سلامة الطنيجي على غلاف كل الأسرة لشهر سبتمبر
سلامة الطنيجي... الفتاة الإماراتية التي أثبتت أن العمر ليس عائقاً أمام تحقيق الإنجازات، تلعب دوراً محورياً في مكافحة ظاهرة التنمّر في المدارس، بدءاً من حصولها على وسام من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، (جائزة أبوظبي)، وصولاً إلى رئاستها لمجلس استشاري للأطفال وهي في التاسعة من عمرها، لتكون سلامة في مرحلة مبكرة من عمرها نموذجاً يحتذي به الشباب العربي.
زميلتنا هويدا عثمان حاورت سلامة سيف الطنيجي، المتحدث الرسمي لجائزة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة للوقاية من التنمر في المدارس، أول رئيس للمجلس الاستشاري للأطفال في عام 2019-2022، رئيس لجنة الشؤون التشريعية والقانونية وحقوق الطفل في البرلمان الإماراتي للطفل في دورته الأولى 2020-2022، رئيس لجنة الأنشطة بالبرلمان العربي للطفل في دورته الثالثة 2023-2024، أحد سفراء الأمن الإلكتروني لدى إدارة سلامة الطفل بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بإمارة الشارقة، رئيس شورى أطفال الشارقة في دورته السادسة عشرة. وخلال الحوار نستمع إلى رؤيتها حول هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الطلبة.
بناءً على خبرتها في مواجهة التنمر، أردنا أن نعرف من سلامة الطنيجي كيف يمكن أن تؤثر هذه الظاهرة على أداء الطلبة الدراسي، فشرحت ذلك قائلة «ظاهرة التنمر في المدارس، جرثومة تحارب مناعة طلابنا سلباً، وتسلب الأمان الاجتماعي في محيط المدرسة، فبدلاً من أن يستيقظ هذا الطالب وهو على أشد الاستعداد للذهاب إلى المدرسة، قد ينتابه تردد عند مصاحبة زملائه والانخراط معهم بسبب السلوكيات الخاطئة التي توجه له من قبل فرد أو مجموعة، هدفها الأول إحباط هذا الطفل وإشعاره بمشاعر سلبية، أرى أن كل طفل يملك الحق في العيش في بيئة مدرسية آمنة، لبناء شخصية قيادية منذ الصغر، محفوفة بمعلمين محفزين ومجتمع طلابي صحي صانع للتغيير، لا لفصول دراسية تخبئ بين زواياها طفلاً هشاً نفسياً، مهزوزاً اجتماعياً، غير قادر على رفع مستواه الأكاديمي، بسبب البقاء لوحده، ويمتنع عن وجبته المفضلة، ويعاني من كوابيس، ويرفض مشاركة ما يجول في خاطره مع والديه، جميع هذه الآثار مصدقة علمياً من قبل خبراء ومختصين؛ لذلك نسعى جاهدين في المجلس الأعلى للأمومة والطفولة للحد من هذه الظاهرة بالتعاون مع الجهات المختصة».
كما حدثتنا عن تفاصيل ما حققته مبادراتها ضد التنمر في العام الماضي «قدمت ورشاً عديدة في مختلف المدارس حول الدولة، وقدمت ورشاً ومحاضراتٍ خلال العطل الصيفية والشتوية بالتعاون مع مختلف الجهات الرسمية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين، كما تم تطوير دليل أولياء الأمور التابع لبرنامج الوقاية من التنمر في المدارس التابع للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، استطاع برنامج الوقاية من التنمر في المدارس الوصول إلى أكثر من 200 ألف طالب منذ بداية انطلاقه، كما أفاد 85.3% من موظفي المدارس والأخصائيين الاجتماعيين أن معدلات التنمر قد انخفضت بعد تنفيذ البرنامج، كما ركز فريق عمل البرنامج والجائزة على الوصول إلى كل من له صلة بالمجتمع المدرسي، بداية من الطالب، المعلم والأخصائي الاجتماعي، وولي الأمر، كما توصّل البرنامج إلى إحصائيات دقيقة تبين أنواع التنمر المنتشرة بين مدارس البنين وغيرها في مدارس البنات، كما استطعنا التعرف على المرحلة العمرية والصفية التي تزداد فيها حالات التنمر».
