كانت لنا جارة سليطة اللسان، كارهة للجمال، لم تتقبّل يوماً أنها كانت قليلة حظ منه، ولا حاولت أن تحسّن من مظهرها وصورتها أمام الآخرين. تجلس معنا أمام التلفزيون، نتفرج على فيلم أو مسلسل، فيطلع صوتها نشازاً وسط الجلسة: «ليلى علوي سمينة. يسرا عاملة مليون تجميل. ميرفت أمين لابسة باروكة وشعرها الحقيقي أكرت. منى زكي ما عندها شفايف. غادة عبد الرازق عجوز. نيلي كريم عيونها ضيّقة».
والحق يقال إن جارتنا كانت صاحبة خيال وتعليقات لا تخلو ـ أحياناً ـ من طرافة. وهي تستطيع أن تؤلف كتاباً في النواقص الجمالية لنجمات السينما ومذيعات التلفزيون، وأن تميط اللثام عن الحيل التي يلجأن إليها لكي نراهن على الشاشة بصورة تبهر الأعين. أما العبارة التي تستخدمها باستمرار فهي «خدعة سينمائية». ولا أدري من أين تعلمتها. فهي تعتبر كل الفنانات الحسناوات مجرد خدع سينمائية.. وأن هناك من يشتغل على ملامحهن لإخفاء العيوب.
تذكرت كلام جارتي المعقّدة وأنا أقرأ ما نشرته النجمة سلمى حايك على حسابها في «إنستغرام». إن سلمى مكسيكية المولد لبنانية الأصل، ومتزوجة منذ سنوات من واحد من أثرى رجال فرنسا. ويمتلك زوجها مجموعة عالمية من أشهر دور الأزياء والعطور؛ أي أن لديها كل الإمكانيات لتكون بهية المنظر، عدا عن أنها في الأساس جميلة. ماذا قالت سلمى؟
كتبت ما معناه: «لا تصدّقوا كل ما ترونه على السجادة الحمراء. إن وراء كل ممثلة فريقاً من الخبراء، وساعات من التزويق والتسريح والتلبيس، وتنسيق المجوهرات». هل قرأت سلمى حايك أفكار جارتنا صبرية بنت أم صبحي؟
والسجاد الأحمر كثير ومتعدّد، من مهرجان «كان» إلى «الجولدن جلوب»، ومن حفل «الأوسكار» إلى «الجونة».. يمدّونه على طول الطريق المؤدية من رصيف الشارع حتى باب الصالة. يكنسونه عدة مرات بالمكانس الكهربائية القوية، ويمهّدونه من التجعدات لكيلا تتعثر فوقه النجمات. إنهن يرتدين أحذية بكعوب سامقة، وفساتين بأذيال طويلة، ويمشين بتأنٍ مثل اللقالق.. خطوة بعد خطوة، أو مثل الطواويس المتغاوية بألوان ريشها.
تؤكد سلمى أن الجمهور لا يعرف صعوبة التحضيرات. فظهور الممثلة على السجادة الحمراء لدقائق معدودات يسبقه نهار كامل من الاستعدادات، وقياس الفساتين، والجلوس بين أيدي مصفّفي الشعر وخبراء المكياج. تكتب أن نجمات السينما لا يمشّطن شعورهن بأنفسهن، ولا يضعن الأصباغ على وجوههن بأناملهن. هناك من يتولى قضايا الزينة، ويحمل حقيبة الكحل والرموش والبودرة، وظلال الجفون وأحمر الشفاه. كما أن هناك حقيبة أخرى للحلي والقلائد والأقراط. كل هذا قبل معمعة ارتداء الفستان.
أما الجمهور فلا يرى سوى النتائج، وهو يطري العينين الغائمتين، والفم القرمزي، والشعر الحريري على الخدود يهفهف، ولا يدرك ما وراء الصورة من جهود فريق من الرجال والنساء المجهولين.
تقول سلمى حايك: «كنت أتمنّى أن أنزل من الطائرة بعد رحلة ثماني ساعات وأنا نضرة ومشرقة، كما أبدو في الصور، أو أن أستيقظ من النوم وشعري مُسـرّح وأجفاني غير منتفخة، كما أبدو في الصور. لكن الحقيقة أن وراء مظهري جيش من المختصين في فنون التزيين وحسن المظهر»، وهو ليس الاعتراف الأول لسلمى. ففي الشتاء الماضي نشرت صوراً لها مرتدية لباس سباحة من قطعتين. وكتبت تحت الصور: «كان علـيّ اتباع حمية قاسية وأن أقوم بتمارين شاقة، لكي أفقد الوزن الزائد والترهّلات».
وسلمى ليست في أول الصبا. إنها في السادسة والخمسين، لكنها كما يقول المثل: «تحكي بفلوسها»؛ أي بأموال زوجها، ولا تخشى لومة لائم.