كثيراً ما يحار الوالدان في الوقت المثالي الذي يجب أن تُترك للطفل فيه فرصة الاعتماد على نفسه، فالبعض قد يتعجّل تلك الخطوة، فيحمّله ما لا يطيق، وآخرون يتأخرون فيها، لتكون النتيجة طفلاً مدلّلاً غير قادر على إدارة حياته المستقبلية بشكل صحيح.
تساؤلات كثيرة تدور في ذهن بعض الأهالي حول الوقت المناسب الذي تُترك للطفل فيه حرية الاعتماد على نفسه، ومدى مراعاة الفروق الفردية بينه وبين طفل آخر، وطبيعة السلوكات التي تترك له المساحة لأن يعتمد فيها على نفسه، وغيرها من التساؤلات التي نجيب عنها في السطور التالية:
الدكتورة زينب عبد العال إبراهيم، أستاذ علم النفس بجامعة أبوظبي، ومدرّبة ومستشارة معتمدة في مجال الإرشاد النفسي والأسري، تقول «عالمنا الحالي سريع التطوّر والتغيير، ويتطلب منا، كآباء وأمّهات ومتخصصين، أن نجعل أطفالنا جاهزين للمستقبل، ولكي يتحقق ذلك لابد للوالدين أن يكون لديهما وعي، واهتمام، وتأثير كبير وإيجابي في نموّ وتطوّر أطفالهما، فهم لديهم طاقات كبيرة تؤهلهم للقيام بمهام ومهارات مختلفة، ومنها الاعتماد على النفس، ولكن خوفنا عليهم، أو خوفنا من فشلهم يجعلنا لا نسمح لهم بخوض تجارب بمفردهم، ما يستلزم التوقف عن ذلك، وترك المساحة لهم، مع ملاحظتهم، ومساعدتهم عند الحاجة».
وتضيف «تربية طفل يعتمد على ذاته ليست مهمة سهلة، فنحن في حاجة لأن نعلّم أطفالنا منذ الصغر أهمّ الأساسيات التي تجعلهم يواجهون العالم الخارجي بثقة، وبأنهم قادرون على تحمّل المسؤولية، وأداء واجباتهم نحو أنفسهم، وغيرهم، بشكل جيّد، ما يمكّنهم أن يكونوا إضافة كبيرة إلى مجتمعهم، لذا فهم في حاجة لمنحهم الثقة، وتعلّم الاكتفاء الذاتي، والقدرة على التفكير والتعامل مع التحدّيات بشكل صحيح، إضافة إلى الاعتماد على النفس».
تعليم الطفل مهارات الاعتماد على النفس يبدأ في عمر ما قبل المدرسة
وفي إشارة إلى العمر الذي يُسمح فيه بالاعتماد على النفس ومراعاة الفروق الفردية، من عدمه، توضح د. عبد العال «تعليم الطفل كيفية اكتساب مهارات الاعتماد على النفس، يبدأ غالباً في عمر ما قبل دخول المدرسة، إذ يمكنك تعليمه مهارات الرعاية الذاتية التي تنقله من مرحلة «أحتاج إلى مساعدتك»، إلى مرحلة «يمكنني القيام بذلك»..
فالاعتماد على النفس مهارة حياتية يمكن أن يتعلّمها الأطفال في سن ّصغيرة، وتتطور بالتدريج، حتى تصبح عادة، وتتطور معها مهارات أخرى مفيدة، وتستمر معهم طوال العمر.
وبالتأكيد، هناك صفات يتميز بها الطفل الذي ينمو معتمداً على نفسه، ومستقلاً عن الآخرين، فهو من تمت تغذيته بمعتقد أنه شخص كفء، وقادر على الاعتناء بنفسه، وأداء واجباته، وهو من له القدرة على أن يهتم باحتياجاته الخاصة، ويظهر المسؤولية لقراراته التي يتخذها، مع أخذه في الاعتبار الأشخاص الذين حوله، والبيئة المحيطة به».
نصائح لتدريب الطفل على الاستقلالية
نستعرض في السطور التالية بعض النصائح التي تساعد الأهل على تعليم وتدريب أطفالهم على مهارة الاكتفاء الذاتي (الاعتماد على النفس)، من خلال دعم السلوكات الإيجابية ليتمتع الطفل بالاستقلالية:
- تهيئة الطفل لأن يكون شخصاً معتمداً على نفسه ومستقلاً: قدّم له ملاحظات عن الاعتماد على النفس، وأخذ زمام المسؤولية، وعليك أن تشرح له لماذا عليه أن يكون معتمداً على نفسه، وشجّعه بأن تقول له «إنه طفل قوي الآن، ويستطيع الاعتماد على نفسه».
