كثرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال فيديوهات الـ«تيك توك» خصوصاً، النصائح الغذائية التي يقدمها أطباء وخبراء أحياناً، وأحياناً أناس أوكلوا على أنفسهم نقلها ونشرها لتعمّ الفائدة... وأكثر الناس تأثرا بهذه النصائح، والتحذيرات، وحملات التوعية الخاصة، هم الأطفال، والمراهقون، الذين يستمعون القول، ويشاهدون الدليل، فإما يُنكرون هذه المعلومات ولا يلقون لها بالاً، وإما يتقبلونها، ويعملون بها.
لا يمكن الاستغناء عنها
ثمة فئة من المراهقين لا تأخذهم بالنصائح الغذائية على الإطلاق، خصوصاً تلك التي تتعلق بأطباقهم المفضلة التي اعتادوا أن يتناولوها مستمتعين بطعمها، غير عابئين بمحتواها، يشجعهم على ذلك طريقة عرضها، وأسلوب التسويق لها، وسهولة الحصول عليها.
البرغر.. الأندومي.. البطاطس المقرمشة (تشيبس).. السوشي.. الكاتشاب.. البطاطس المقلية الجاهزة (فرانش فرايز).. الشوكولاتة بأنواعها.. الهوت دوغ.. إلخ، وجبات مفضّلة لدى المراهقين خصوصاً، فهل يمكنهم الاستغناء عنها لمجرد بيان ما فيها من مخاطر صحيّة على ذمة الفيديوهات التي غالباً ما تكون منطقية في نظر الكبار، وأصحاب الخبرات؟
ما رأي الأطفال والمراهقين في تلك الفيديوهات التي تنشر بشكل مكثف على مواقع التواصل؟
بروتينات إضافية
يقول جواد، 16 عاماً، «أمّي ترسل إليّ كل يوم فيديوهات تتحدث عن مساوئ الوجبات الشبابية التي يفضّلها الجميع، وأنا أعشق السوشي، ولا يمكنني الاستغناء عنه، وكلما شعرت بالجوع رغبت أكثر في هذه الأكلة اليابانية المدهشة. وذات يوم قالت لي أمي بعدما أرسلت لي فيديو توضيحياً عمّا يمكن أن يسببه السمك النيّئ الذي يوضع في السوشي «هل تريد تناول المزيد من الديدان يا بني؟»، فأجبتها «ولمَ لا؟ بروتينات إضافية!»، فعُقد لسان أمي، وأدارت ظهرها وتركتني مع تفكيري».
المهم طعمه اللذيذ
لارا في العشرين من عمرها، نادراً ما تأكل من يد أمّها، فقد أرغمها بعد المسافة بين البيت والجامعة على تناول وجبات جاهزة، بشكل شبه يومي «أعشق الهوت دوغ، وأتناوله أكثر من ثلاث مرات أسبوعياً، خصوصاً عندما يتفنن البائع بإضافة خليط من الصلصات في الساندويش، طعمه لذيذ، ولا تهمني الفيديوهات التي تنشر لتوضيح كيفية صنعه من لحوم فاسدة، وغير صالحة للأكل. أعلم أن أمي حزينة لأجل ذلك، ولكنني أفهمتها أنني لن أستغني عن هذه الوجبة مهما كلّف الأمر».
تسدّ الجوع
أحمد، 10 سنوات، ينتظر حافلة المدرسة كل يوم، وفي يده كيس بطاطس مقرمشة من النوع الممزوج بالجبن «هذه وجبتي المفضلة قبل الذهاب إلى المدرسة، أشتريها من البقالة، وأتناولها وأنا أنتظر الحافلة، وبعدها أذهب إلى المدرسة فلا أشعر بالجوع.. أختي الكبرى تحذّرني من الإكثار من تناول البطاطس المقرمشة، لكنها ترسلني إلى البقالة لأشتري لها أكياسا من التشيبس الحار!».
إلّا البرغر
استوقفته، فشعر بالإحراج، كان يهمّ بالخروج من المنزل، مازن، طفل في الثانية عشرة من عمره، خجول بطبعه، سألته عن الطعام المفضل لديه، فردّ على استحياء «أحب البرغر كثيراً، ولكنني أفضّل الطعام الذي تعدّه أمي، فهي تعد ّلنا أصنافاً لذيذة»، وعندما سألته عمّا إذا كانت أمّه تعدّ برغر لذيذاً أيضاً، قال «إلّا البرغر! فإن الجاهز مع البطاطس المقلية أطيب بكثير!»، وأردف «أحاول إلّا أتناول منه الكثير».
رأي أهل الاختصاص
تقول أخصائية التغذية ليال صبري «يمكننا القول إن الفيديوهات التي تتحدث عن مساوئ بعض الأغذية وتحذّر من تناولها، ليست كلها صحيحة، فهناك صانعو محتوى لا علاقة لهم بالتغذية، وهم يتحدثون بأشياء مغلوطة جعلت الكثير من الأطفال والمراهقين يخافون من تناول هذا الطعام، أو ذاك، وهم يحاولون بأساليبهم منع الأطفال والشباب من تناول أطعمتهم المفضّلة، فيخلقون لديهم ردود أفعال عكسية تماماً. لذا، لا يجب منع الطفل، أو تخويفه من تناول طعام يحبّه واعتاد عليه، فتناول كميات قليلة تعطي نتائج أفضل من الحرمان المطلق».
وتضيف «كيف يمكن أن نمنع طفلاً مثلاً من تناول الشوكولاتة؟ ولو فكرنا قليلاً لوجدنا أن معظم الأغذية التي نتناولها اليوم هي غير صحية، وقد تسبب الأمراض، خصوصاً مع انتشار الجراثيم، والتلوث البيئي، واستعمال الأسمدة الكيميائية في الزراعة، والتي تجعل الخضراوات والفواكه حتى غير صحية! وعندما نشاهد هذا النوع من الفيديوهات نلاحظ أن المسألة قد طالت كذلك مياه الشرب. فبعض صناع المحتوى عشوائيون، ويخرجون كل يوم «بصرعة» جديدة من خلال فيديوهات الـ«تيك توك» ليحصدوا أكبر عدد من الإعجابات، ويستقطبوا الكثير من المتابعين. وهذا ما جعل الأطفال والشباب، وحتى أولياء الأمور، لا يلقون بالاً لنصائحهم المبالغ فيها».
وتعطي ليال مثالاً عن الكاتشاب الذي يحذّر منه صانعو المحتوى على أساس أنه مشبع بالسكّر «هل سيتناول من يحب الكاتشاب مثلاً زجاجة كاملة؟ ملعقة واحدة لا تضر! وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشوفان والأندومي، إذ يمكن تناول هذه الأطعمة مرة في الأسبوع فكل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، والإسراف مضر حتى لو كان الطعام صحيّاً تماماً».