تأجيل الإنجاب.. هل تحوّل إلى موضة؟ وما تأثيراته على صحة الزوجين وعلاقتهما؟
ما من فتاة على وجه الأرض إلا وتحلم بأن تكون أماً، بل إن الكثيرات منهن تراودهن هذه الأحلام منذ نعومة أظافرهن وينتظرن بفارغ الصبر اليوم الذي يحققن فيه الحلم ويصبح لديهن أولاد وبنات؛ يلبين لهن غريزة الأمومة..
ومن المعتاد أن يكون هذا الحلم هو الشغل الشاغل للفتاة عندما يأتي دورها في الوصول إلى محطة الزواج، بل إن الكثير من الزوجات الجدد يعشن ظروفاً عصيبة من التوتر والقلق بسبب تأخر الإنجاب حتى ولو كان ذلك لشهور قليلة.
لكن الجديد في الأمر هو أن بعض الأزواج والزوجات الجدد أصبحوا يتجهون إلى فكرة تأجيل الإنجاب لمدة عام وربما أعوام عدة قد يصل عند البعض إلى خمسة أعوام، حتى إن الزوجين يتفقان على ذلك الأمر قبل الزواج ويتبعان الوسائل الطبية لمنع الإنجاب منذ اليوم الأول!!
تأجيل الإنجاب، مهما اختلفت دوافعه وأسبابه، تحول إلى ظاهرة وموضة جديدة بين الشباب، لذلك طرحت «كل الأسرة» هذا الأمر على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الزوجية وسألتهم عن مدى تأثير فكرة تأجيل الإنجاب على الصحة النفسية للأزواج الجدد:
لماذا يتبنى الشباب موضة تأجيل الإنجاب؟ وإلى أين تقودهم؟
في البداية تكشف الدكتورة مايسة كمال، استشاري العلاج النفسي والزواجي بالقاهرة، أهم الأسباب التي تدفع الأزواج الجدد لتبني فكرة تأجيل الإنجاب:
- بعد الزواج يظهر الوجه الحقيقي للزوجين وتتكشف العيوب لذلك يكون من الأفضل أحياناً التروي حتى يتأقلم الزوجان على الحياة الجديدة.
- أحياناً يكون الزواج قد تم سريعاً ولم يتعرف الزوجان على بعضهما بعضاً بالشكل الكافي، وبالتالى تأجيل الإنجاب سيمنحهما الفرصة للتعارف الحقيقي والكامل.
- الحياة الزوجية مملوءة بالأعباء على كلا الطرفين، فالزوجة مسؤولة عن بيت وأسرة وزوج، وكذلك الزوج والتوفيق بين المسؤوليات الجديدة والعمل يحتاج لوقت وتنظيم، وهذا ما لا يسمح به سرعة الدخول في مرحلة الحمل والإنجاب خاصة إذا كانت الزوجة عاملة وتحتاج فترة للتكيف.
- الضغوط الاقتصادية في الوقت الحالي تضع الشباب أمام تحديات صعبة للغاية لإتمام عملية الزواج، وهذا الأمر يحتاج لفترة من الزمن بعد الزواج للتخلص من الديون والتقاط الأنفاس والتفكير في ما بعد الزواج.
- فكرة الإنجاب بعد الزواج مباشرة لم تعد حلماً يراود المتزوجين حديثاً بسبب التخوف من عدم استمرار الحياة الزوجية، فأحياناً تكون هناك تخوفات كثيرة لدي الزوجين بسبب المشاكل التي تواجههم في العلاقة بينهم، فالبدايات أحياناً لا تبشر بالخير وبالتالي قد يكون قرار تأجيل الإنجاب تحسباً لمشاكل قد تزداد حدتها وتنذر بفشل الزواج.
- وعلى النقيض، يخشى البعض الآخر من الأزواج والزوجات من خوض تجربة الإنجاب فيفقدوا السعادة والانسجام وتضيع حلاوة البدايات سريعاً.
- والسبب الأكثر شيوعاً هو تكرار مآسي الطلاق وكثرة النزاعات والقضايا بين الزوجين بسبب نفقة الأبناء والرؤية وخلافه، فجعلت البعض يخشى الفشل والوصول إلى هذه النقطة ويعتبر أن الخروج من العلاقات الفاشلة بلا أبناء وذيول للعلاقة أرحم بكثير.
- الجيل الجديد من الأزواج والزوجات ليسوا على القدر الكافي من الاستعداد لتحمل كل مسؤوليات الزواج، ولا يرون أنفسهم على استعداد كاف لتربية الأطفال، وهم يدركون ذلك جيداً، لذلك فتأخير الإنجاب أحياناً قد يكون قراراً مناسباً لطبيعة البعض منهم الذي رغم ارتفاع سن الزواج بينهم إلا أنهم أقل تحملاً لمسؤوليات الزواج.
متى يكون تأخير الحمل فكرة مرفوضة من الناحية الطبية؟
من جانبه، يؤكد الدكتور حاتم محمد حسن، أستاذ طب النساء والولادة بكلية طب القصر العيني بالقاهرة، أنه من خلال متابعته لحالات عديدة من تأخر الإنجاب يكاد يكون هذا هو السبب الأول والأهم في المشاكل والخلافات الزوجية بعد مرور الشهور الأولى لإتمام الزواج..
وهذا يعود إلى أن ثقافة المجتمع الذي نعيش فيه تربط بين استقرار الأسرة والإنجاب، وتتسبب في تولد مشاعر لدى الزوجين وخاصة الزوجة من أنه في حالة تأخرها في إنجاب الأبناء فهذا يعرض حياتها هي وزوجها للخطر ومن ثم تضع نفسها تحت ضغوط إضافية حول مسألة الحمل والإنجاب وتعرّضها لمشاكل نفسية بالجملة.