- ضع المهام مكتوبة في مكان يستطيع رؤيتها: من الصعوبة لطفل صغير أن يتعرّف إلى المهام التي عليه القيام بها في سنّه، لذا من الواجب عليك أن تخبره، وتضع تلك المهام مكتوبة في مكان يستطيع أن يراها، واسمح له أيضاً بأن يعطي اقتراحات عن المهام التي يستطيع القيام بها، بناء على رغبته، وحتى إن قال لك أريد أن أنظّف أسناني بمفردي، فالمهم هو قدرته على إدراك أن يكون معتمداً على نفسه.
- لا تملأ جدوله بمهام كثيرة: اجعل مهامه منفصلة، وفي أوقات مختلفة، واجعل لكل مهمة وقتها، ومدة كافية للتركيز على القيام بها بصورة جيدة، فقيام الطفل بمهام عدّة، في وقت واحد، يصعب عليه إنجازها، ولن يكون ذا رغبة لإكمالها.
- لا تتوقع أن ينجز طفلك المهام بالصورة المطلوبة: فهناك من يقارن نفسه بطفله في هذه النقطة، فهو بلا شك طفل، وأنت إنسان راشد، لكن المتوقع منك أن تدعمه في إنجاز مهامه، ومساعدته في حال الخطأ، من دون أن تنتقده، فالانتقاد يقلّل من ثقة الطفل بنفسه، ويشعر بأنه غير قادر على القيام بأيّ أمر، وتضيع جهودك أدراج الرياح بسبب نقدك، لذا كن حذراً، وادعم وشجّع طفلك حتى عند ارتكاب الأخطاء.
- امدح طفلك كثيراً: عند الانتهاء من إكمال مهامه، وعند قيامه بأيّ أمر آخر، اجعله يشعر بأنك تقدّر جهوده التي يبذلها، وذلك حتماً يشجعه على القيام بالمهام على نحو أفضل.
- إعطاؤه الوقت الكافي لحلّ أيّ مشكلة تواجهه: ذلك من شأنه أن يطوّر قدرته على حلّ المشكلات، وتنمية ذكائه الخاص.
- مراعاة الظروف التي يواجهها: في حالة إحساسه بالتعب، أو الضغوطات، لا تتعجّل أن تعرض عليه مهمة ليقوم بها، واجعله يأخذ وقتاً كافياً للراحة، واتفق معه على القيام بالمهمة في المرة القادمة، بعد أخذ قسط من الراحة، أو عندما يكون جاهزاً نفسياً للأمر.
- كن هادئاً: عندما ترى طفلك قد تسبب ببعض الفوضى الصغيرة من أجل أن يقوم بمهمة واحدة، وعندما تسمعه يقولها فرحاً «نعم لقد فعلتها وحدي»، فعليك أن تكون سعيداً، وفخوراً بذلك.
- يحتاج الطفل إلى حرية الاستكشاف والإبداع: وذلك من أجل فهم نفسه بشكل أفضل، وفهم من حوله، فلنجعله يتعلّم المهارات الحياتية من خلال المحاولة والخطأ، والنجاح والفشل.
- أعطِه الحرية: يعني قول «نعم» أكثر من «لا»، والسماح للطفل بالتحدث عن آرائه باحترام، كذلك السماح له باتخاذ أكبر عدد ممكن من القرارات بنفسه.
- التعاون والمشاركة في المهام اليومية: ويكون ذلك بين الوالدين والطفل داخل، أو خارج المنزل، مع تقديم الدعم والمساعدة له.
- مشاركة الطفل في عملية صنع القرار: من خلال سماع رأيه، إذ يساعده ذلك على أن يرى أنه قادر على اتخاذ قرارات جيدة، فالآباء هم المصدر الرئيسي لإحساس الطفل بقيمة الذات.
- تجنّب المقارنات مع الآخرين: سواء مع إخوته، أو أصدقائه، فذلك يجعل من عملية التعلّم غير سارة للطفل، وستقلل من ثقته بنفسه، وسيُظهر مقاومة في بعض المهام، لذا عليك أن تتذكّر دائماً أن كل طفل مختلف عن الطفل الآخر، وله مميزاته، وسماته الإبداعية، لأن الأطفال مستعدون للارتقاء والازدهار؛ وفق ما تتوقعه أنت منهم.
- تطبيق المكافأة والعقاب: يجب أن تكون هناك تبعات يتحمّلها عند عدم الوفاء بمسؤولياته، وذلك بعقاب الطفل، وحرمانه من شيء مهم بالنسبة إليه، مع إمكانية استرداد هذا الشيء عند التصرف بشكل جيد، والعكس.
- اجعله يعتمد على نفسه في المذاكرة: شجّعه، وامدح أداءه باستمرار، ولا تنتقده كثيراً، واطلب من طفلك أن يضع خطّة للمذاكرة يومياً، وناقشه فيها، وأخبره أنه عندما يحتاج إليك سيجدك بجانبه، واطلب منه وضع جدول ليومه ككُل، لتعلّم مهارة إدارة الوقت، وكافئه على تحسّن أدائه، وليس على العلامات المدرسية، حتى لا تصبح هي هدفه فقط.