لقائي برئيس الدولة، حفظه الله، لا يغيب عن ذاكرتي وأشعر بالفخر أن ألتقي بقائد حكيم
وأعربت سلامة الطنيجي عن فخرها وسعادتها الغامرة تجاه لقائها بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وتكريمها بـ«جائزة أبوظبي»، مؤكدة «لقائي بوالدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لقاء استثنائي، لا يغيب عن ذاكرتي، أما مشاعري فأصفها بالمزيج من مشاعر التوتر والحماس والفخر، أن ألتقي رئيس الدولة، والقائد الحكيم، زعيم العرب، ليست كأي فرصة يحصل عليها الجميع، وصفت مشاعري حينها لأخي راشد الذي شاركني كرسي الحفل، بمشاعر تقارب الخيال وكأنني أرتدي نظارات الواقع الافتراضي.
لقاء سموه صفحة ذهبية أضيفها لرف الذكريات الجميلة في وسط مكتبة الجانب الأيسر من دماغي، بدأ الحوار بعد أن حصلت على شرف مصافحة يد سموه، بارك لي على فوزي بالجائزة، فكم أنا محظوظة بأصلي الإماراتي وبأننا كشعب نحسد على قائد اسمه محمد بن زايد، اختصرت جميع مشاعري بمقولة خرجت مني لا إرادياً فقلت لسموه «طويل العمر إن الدول تنافس العالم بذخيرتها النووية، وحكومة دولة الإمارات تنافس العالم بأطفالها وشبابها»، لمعة عيوني وصفت مشاعري الممتلئة بالفخر بلقائه قبل تكريمه لي ووصفت له كم حلمتُ بهذا اليوم، وكرر، حفظه الله، جملة «الله يفرحك يا بنتي»، كم هي جميلة كلماته، سألني سموه عن عمري ومرحلتي الدراسية».
وتعود سلامة إلى الموقف الذي جعلها تتخذ قرار محاربة التنمر والانخراط في مبادرات ومشاريع وبرامج تصب في هذا الهدف، «عندما كنتُ في الصف الأول الابتدائي، وبينما يتناول الطلبة وجبة الإفطار في الفسحة، استوقفني صوت صراخ يصف انزعاج صاحبه من مشاكسة مجموعة من الصبيان له، ضحية المشاكسة كان طالب يبلغ من العمر السابعة، وهو من أصحاب الهمم يعاني من صعوبة في الكلام ومشاكل أخرى، وقد عُرفت هذه المتلازمة اليوم بمتلازمة «أنجلمان» حالة ناتجة عن تغير في جين ويُعرف باسم التغير الجيني، تسبب «أنجلمان» تأخر النمو، ومشكلات في الكلام والاتزان، والإعاقة الذهنية، لم تسمح لي قامتي الصغيرة ولا شخصيتي التي كانت خجولة نوعاً ما بالتدخل حينها، ولكن أذكر انزعاجي من الموقف.
ويستوقفني موقف آخر، خلال جلسة حوارية نظمها المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، بالتعاون مع وزارة التسامح، لتوعية أولياء الأمور بضرورة دورهم في مكافحة التنمر وحماية أطفالهم من هذه الظاهرة، كنت أحد المتحدثين في تلك الجلسة، وبعد الانتهاء، استوقفتني امرأة أربعينية، تحاورني بلغة إنجليزية مكسرة، واصفة لي حالة ابنها الذي يعاني من التنمر والمضايقة في المدرسة بسبب ملامحه التي تختلف عن ملامح زملائه فهو طفل من أب إماراتي وأم آسيوية، تسببت سلوكيات طلبة مدرسته، بإشعاره بأنه غير مرغوب في ذلك المجتمع، حدثتني عن حاله كل يوم بعد عودته من المدرسة، طالبةً مني المشورة، كان العائق الأول افتقاري للمصطلحات الإنجليزية وثقافتي في موضوع التنمر حينها، فشاركتها رقم مركز حماية الطفل بوزارة الداخلية (116111)».
وتنوي سلامة الطنيجي طرح عدد من المبادرات في العام الدراسي الجديد من أجل جعل المدارس الإماراتية خالية تماماً من التنمر، وتبين «نطمح من خلال برنامج الوقاية من التنمر في المدارس للعام المقبل، الوصول إلى كافة مدارس الدولة، بما فيها المدارس الحكومية والخاصة، وتوسيع دائرة البحث للتعرف على الإحصائيات الدقيقة التي تشمل المراحل من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي، للوصول إلى حلول أدق تناسب كل فئة على حدة، كما نعمل على التعاون مع خبراء في الصحة النفسية للتعاون معنا لطرح أساليب جديدة في دليل الوقاية من التنمر الخاص بأولياء الأمور والطاقم الإداري والتعليمي في المدارس، لتحقيق الهدف المرجو، صفر حالة تنمر في المدرسة الإماراتية».
