17 يناير 2024

د. هدى محيو تكتب: "كلمة على طرف لساني".. ظاهرة عالمية

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: "كلمة على طرف لساني".. ظاهرة عالمية

لماذا نشعر عندما ننسى كلمة ما، أنها تقف على طرف لساننا؟

إن الطريق المؤدي من الفكر إلى الكلمات ليس على الدوام طريقاً خالياً من العقبات، وزلّات اللسان كثيراً ما تحدث، وأكثر ما نتذكر منها هي زلات لسان رجال السياسة والفن.. وقد نتعثر أحياناً عند لفظ كلمة ما، فنستبدل بها كلمة أخرى، أو نشوّه تماماً الفكرة التي نودّ التعبير عنها، أو أيضاً تخوننا الكلمة ذاتها. وحين نعرف تماماً ماذا نريد أن نقول، من دون أن نتمكن من تذكر الكلمة المناسبة، نقول إنها «على طرف لساننا».

تركيبة «المعجم الذهني»

كثيراً ما ينتابنا الإحساس بـ«الكلمة على طرف اللسان» مع أسماء العلَم. فلنقل إنكم على ثقة تامة بأن اسم جارتكم يتكون من مقطعين صوتيين، ويبدأ بحرف الباء. وفيما عدا هذا اليقين، ثمة ثقب أسود في ذاكرتكم. والأكثر إزعاجاً هو الإحساس بأن الكلمة ستخرج من شفاهنا بعد لحظات. كيف يمكن تفسير فقدان الذاكرة المؤقت هذا؟

حتى نفهم الأمر، يجب العودة إلى مفهوم «المعجم الذهني»، وهو جزء من ذاكرتنا الطويلة المدى الذي يحتوي معارفنا اللغوية، وهو مركّب على مستويات مختلفة.

المستوى الأول هو المستوى الصوتي: وهو يقدم شكل الكلمة الصوتي، وتفكيكها إلى مقاطع صوتية، وإمكانية تركيبها.

المستوى الثاني هو المستوى الدلالي: الذي يحتوى على معنى الكلمة، وإمكانية استعمالها مع كلمات أخرى.

المستوى الثالث هو مستوى المفاهيم: وهي مرتبطة بنوع من «العقد» مع عناصر أخرى من المعرفة احتفظنا بها، ومنها الصور، والروائح، والأحاسيس السمعية، والانفعالات، والكلمات الأخرى.

وفي عودة إلى اسم الجارة، نجد أن كل الميزات التي ننسبها إليها مختزنة في هذه التركيبة، وهي التي تشكل تصورنا عنها في ذهننا. ومن أجل ترجمة فكرة إلى كلمات، يجب أولاً أن ننشط المفهوم المتصل بها. يبدأ حينها البحث عن مداخل في المعجم الذهني يكون معناها موازياً للمفهوم. وأخيراً يجب استعادة المعلومات الصوتية من نمط «ما اسم هذه الجارة؟»

وهنا، فإن مجرد تذكّر أنها جارتنا يشير إلى وصولنا إلى المستوى الدلالي الذي يعمل بشكل جيد، وأن باستطاعتنا الصعود من مستوى المفاهيم إلى المعنى، وهذا يدل على أننا نتذكر جنس الكلمة «جارة»، ومعناه. يبقى أن نبلغ شكله الصوتي.

وقد دلت تجارب في مختبرات اللسانيات على أن مؤشراً ذا طبيعية صوتية، على شكل كلمة تشبه مقاطعها الصوتية الكلمة المنشودة (مثلاً «باردة» إذا كان اسم الجارة «بادية»)، يساعد أكثر على حل المسألة من كلمة يكون الشبه فيها على مستوى المعنى. ما يدل على أن المشكلة واقعة على المستوى الصوتي، وليس على المستوى الدلالي.

لكن في ثلث حالات الكلمات الواقعة «على طرف اللسان»، يجد الناس صعوبة في تحديد جنس الكلمة المطلوبة. وفي هذه الحالة، تكون المشكلة على المستويين، الدلالي والصوتي.

وبالمجمل، تدل هذه النتائج على أن هذا الشعور المزعج، يمكن، بحسب الحال، أن ينجم عن خلل على واحد، أو أكثر، من المستويات المذكورة، ما يفسر أننا نملك أحياناً الشعور بمعرفة أي صوت يتلاءم مع الكلمة المطلوبة، أو أي مقطع صوتي، حتى قبل أن نعيد تركيب شكله الصوتي الكامل.

للأسف، لا وجود لتقنية ناجعة لمحاربة هذه الحالة المحبطة، ولا نملك تحت أيدينا يومياً خبيراً لإعطائنا النصائح المطلوبة في حال نسينا كلمة ما. وقد ينفع أن نحاول لفظ بصوت عالٍ كل الكلمات التي يمكن استبعادها، فهذا يمكّن من حذفها ذهنياً، لكنه حلّ لا ينجح على الدوام.

ومهما يكن من أمر، في المرة المقبلة التي تقف فيها كلمة على طرف لسانكم، اطمئنوا، لأن هذا الأمر طبيعي بالكامل، وهذه ظاهرة موجودة في كل لغات العالم. وإذا كان المسنّون يختبرونها أكثر من الشبان، فإن هؤلاء ليسوا معفيين منها. وبحسب بعض التقديرات، تصيبنا هذه الحالة بمعدل مرة في الأسبوع.

 

مقالات ذات صلة