17 مارس 2021

كيف نربي طفلاً سليماً نفسياً؟

محررة متعاونة

محررة متعاونة

كيف نربي طفلاً سليماً نفسياً؟

تربية الأبناء ليست بالأمر السهل بل في الحقيقة إنها المشروع الصعب والأهم في حياة كل أسرة، ولأن مشكلات الأبناء لا تزول ولا تنتهي مع تقدمهم في العمر بل ربما في بعض الأحيان تزيد، فالأمر يحتاج إلى خبرة ودراية واستيعاب طرق التربية السليمة فقد كشفت إحصائية جديدة صدرت عن المجلس القومي للأمومة والطفولة في مصر عن ارتفاع معدلات العنف المنزلي الموجه ضد الأطفال خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بشكل كبير، وفي المقابل فإن الكثير من الأهل يلجؤون لتلبية 100% من طلبات أبنائهم ظناً منهم أنهم يقدمون الحب لهم مع هذه الطلبات.

فتحت «كل الأسرة» ملف تربية الأبناء ومشكلاتهم وسألت عددًا من أساتذة الطب النفسي والعلاقات الأسرية وخبراء التربية وتعديل السلوك وسألتهم: كيف نعامل الطفل وكذلك المراهق بشكل سليم نفسياً؟ كيف نربيهم بشكل صحيح؟ وكيفية التعامل مع الطفل الصغير نفسياً؟ وما الطريقة الأمثل للآباء لعلاج المشكلات السلوكية التي تشيع عند الأطفال والمراهقين؟

كيف نربي طفلاً سليماً نفسياً؟

يجب ألا تخرج خلافات الآباء والأمهات خارج حدود غرفة النوم

في البداية يقول الدكتور والخبير التربوي، محمد حسين رضوان «لكي يصبح الطفل سوياً مبدئياً يجب ألا تخرج خلافات الآباء والأمهات خارج حدود غرفة النوم، وهذه أولى قواعد المحافظة على نفسية الأبناء، فيجب أن يبقى ابنك بعيداً عن كل هذه الخلافات ويجب أن تكون الصورة عنده تتركز في أن (بابا وماما بيحبوا بعض وبيحترموا بعض)». ويضيف «هذا الطفل عندما يكبر من المستحيل أن يمد يده على زوجته أو يهينها، فنحن دائماً قدوة لأولادنا يستقون منا كل شيء، حتى دوناً عن إرادتهم، لكن للأسف هذا الأمر إذا كان أساسه العنف سيكون مصيره أن يصبح إنسانًا مشوهاً نفسياً. إضافة إلى التوقف عن عقاب الطفل بالضرب تماماً ولا نمارس معه أي أنواع الإهانة حتى لو كانت لفظية، بل يجب علينا تعزيز ثقتنا فيه ونشجعه على ممارسة الرياضة والرسم وحفظ القرآن وممارسة كل الهوايات التي يحتاجها».

ويشدد الدكتور محمد حسين رضوان على أن التربية بالقدوة أهم قواعد التربية السليمة، فلا يجوز مثلاً أن أحذر ابني من شرب السجائر وأنا أشربها أمامه كل يوم، وكيف أعلمه ألا يسهر خارج البيت وأنا أفعل ذلك يومياً دون أي مبرر، وكيف أعلمه ألا يتعصب ويثور ويخطئ وأنا أهين أمه وأشتمها. فعندما يبدأ الطفل في الإدراك يبدأ بتقليد أبيه وأمه، ولكي نكون قدوة حسنة لأولادنا يجب أن نحاول التوقف عن الكذب تماماً حتى لو في الأمور البسيطة، والتوقف عن الشتائم والتوقف عن أخذ الأشياء التي لا تخصنا، والتوقف عن العصبية خاصة أمامهم.

كيف نربي طفلاً سليماً نفسياً؟

العقاب يجب أن يكون بحكمة، لأن الغرض منه التأديب وليس الانتقام

ويتفق معه الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي السلوكي وعلاج وتعديل سلوك المراهقين بجامعة عين شمس، في أن تربية الأطفال بالثواب والعقاب مطلوبة لكنها مقننة بقوانين وشروط، فالعقاب الذي يطلب تطبيقه في تربية الأبناء هو الذي لا يؤلم نفسياً ولا يهدر الكرامة، فالعقاب يجب أن يكون بحكمة، لأن الغرض منه التأديب وليس الانتقام. ولفت عيد إلى ضرورة وأهمية تكوين علاقات ودودة وطيبة بالأبناء في كل المراحل، لكن عندما تتكون الصداقة في فترة المراهقة المبكرة يمكننا حماية أولادنا من كل المخاطر التي تحيط بهم، فلماذا لا يقوم الأب أو الأم باصطحاب المراهق إلى النادي لمشاهدته وهو يلعب مباراة رياضية؟ أو يشترك معه في لعبة؟ بهدف توطيد العلاقة التي يربطها الحب والمودة؟
تلك الأمور تجعل الأب يعرف أكثر أفكار واتجاهات وصداقات وقراءات ابنه المراهق، الأمر الذي يجعله قادراً على التدخل في الوقت المناسب لتقديم النصيحة بهدف إنقاذه من الإقدام على فعل شائن.

