من الهندسة إلى عالم الكتابة.. شهناز البستكي: الأدب يعمّق الفكر والسينما تصنع الوعي
عوالم عدّة عايشتها المهندسة شهناز أحمد عبدالرزاق البستكي، أول مهندسة مواقع في الإمارات، التي قادها شغفها إلى عوالم السينما، وكتابة السيناريو، وخوض مجال التصوير، والكتابة.
عاشت البستكي طفولتها في حي الفهيدي، بدبي، ودرست البكالوريوس في الهندسة المدنية بالكويت، وكانت أول إماراتية تحصل على ماجستير تخصص المنشآت من جامعة سيتي يونيفرسيتي، في لندن.
جذبها عالم الأدب، حيث تلمّست حاجة الموهوبين من المفكرين والأدباء، إلى دعم حقيقي يساعدهم على المضي قدماً في إبداعهم، لتؤسس جمعية «إثراء الذات» للثقافة في مصر، وتقيم مهرجانات وأنشطة للإضاءة على تلك المواهب.
من مهرجان أوان الشعر في دبي
عوالم أخرى تجذب المهندسة البستكي، منها التصوير، حيث وظفت صور الطبيعة الخلابة للإمارات في كتب سياحية، عن إمارتَي دبي وأبوظبي، وهي تعتبر أن التصوير نافذة على جماليات لا يمكن اكتشاف كنهها إلا بالتقاط تفاصيلها.
حوار المهندسة والأديبة والشاعرة شهناز البستكي مع "كل الأسرة" يتطرق إلى كل هذه العوالم المحيطة بها:
شهناز البستكي تخوض غمار الهندسة في الثمانينيّات
كنت مهندسة إنشائية.. كيف خضت غمار هذا التخصص ميدانياً؟ وما التحدّيات التي واجهتك؟
كنت أول مهندسة مواقع في أواخر الثمانينيات، حيث كنت أتابع المشاريع الإنشائية على الأرض، وأتعاون مع فرق الإنشاء والعمال، وآنذاك لم يكن عمل المرأة وسط محيط من الرجال أمراً رائجاً، أو مقبولاً، حيث كانت وظائف النساء تنحصر في التعليم، والتمريض، ومجالات محدّدة، ولكني حاولت تجاوز هذا التحدّي والعمل كمهندسة مواقع في فترة صعبة، وكنت مصّرة على التواجد في الميدان لضمان تنفيذ الأعمال بشكل صحيح تبعاً للمعايير الهندسية السليمة، ولأثبت أن المرأة قادرة على أن تتأقلم في كل الظروف، وتستطيع القيام بأيّ عمل، وفي أي مجال كان.
فكنت أقوم بزيارات ميدانية إلى المواقع الإنشائية، وأتعاون مع المهندسين، ونعقد اجتماعات لفهم متطلبات المشروع، والتأكد من قواعد الأمن والسلامة، وحتى كنت أستعين بالدرج الخشبي لأصعد على سقف البناية، والتأكد من تطبيق كل الإجراءات المطلوبة، مهما كانت ظروف الطقس، وكنت أحاول العمل بكل مهنية كمهندسة، وعشت تحدّيات شتى، حاولت مواجهتها وتوظيفها لاكتساب الخبرة والمعرفة اللازمة، إلى أن بات عمل المرأة في هذا الميدان أمراً طبيعياً.
نقلة نوعية من الهندسة إلى عالم الأدب والسينما والثقافة، أخبرينا عن هذه التحولات؟
عملت في مجال الهندسة في وزارة الأشغال العامة، وتنقلت بين إدارات عدّة، حيث كنت مهندسة مواقع، وبعدها عملت في الصيانة، ثم في الإنشاءات، ومن بعدها توليت متابعة المشاريع الإنشائية، وكنت رئيسة قسم التخطيط والمتابعة، ما أكسبني كنزاً من المعلومات، والتعاملات، والخبرة، وأصقل مواهبي. بعدها، تفرغت لأعمالي الخاصة، وهواياتي، أهمها الكتابة والتصوير، وتوجيه اهتماماتي ونشاطاتي في المجالات الثقافية، والاجتماعية، والإنسانية.
