10 يونيو 2024

إنعام كجه جي تكتب: الأمومة على الكرسي

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: الأمومة على الكرسي

يبهجني منظر الأمّهات اللواتي يرافقن أطفالهن إلى المدارس في الصباح.

يبهجني أكثر حين أرى أن الأب هو الذي يأخذ الأطفال إلى المدرسة، أو يعود بهم منها. جميل هو التعاون بين الزوجين.

ثم رأيت مشهداً أكثر بهجة من كل ما مضى. بل أكثر وقعاً، وروعة، وجمالاً، بحيث دمعت عيناي من التأثر. مع العلم أن دموعي ليست مقياساً لأن دمعتي قريبة، أبكي لأمور تافهة أحياناً، مثل فراق نجلاء فتحي ومحمود ياسين، في فيلم شاهدته عشر مرات. والغريب أنني في المواقف الشديدة والخطرة أتماسك، ولا أسفح دموعي.

مثل كل الناس، اعتدت أن أرى أصحاب الاحتياجات الخاصة يستخدمون الكراسي ذات العجلات للتنقل على الأرصفة، والذهاب للسوق، واقتناء ما يلزمهم. بعض تلك الكراسي المُدولبة تسير ببطارية كهربائية، ومنها ما يُدار باليد. يعتمد المعاق العاجز عن المشي على قوة ذراعيه لكي يدفع الكرسي نحو الأمام. وهناك من اعتاد توجيه كرسيّه، يميناً ويساراً، بسهولة ويُسر، كأنه يقود دراجة هوائية. بل إن هناك من يمارس أنواع الرياضة، مثل كرة السلة، والكرة الطائرة، وهو على كرسي بعجلات.

المشهد الذي هزّني كان لسيدة تعاني الإعاقة، تتحرك على كرسيّها وفي حجرها ابنها الذي لا يزيد عمره على السنتين. لقد ربطت الطفل إلى صدرها بحزام لكي تحميه من السقوط، وتحسّباً للعثرات. وجدت نفسي أتبعها، وأنا أراها تدخل المجمع التجاري، وتقصد الصيدلية، وتطلب ما تحتاج من دواء، مثل أي والدة لا تشكو من نقص.

حدثتني نفسي أن ألتقط لها صورة بهاتفي. لكنني احترمت خصوصيتها. أردت أن أبعث الصورة إلى ابنتي، وصديقاتي، لكي يعرفن قيمة الإرادة البشرية، وقوّة الأمومة.

تخيّلت تلك الأم وهي في بيتها، تحمّم طفلها، وتطعمه، وتغيّر له ثيابه، وتهدهده لكي ينام. وذات يوم قريب ستعلّمه المشي، وقد ترافقه إلى مدرسته. الولد على قدميه، والأم على كرسيّها.

ومضى بي الخيال أبعد، إلى زمن يكون فيه الابن قد بلغ مرحلة الشباب، وسار يدفع كرسي الوالدة الباسلة التي ربّته وجعلت منه رجلاً، رغم صعوبة كل لحظة في حياتها.

نعم. أبكاني المشهد. وهو من أجمل ما تقع عليه العينان.