من واقع عضويتها في البرلمان العربي للطفل، تؤكد سلامة الطنيجي أنها تحرص على طرح ومناقشة ظاهرة التنمر لرفع الوعي بأهمية مواجهتها «أطمح من خلال عضويتي في البرلمان العربي للطفل تقديم صورة مشرفة لأطفال الإمارات، وأن تكون مشاركتنا تحت القبة البرلمانية تعكس رؤى سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، أم الإمارات، التي تتابع ملف الطفل متابعة حثيثة وتحرص كل الحرص على توفير بيئة آمنة ومستدامة للأطفال في المدارس وخارجها، وفي الجلسة الرابعة من الانعقاد الثالث للبرلمان العربي للطفل التي تمحورت حول «المسؤولية المجتمعية للعضو البرلماني»، طرحت من خلال مداخلتي ضرورة التعاون مع الجهات المختصة لرفع الوعي حول التنمر، لما فيه من آثار سلبية تعرقل مسيرة الطالب التعليمية وتؤثر على صحته النفسية».
وتوجه سلامة رسالة خاصة إلى الشباب ، تحثهم فيها على «المضي قدماً في أي مجال أحبوه، وأن يواصلوا المسيرة في تطوير ذواتهم وإفساح المجال لأنفسهم لتجربة مختلف المجالات، كما أحث أقراني على القراءة والتثقيف في المجال الذي يفضلونه، والمحافظة على السمعة الإيجابية لدولة الإمارات من خلال المواطنة الرقمية في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتمثيل نموذج إيجابي ومشرف للمواطن الإماراتي في مختلف المحافل الدولية».
وعند سؤالها عن استعداداتها للعام الدراسي الجديد، وصفت لنا سلامة الطنيجي ما تقوم به من تخطيط وخطوات تضمن لها النجاح على المستويين الشخصي والأكاديمي «في البداية أنصح زملائي بالتخطيط لعامهم الدراسي من خلال استرجاع العام الدراسي السابق، وصف العادات التي ساهمت في دعم معدلهم أكاديمياً وما هي التحديات التي قد تؤثر عليهم في عامهم المقبل، هذه الخطوة ستساهم في توضيح شخصية الطالب لنفسه.
الخطوة التالية هي وضع الأهداف الأكاديمية بشكل معقول وواضح، كما لا ننسى التدرج في هذه الأهداف، أي تقسيم الأهداف الكبرى لأهداف صغيرة، للوصول إلى الرؤية الأخيرة، من أجل تقبل العقل لهذه الأهداف ووضوح الرغبة لتحقيقها فعلاً، بعد ذلك أكتب لائحة مكافآت سأحصل عليها بعد أن ألتزم بالخطة التي وضعتها ولا ينبغي على هذه المكافآت أن تكون كبيرة، ثم أختتم استعدادي للعام الدراسي بتجهيز المستلزمات الدراسية بالطريقة التي أفضلها وهذا العامل البسيط يزيدني حماسة لاستخدامهم بشكل جيد في دراستي ومذاكرتي».
أما بشأن خططها المستقبلية ، كشفت سلامة الطنيجي «أطمح في المستقبل القريب أن أقدم الواجب في سبيل خدمة الوطن الغالي، أياً كان المجال، كما أنني أقتدي بالقائد الدبلوماسي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والذي أتعجب من طريقة تفكيره المحنكة وقدرته على الارتجال أياً كان الموقف، متمسكاً بمبدأ الديمقراطية ومحافظاً على الأسلوب اللبق في الحديث. كما أنني أقدر القيادات النسائية المشرفة لمثال المرأة الإماراتية الطموحة كمعالي ريم الهاشمي، التي عملت على مختلف المشاريع بجانب قيادتنا الرشيدة، مرسلة رسالة واضحة للعالم أن المرأة الإماراتية والعربية قادرة على الوصول للمحافل الدولية.
كما أطمح لتقديم أفضل الإمكانيات للطفل الإماراتي والعمل في جهات كالمجلس الأعلى للأمومة والطفولة أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في الدولة، ولا أنسى الموازنة بين حياتي الشخصية والمهنية، وخوض التجارب المختلفة والمغامرات التي حلمت بها سلامة الصغيرة، والسفر لمختلف دول العالم بخير وصحة وسلامة».
* تصوير: السيد رمضان