فعندما كنت في المرحلة الثانوية، كنت أميل إلى الكتابة، وكنت أكتب في جريدة البيان، وعندما انتهيت من عملي النظامي شعرت بأني أريد أن أتفرغ لهواياتي في الشعر، والأدب، والكتابة، فبدأت بتأليف عدد من الكتب، منها كتاب «ابقَ إنساناً»، وهو شعر إنساني، اجتماعي، فلسفي، وكتاب «دبي المدينة الساحرة»، وهو كتاب دمجت فيه بين شغفي بالكتابة وشغفي بالتصوير، وكتاب «أبوظبي الإمارة المتألقة»، ثم أصدرت كتاب «إثراء الذات»، وهو يجسد تجارب، وذكريات، وأفكاراً، وكيفية الاستثمار في الذات، روحياً وعملياً.
وبعد خوض مجال الكتابة، وجدت نفسي في مجال السيناريو وعمدت إلى كتابة سيناريوهات عدّة، تضمنت الكثير من الرسائل، إذ كنت أحاول أن أدعّم الاتجاه السينمائي ذا الفائدة والمغزى، بحيث تزاوج السينما بين التشويق والتأثير، وتكون محمّلة بالمواعظ، و بالرسائل الهادفة، الإنسانية أو الاجتماعية.
فالسيناريوهات التي كتبتها كانت تجمع بين المؤثرات الشيّقة التي تجذب المشاهد، وفي الوقت نفسه تحمل رسائل عميقة، تنقل المشاهد من زاوية رؤيته الآحادية إلى زاوية أكثر عمقاً، وهذا كان هدفي من فيلم «خلف الكواليس».
السينما صناعة للترفيه والمتعة ولكن من الواجب أن تحمل رسائل هادفة بحيث يتم توظيف عناصر التشويق في تدعيم الوعي وتعميقه
بخصوص الحديث عن السينما، ما الذي قادك إلى عوالم السينما؟
ما قادني إلى عوالم السينما، الدوافع نفسها التي قادتني إلى كتابة السيناريو، إذ كنت أتلمّس أن معظم الأفلام المنتجة غير هادفة، وكنت أرغب في المساهمة في تغيير الهدف من صناعة السينما، لتكون أكثر منفعة للناس، بحيث إنه ليس شرطاً أن يدخل الفرد السينما لقضاء وقت لطيف وممتع فقط، بل أشعر بأن السينما تحمل، عبر منظومة الأفلام، رسائل عميقة، بجانب احتفاظها بعناصر التشويق والمؤثرات. فكلفة السينما مرتفعة، وتجذب جمهوراً كبيراً، ومن غير العادل أن يجلس المشاهد ساعتين ليشاهد فيلما للمتعة فقط، بل يجب أن يكون العمل محمّلاً بأهداف إنسانية، ومواعظ اجتماعية، ونحن بحاجة لهذه المصادر أن تؤثر في المجتمعات، وتوجه سلوكاتها بشكل مفيد.
كنت أوّل إماراتية تؤسّس جمعية لدعم المواهب.. إلى أي مدى تتلمّسين قدرة دعم المواهب والإبداعات على الارتقاء بالمستقبل؟
بصراحة، يتملكني شغف أن أدعم الموهوبين والمفكرين، لأني أدرك تماماً أن هذه الفئة من المتميزين غالباً ما تعترضهم مطبّات وعوائق كثيرة في مجتمعاتنا، وبالأخص في بداية الطريق، حيث يحتاجون إلى من يدعمهم، ويساندهم، ويبرزهم في المجتمع، فأسست جمعية «إثراء الذات» للثقافة في القاهرة التي كانت تدعم إقامة فعاليات كثيرة، في مصر والإمارات، منها مهرجان إعلام وإثراء بالتعاون مع جامعة الأهرام الكندية، ومهرجان أوان الشعر في دبي، وفعاليات أخرى تركزّ هدفها على اكتشاف الموهوبين ودعمهم، عبر أنشطة ومسابقات تناولت الأدب، والشعر، والثقافة، والفن، والتوجهات الإنسانية.
