28 مايو 2024

إنعام جه جي تكتب: بوتوكس على السجادة الحمراء

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام جه جي تكتب: بوتوكس على السجادة الحمراء
ديمي مور مع الممثلة والمغنية الأمريكية شير خلال مهرجان «كان» الأخير

انتهى مهرجان «كان» السينمائي الدولي، ولفلف العمال السجادة الحمراء التي تغلّف الممشى والسلالم الصاعدة إلى صالة العرض. التقط المصورون آلاف الصور، وتابعت العيون الفضولية في العالم أجمع فساتين الممثلات، ومجوهراتهنّ، وتسريحاتهنّ، وما خفي من أجسادهنّ، وما بان. انشغل نقاد السينما في عرض الأفلام، وتحليلها، واجتهدت محررات الموضة في المفاضلة بين أناقة النجمات والألوان التي قد يرمز لها هذا الثوب، أو ذلك الوشاح.

انفضّ العرس الربيعي السنوي، وعادت صحفية مشاكسة من مجلة نسائية باريسية، وانكبّت على حاسبتها لتجمع وتطرح، وتحاول الوصول إلى عدد لترات البوتوكس التي سارت على السجادة الحمراء في هذه الدورة الأخيرة من المهرجان. هل بقيت هناك حياة على هذا الكوكب خارج مدار البوتوكس؟

النجمة الأمريكية ديمي مور ظهرت أمام عدسات الصحافة وكاميرات التلفزيون خالية من التجاعيد تماماً، رغم أنها تجاوزت الستين من العمر. قوامها عاد كما كانت في العشرين. لا بمعجزة طبيعية وإنما بفضل سحرة التجميل. وليست مور وحدها من خزّنت البوتوكس والسليكون في الخدود، والصدر، والشفاه، والمؤخرات، بل جاءت كل ممثلة، كبيرة أو صغيرة، بحصتها المحترمة من تلك المواد التي تعيد قولبة الملامح والتفاصيل، وتعيد المرأة إلى صباها رغم أنف الزمن.

تتساءل الصحفية المشاكسة وبراءة الأطفال في عينيها: هل يحق للنساء في عصرنا هذا أن يبلغن سنّ الشيخوخة في أمان وسلام؟ تفرجوا على ضيوف المهرجان وضيفاته وسترون كم أن المرور على السجادة الحمراء بات هو الذي يجتذب الأنظار، في حين لا تهتم سوى القلة من المتابعين بالسؤال عن الأفلام المعروضة. إن المهرجان يعني البريق والإبهار. أصبح الأمر تقليداً، سنة بعد سنة، أن يحظى استعراض السجادة بنصيب الأسد من التغطيات الإعلامية. وفي ما يخص هذا العام، لم تكن الفساتين اللماعة وحدها في الساحة، بل وجوه الممثلات اللواتي يُطلن الوقوف أمام المصورين، ويستدرن من كل الجهات، ذهاباً وإياباً، وصعوداً ونزولاً، مثل عارضات الأزياء.

تنوعت الفساتين لكن الملامح بدت كأنها خرجت من بين أنامل صائغ واحد. الوجنات مرتفعة، وملساء. الجباه مشدودة وثابتة من دون تقطيب. والشفاه منفوخة حد السّخرية. وجوه تشبه الأقنعة الشمعية للتماثيل في متاحف الشمع، والدمى الخزفية القديمة. فهمنا أن تفعلها اللواتي فاتهن قطار الشباب، فلماذا تتعلق الشابات أيضاً بأذيال قطار ما زال متوقفاً في محطتهن؟

تخرج من مهرجان «كان» بخلاصة تؤكد لك أن التقدم في السّن، وما يتركه من علامات على الوجه صار مرفوضاً، وممنوعاً، بل ومحرماً في مجتمعات الاستعراض والفنون البصرية. لقد فرض انتشار جراحات التجميل مبدأ يقول إن على كل امرأة أن تبدو جميلة حتى ولو لم تكن كذلك. كانت هناك ممثلات شابات معدودات تجاسرن على الظهور بوجوههن الطبيعية النضرة، من دون رتوش تذكر. أما من تجاوزن الثلاثين فقد جلسن بين يدي الجراح مرة، ومرتين، وثلاثاً، رغم أن بينهن من تنكر ذلك.

يعرض أطباء التجميل مهاراتهم على مواقع التواصل. يغرون ربات البيوت، وطالبات الجامعات، والموظفات، بأسعار متهاودة. وقد جاء في دراسة فرنسية أن الفئة الأكثر استهلاكاً لهذا النوع من التدخلات التجميلية، سواء الجراحية أو بالحقن والأجهزة المساعدة، هي النساء بين سن 18 و34.

نتحدث عن «كان» لأنه الأحدث والأشهر. والحقيقة أن ما رأيناه فيه سبق وشاهدناه في حفلات «الأوسكار»، وفي «البندقية»، وفي «الجونة». والأدهى من ذلك، أننا صرنا نراه حولنا، كل يوم، في الشارع، والنادي، وداخل الشاشات، وخارجها. صارت الممثلات والمذيعات والفاشينستات أمثلة تحتذى.

اقرأ أيضاً: قراءة في نتائج مهرجان «كان».. تيمات متشابهة طغت على جوائز «كان»