ونكشف عن جانب من حياتها الشخصية:
دائما ما تؤثر النشأة في حياة متذوقي الأدب، حدثينا عن مرحلة الطفولة وما تركته بداخلك.
تشكل الطفولة ذاكرة ووعي الكاتب، وبالنسبة لي أعتقد أن الأشياء حولي كانت عبارة عن لوحات فنية متماهية بين الواقعية والسريالية والرومانسية والتجريدية، فمكتبة العائلة مثلاً وما بها من مخطوطات قديمة تاريخية وفقهية وأدبية، قرأتها في طفولتي دون استيعاب، فهي بالتأكيد وثائق لكن في الحقيقة أنها في ذاكرة اليوم تبدو لي وكأنها لوحات واقعية. وكذلك تعرجات الجبال التي كنت أراها من فناء البيت شرقاً وغرباً مع النور والظلال وطبقات الألوان، أعدها اليوم مدرسة وحشية بامتياز، بالإضافة إلى أمور في الطبيعة من شمس تشرق وتغرب دون اللحاق بقرصها سوى في الظهيرة، وسماء كنت أعدها فضاء محدوداً بسبب الجبال العالية التي حجبت عني الامتداد والمدى، أليست لوحة سريالية يومية؟ فهكذا كانت طفولتي التي تأثرت بها كثيرا.
تخصصتِ في دراسة التاريخ والذي يحمل العديد من الوقائع والأحداث، هل انعكس ذلك على إنتاجك الأدبي وفتح المجال لإلهامك؟
نعم انعكس تخصصي على قلمي وإبداعاتي الروائية، بعد أن تماهيت مع التاريخ بحثاً وغوصاً وعدم قبول ما به أحياناً، حتى فتح للخيال مرتعاً، فبقيت في حالة الوعي واللا وعي، والشعور واللا شعور، لأكتب أحداثاً مخترعة أضعها بين الأحداث الحقيقية، بهدف جمع أشلاء الناس قبل قرون، وكيف ضاع كل هؤلاء في تاريخ لم يكتبوه، ولم يمسكوا قلماً محترقاً في أتون حروب استعمارية برتغالية وإنجليزية.
ذكرتِ أن الرواية التاريخية تفقد الجانب الإبداعي عندما تعتمد في أحداثها على التاريخ المجرد، كيف تغلفيها بالإبداع؟
الرواية أدب إبداعي، ولا بد أن تكون فكرتها جديدة ولا شبيه لها، فمن يكتب الرواية التاريخية كما هي بأحداثها ووقائعها فسنجدها مفتقرة للإبداع، حتى لو استخدم اللغة الرائعة والأدوات الفنية بذكاء، ففي النهاية تبقى مجلوبة بفكرتها وأحداثها وشخصياتها من الكتب التاريخية، وبالنسبة لي، فدائما ما تكون شخصياتي الرئيسية من وحي خيالي وكذلك الأحداث التي تحاكها، ولكنني أقوم بوضعهم في وقت تاريخي عصيب، مع شخصية ثانوية تاريخية (حقيقية) بينهم لأمنح فقط شيء من المصداقية.
لديك اهتمام خاص بالبحث والكتابة عن الحضارات، فما الذي يجذبك للكتابة عنها؟
لم ولن أكتب يوماً الأحداث التاريخية كما هي، فلست من النوع الذي يكرر القول ولست ناقلة، إنما هو ربط واكتشاف وتصحيح لأمور كاذبة وخادعة جعلتنا نصدقهم، فهناك من كتب ودُعي مؤرخاً، فما أدرانا بأنه كتب تحت ضغط، أو نسب إلى نفسه بعض مما كتب، وما أدرانا بقيام جيل آخر بتصحيح النص المكتوب بسرية، وكتب غير ما كتب، بعد إخفاء الأصل. إذن البحث والشك في النصوص القديمة هي رحلة شهية اخترتها دون تنسيق مسبق.
تركزين في كتاباتك على اللغة العربية ومكانها في الفضاء العام، حدثينا عن ذلك.
اللغة العربية أداة كل شيء، نستخدمها من أجل اقتحام الحياة المعجونة بكل شيء، فهي لغتنا التي تجمعنا، فما نحن لولا اللغة؟.
كل إنسان يأتي إلى الحياة ليحقق مجده الشخصي
لكل عمل من إنتاجك الأدبي بصمة واضحة، هل لك أن تطلعينا على فحوى الرواية التي حصدت جائزة العويس للإبداع 2015؟
هي روايتي الأولى "سلطنة هرمز"، والتي من أجلها قرأت وبحثت وسافرت وتأملت، فاستغرقت مني أربع سنوات، فكل إنسان يأتي إلى الحياة ليحقق مجده الشخصي، وأبطالي في سلطنة هرمز جميعهم يتحدثون عن مجدهم، وبشكل دائري كما رسمت لهم فنياً في الرواية، ومن دون أن يشبه مجد أحدهم مجد الآخر، من الخير والشر بأنواعه، لكن علينا أن ننتبه أن هذا الأمر يحدث في كل العصور، وليس كما حدث فقط مع "ألفونسو دي البوكيرك" الجنرال الدموي، فمن المؤسف أن يحقق بعضنا اليوم وفي عصرنا الحالي مجده بالضغط على الآخرين، في الوظائف والتجارة وغيرها، وهي ليست منافسة، إنما معضلة الإنسان في الحياة.
صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي يسلم ريم الكمالي الجائزة
نلت جائزة الشارقة للإبداع عام 2018 عن رواية "تمثال دلما"، ما الذي يميز هذا العمل تحديدا؟
توظيفه للأمكنة التاريخية مع ابتكار أحداث وشخصيات من المخيلة، فالرواية فكرتها الفلسفية قائمة على ما يخفيه الإنسان الذي يقول غير ما يضمر، إلا أن بطلي كان نحاتاً وموهوباً وطبيبا، استطاع أن ينجح في أن يضمر إيمانه واعتقاداته دون أن يبوح بهما.
رشحت روايتك "يوميات روز" في القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، فمن أين استقت فكرتها؟
فكرتها كانت سؤالاً، لم أجد قصة قصيرة إبداعية مكتوبة لكاتب إماراتي أو كاتبة إماراتية في الستينات أي قبل الاتحاد، خاصة أن في تلك الحقبة كانت هناك بعثات للدراسة في جامعات العواصم العربية، وكانت الفتيات تأخذن مكانتهن في المجتمع تعليماً وتقدماً... فأين القصة؟. بعد هذا السؤال بدأت الفكرة المتخيلة تنضج لفتاة في الستينيات بمنطقة الشندغة، وتدعى روزة، وهي من الأسماء الشعبية التي أخذت تختفي مؤخراً، وهي فتاة موهوبة في الكتابة وتجيد التعبير القصصي وأدب الرسائل، والرأي، وقد حُرمت من بعثة تعليمية كصديقاتها، فكانت حجة فنية، أنها تكتب في دفاترها السرية قصصاً تعكس واقعها الاجتماعي والاقتصادي والأدبي، بين الواقع التقليدي المعاش لأسرتها، وبين نهضة مدينة دبي، فخشيت أن يقرأها أحد، لترمي بدفاترها الممتلئة في مياه الخور، فما الذي كتبته في تلك الدفاتر يا ترى؟.
هدفي أن ألحظ فكرة انطلقت إلى طرقات معوجة
لك العديد من المقالات المنشورة في ملاحق عربية ثقافية، هل تأخذ منحى معين أم تفضلين التنوع في الأجناس الأدبية المختلفة؟
في المقال أنا واقعية، وهدفي أن ألحظ فكرة انطلقت إلى طرقات معوجة، أجدني أكتبها لأكشف عوجها ولا أدعي النصح، إنما أحاول الانتباه لها بعطف ومحبة.
بعيدا عن العمل، حدثينا عن ريم الكمالي كأم وأكثر ما تحاول غرزه في أبنائها؟
لدي منصور ونورة، أعشق الجلوس معهما، فمنذ طفولتهما المبكرة وجدتني أحاورهما عن كل شيء، من الأفكار المطروحة، إلى الأخبار المسموعة، ليأخذ الحوار طريقه نحو الدهشة أو الشجن أو البهجة، المهم أننا كنا نناقش الأفكار والأحداث بموضوعية عالية، لا تحيز، ولا تعصب، سواء من الناحية الدينية والمذهبية، أو من الناحية العرقية، أو الاجتماعية، لنصل اليوم إلى نتيجة أن الناس سواء، والحب أساس الأسرة، وعلينا أن نترك بصمة قبل الخروج من الحياة.
كيف تقسمين يومك بين عملك وممارسة هوايتك وإدارة شؤون أسرتك؟
هناك أجندة سنوية وشهرية وأسبوعية ويومية، فلا مجال للتسيب، والوقت بالنسبة لي كنز لا أُهدره، وبالتالي استطعت أن أدير شؤون أسرتي وقلمي ووظيفتي، بعد أن تخليت عن الكثير من الأشياء غير الضرورية للإمساك بما أريد، أما عن هوايتي، فأحب التخطيط للترحال، وأقوم بأسفار بحثية قصيرة بمفردي وأعدها أجمل أوقاتي، لذا أخصص أسبوعاً واحداً كل 3 أشهر، للترحال البحثي التأملي الاستكشافي، لأكتب بعدها رؤيتي الجمالية والنقدية حولها، فهذا الأمر يمنحني متعة لا نظير لها.
هل هناك مشروع أدبي سيرى النور قريبا؟
نعم هناك رواية تحتاج بحث وتأمل وسفر كسابقيها، وتحتاج تمعناً، على الرغم أن فكرتها أيضاً خرجت من سؤال، وسترى النور قريبا بإذن الله تعالى.
* تصوير: السيد رمضان