وفي السياق نفسه، أسّست مؤسسة «بيت الكنوز للثقافة والتنمية» في القاهرة، لدعم الموهوبين، ومن أهم فعالياتها مهرجان «طفولة فوق العادة»، و«فتافيت السكّر»، وقد تمّ تكريمي من جهات عدّة، كشخصية ثقافية وإنسانية، وتتماهى أهداف مؤسسة «بيت الكنوز» مع أهداف «إثراء الذات»، في دعم الأدب، والشعر، والثقافة، والبراعم الجديدة التي تحتاج إلى المساندة، وتسليط الضوء على تلك المواهب، ومكافأتها.
وأسست شركة إثراء للإعلام، وأنتجت فيلم «خلف الكواليس»، وهو يدعم القضايا الاجتماعية والإنسانية، وشارك في الفيلم ممثلون وموهوبون عرب. وبصراحة، كانت مواهبهم فذة، وكنت سعيدة بالتعاون معهم.
صورة التقطتها البستكي خلال رحلتها إلى الهند
تهوين التصوير الفوتوغرافي، ما هي الصور التي تبحثين عنها تحديداً، وإلى أيّ مدى تعتبرين أن الصورة تتكامل مع الكتابة؟
أحب التصوير. أصوّر الطبيعة والمناظر الخلابة، كما تلفتني الصور الإنسانية. وظفت هذه الهواية في نتاجاتي، ومن خلال كتابي «دبي المدينة الساحرة»، و«أبوظبي الإمارة المتألقة»، حاولت إبراز جمال الطبيعة في الإمارات، سواء على صعيد النهضة العمرانية، أو الأبعاد التراثية والحضارية، كما واكب كتابي «ابقَ إنساناً» ملامح إنسانية في زيارتي للسودان، حيث كانت صور الوجوه التي التقطتها عدستي مفعمة بالإنسانية، وتجمع بين المشاعر النبيلة والمعاناة، وضمنتها في الكتاب، وكانت فعلاً معبّرة، وتحاكي عنوان الكتاب.
المؤتمر الصحفي للفيلم في ريل سينما بدبي 11 أكتوبر 2023
تقرأين كثيراً ولديك مكتبة في منزلك تحوي مختلف الأصناف من الكتب، ما هي طقوس قراءاتك؟
أحب أن أقرأ الكتب الفلسفية، وبالأخص للفلاسفة الذين تركوا أثرهم في مجال الكتابة، وفي الفكر والفلسفة، وبينهم ليو تولستوي، وجون لوك، وأحب قراءة شعر المتنبي، وللكثير من الشعراء. فأنا أرى أن الأدب يعمق الفكر، ويصقل رؤى الفرد وآفاقه، بشكل أكبر، ويساهم في نشر الوعي الإنساني، وتعميق مساحته، وهذا شيء مهم ومحوري في مهمة الأدب.
خلال زيارة لها إلى السودان
زرت عدداً من الدول، كيف تعيشين أسفارك؟ وهل تجدين الوقت لممارسة هواياتك؟
زرت مدناً كثيرة، في أوروبا وأمريكا وشمال إفريقيا وآسيا، لكل دولة مزاياها التي يمكن الاستفادة منها واستثمارها. كما شاركت في مهرجانات عالمية، مثل مهرجان «كان»، ومهرجان الجونة، ومهرجان البحر الأحمر، ومهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان العين، واستفدت كثيراً من تلك الفعاليات في دعم وتحديد رؤيتي للإنتاج السينمائي، وصقلت خبرتي، سواء على صعيد السينما، أو في مجالات أخرى.
لدّي الكثير من الهوايات إلا أني أركز على هوايتي الكتابة والتصوير، وأحتاج إلى الوقت لممارستهما. في بعض الأحيان، تمنعنا الظروف من ممارسة هواياتنا، وبالأخص أنّ الكتابة تحتاج إلى الهدوء، والتركيز، والصفاء الذهني، وإلى العزلة للكتابة، بجودة عالية، وهذه شروط، ولكن تبقى رهن الظروف التي قد تكون مهيّأة، أو غير مهيّأة.