وينصح استشاري تعديل السلوك بعدم تدخل الأهل في كل الأشياء الخاصة بالمراهق، وترك مساحة له ليخطئ، لأن التدخل يزيد من تمرده السلبي، ويشدد على أن المراهق المتمرد مشكلة كبيرة لا يعرف المجتمع خطورتها، لذلك يجب أخذ الأمر بجدية، لكن بلا تدخل في خصوصياته. ويشير الدكتور إيهاب عيد إلى أن الخطر الأكثر تأثيراً في المراهقين والأطفال هو إدمانهم استخدام الأجهزة الإلكترونية بشكل زائد، سواء كانت هواتف محمولة أو أجهزة لوحية آو حواسيب محمولة، وهو ما يؤثر سلباً في القدرات التواصلية والمهارات الاجتماعية ويصبحون أكثر عزلة وانطواء، ويقول «يمكن للوالدين استعمال بعض برامج الحماية الموجهة للآباء للتقليل من مخاطر الويب في هذه المرحلة». 

كيف نربي طفلاً سليماً نفسياً؟

تربية الطفل على قبول أخطائه وتصحيحها له لإسعاده تنتج طفلاً لامبالي

ومن جانبها تؤكد الدكتورة سهام حسن، استشاري نفسية الطفل وخبيرة تعديل السلوك وتأهيل الأطفال بالقاهرة، أن كثيرًا من الأهالي خلال عملية تربيتهم أبناءهم يربون الطفل على مبدأ «سيحصل طفلي على الأفضل دائماً». هذا المبدأ ينعكس من خلال تأثر الوالدين بتربيتهما، أو قد تكون نابعة من معاناة في حياتهما. وكثير من الأهل يظن أن بإعطاء طفلهم كل ما يطلب أو تعويضه عما خسر أو أتلف هي أفضل طريقة ليشعر الطفل بالأمان، ويظن أن والديه موجودان دائماً لإعطائه الأفضل. وتنبه سهام حسن على أن عدم تحميل الطفل مسؤولية أخطائه وعدم فهم العواقب الناتجة عن تصرفاته هي من الصفات التي تكون نتاج التربية الخاطئة من الآباء للأبناء. فهم الخطأ وتوابعه وتحمل نتائجه من الأساسيات في تربية أبنائنا، تربية الطفل على قبول أخطائه وتصحيحها له لإسعاده تنتج طفلاً أو شخصاً لامبالي بالمستقبل. وتلفت استشاري نفسية الطفل إلى أنه على الرغم من الدور الفعال الذي يقوم به الأجداد والجدات في تربية الأحفاد إلا أنهم قد يدمرون شخصية الطفل أحياناً من دون أن يقصدوا، إما بربكه وإحداث الكثير من المشكلات له مع أبويه بسبب الاختلافات الشديدة في أسلوب التربية بين الزوجين والأجداد وإما بتدليله بشكل زائد.. وتحذر د. سهام حسن من كثرة إيجاد مبررات لأخطاء أولادنا، لأن ذلك يجعلهم غير مبالين بما يفعلونه.

كيف نربي طفلاً سليماً نفسياً؟

معاقبة الأطفال بالضرب يؤثر في صحة الطفل النفسية ويزيد من السلوك العدواني العنيف

الدكتور جمال شفيق أحمد، أستاذ علم النفس الإكلينيكي ورئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة جامعة عين شمس، يحذر بشدة من استخدام الضرب كوسيلة لتهذيب الطفل فهو مرفوض تماماً اجتماعياً ودينياً وتربوياً حتى وإن كان هذا الضرب خفيفاً ولا يؤذيهم جسدياً. ويبين «معاقبة الأطفال بالضرب حتى لو كان الضرب رمزياً وخفيفاً مثل ضربهم على أيديهم يؤثر في صحة الطفل النفسية ويزيد من السلوك العدواني العنيف ويصبح أكثر عصبية وعنفاً ويميل للانعزال، فالأطفال الذين يتعرضون للضرب على أيديهم بصفة مستمرة ترتفع لديهم احتمالات أن يكون هذا الابن أكثر تمرداً في سن البلوغ». ويحذر جمال شفيق الأبوين - خاصة الأم - أن يكونا قدوة حسنة لأولادهما في هذا الأمر، فالابن الذي يجد أمه تختلس من مال الأب دون استئذان لن يجد مشكلة في فعل ذلك دون أدنى شعور بمدى الجرم الذي ارتكبه في المستقبل، وكذلك القدوة السيئة من الأبوين والمربين في التعامل حتى مع الممتلكات العامة والاعتداء عليها والحصول عليها دون وجه حق، فكل ذلك عندما يحدث على مرأى ومسمع من الصغار لا يجدون بعد ذلك أي غضاضة من محاكمته ولو على طريقتهم.

ويقول شفيق «تعرض الطفل للعنف الأسري، حتى لو كان التعنيف اللفظي والإهمال النفسي، يتسبب في مشكلات مرضية مزمنة قد يصعب علاجها في بعض الحالات ومنها اضطرابات النطق والكلام والتبول اللاإرادي لدى الطفل والشعور الدائم بعدم الأمان والأحلام والكوابيس وأمراض نفسية مثل القلق والاكتئاب والإحباط والمخاوف المرضية والانحراف والممارسات الجنسية في مرحلة المراهقة والسلوكات الخطرة مثل التدخين أو تعاطي المخدرات».

 

مقالات ذات صلة