ورغم أن الدكتور حاتم محمد حسن يرى أن فكرة تأجيل الإنجاب ولو لفترة بسيطة أمر ممكن، إلا أنه لا يرى ذلك مناسباً من الناحية الطبية في بعض الحالات، ومنها:
- إذا كانت المرأة تجاوزت سن الخامسة والثلاثين، لأنه بدءاً من هذه السن تبدأ قدرتها على الإباضة المنتظمة وحدوث فرص الحمل والإنجاب تقل تدريجياً، وتأخير الأمر طواعية قد يقلل من حدوث الأمر عندما ترغب بالإنجاب مستقبلاً.
- إذا كان الزوج قد تجاوز الأربعين من العمر، حيث سيكون معرضاً هو الآخر لقلة إنتاج الحيوانات المنوية الصالحة للإخصاب وبالتالى تقل فرص حدوث الحمل الطبيعية دون تدخل، وهنا أيضاً يكون لا داعي للتأجيل.
- في بعض الحالات قد يكون لدى أحد الزوجين بعض المؤشرات التي تنذر بوجود مشكلة طبية ما ومع ذلك يتم تجاهلها والمضي قدماً في طريق تأخير الحمل وتأجيله، وهذا خطأ كبير، فالأفضل في هذه الحالة اللجوء للعلاج الذي قد يستغرق أحياناً وقتاً طويلاً، واستغلال هذه الفترة لتحقيق الأهداف المطلوبة من فكرة تأجيل الحمل كالتعارف الجيد بين الطرفين وإنجاز مهام محددة، وهكذا.
- إذا كانت الزوجة من الأشخاص المعرضين للإصابة بالقلق والتوتر فالأفضل لها ألا تلجأ لتأخير الحمل لأن ذلك قد يتسبب في إصابتها بالاكتئاب والتوتر الزائدين.
- تأجيل الحمل ليس قراراً ثنائياً بين الزوجين ولكنه قرار ثلاثي والطرف الثالث فيه هو الطبيب المتخصص في النساء والولادة، حيث يحدد الطريقة الأنسب والأصلح لتنفيذ فكرة التأجيل.
ويحذر استشاري النساء والتوليد من لجوء الزوجين إلى وسائل منع الحمل دون استشارة ومن تلقاء نفسيهما، لأن ذلك قد يتسبب في عدم انتظام الدورة الشهرية والإباضة وبالتالى قد يؤخر الحمل إجبارياً ويسبب لهما العديد من المشاكل مستقبلاً.
نصائح نفسية للتعامل مع قرار تأجيل الإنجاب دون خسائر
أما الدكتورة غادة حشمت، خبيرة العلاقات الأسرية والزوجية بالقاهرة، فترى أن الأرقام المفزعة لنسب الطلاق تدفعنا إلى تفهم تأجيل الإنجاب ولو لفترة محددة وبسيطة؛ حتى يتمكن الزوجان من التعرف والانسجام في إطار الحياة الزوجية، خاصة إذا لم تكن هناك فترة خطوبة كافية للتعرف بينهما.
وتقدم الاستشارية الأسرية د.غادة حشمت عدة نصائح للزوجين ليتمكنا من تطبيق الفكرة بنجاح دون أن تتسبب في اختلاق المشاكل أو زيادتها:
- تأجيل الإنجاب يجب أن يكون باتفاق مسبق بين الزوجين، ويكون الاتفاق قبل الزواج وليس بعده حتى لا يشعر أحد الطرفين أنه تورط في القبول بالأمر الواقع.
- هذا القرار ثنائي مشترك ولا يمكن لأحد الطرفين اتخاذه منفرداً وتجاهل وجود الطرف الآخر.. لأن التعامل بأنانية مع اتخاذ قرار الإنجاب دون مراعاة مصالح ومشاعر الطرف الآخر يثير في شريك الحياة مشاعر ضغينة وحنق شديد.
- يجب التوافق الكامل بين الزوجين حول القرارات الكاملة التي تخص الإنجاب بدءاً من الموعد المناسب له وعدد الأبناء والفاصل بين الطفل والآخر كم مدته وهكذا.
- إذا كانت الحياة الزوجية بينهما مستقرة ولا توجد بوادر لظهور خلافات ومشاكل وقد أمضيا خلال فترة الخطبة وقتاً مناسباً وكافياً لمعرفة بعضهما البعض جيداً فلا داعي أبداً أن يلجآ إلى تأجيل الإنجاب والاختلاف حول موعده المناسب، وعليهما أن يتركا الأمور تأتي كما حددها لهم المولى عز وجل.
- انشغال الزوجين بالعمل وتحقيق الذات لا يمنع ولا يتعارض أبداً مع استكمال مسيرتهما في بناء الأسرة، ولا يجب أن يتعنت أحد الطرفين مع الآخر لهذا السبب، فالأبوة والأمومة حق أصيل ولا توجد مبررات منطقية لتأجيل هذا الحلم بحجة العمل والاستقرار المادي.
- أحياناً تتكشف الوجوه الحقيقية بعد الزواج بمجرد أن يُغلق على الزوجين باب واحد، وخلال الشهر الأول تبدأ المشكلات والخلافات الزوجية تطفو على السطح سريعاً، وقد يكون طريق الانفصال واضحاً للطرفين لكن الضحية يكون الطفل الذي يتحرك في أحشاء العروسة الشابة في الأيام الأولى للزواج، لذلك من الأفضل أحياناً تأجيل الحمل ولو لعدة شهور قليلة.
اقرأ أيضاً: الأمومة والأنوثة.. كيف أتصالح مع الأنثى بداخلي وأحقق التوازن؟