مهرجان رأس الخيمة للفنون البصرية.. الماضي والحاضر في احتفالية فنية ثقافية

"مرحبا بكم في قرية الجزيرة الحمراء التراثية وفي فعاليات النسخة الـ 11 من "مهرجان رأس الخيمة للفنون البصرية".

هكذا تحتفي إمارة رأس الخيمة بزوار المهرجان في بقعة تعتبر جسر عبور للتماس مع الطبيعة وجمالياتها وسحر أشجار اللوز العربي التي تزدان بالأزهار البيضاء وتنمو على جبل جيس تحديداً.

الفعالية التي تمتّد حتى 31 مارس 2023 في الهواء الطلق تتسم بجمالية المزاوجة بين الماضي والحاضر في احتفالية فنية ثقافية يترجم خلالها الفنانون والنحاتون والمصورون وصانعو الأفلام والشعراء من جميع أنحاء العالم شعار "الطبيعة" وفق رؤاهم ووجهات نظرهم الفريدة، وإشراك أفراد المجتمع في تجارب ثقافية وإبداعية متنوعة.

بيد أن اللافت هو مشاركة حرم صاحب السمو حاكم رأس الخيمة الشيخة هنا بنت جمعة الماجد في المهرجان بمقتنياتها الشخصية ,تقديرا لجهود ومشاركة سفارة الولايات المتحدة الأميركية في النسخة الحادية عشر من المهرجان، كما بمقتنيات حصلت عليها خلال زيارتها لكوريا في أواخر السبعينيات.

بعض المقتنيات هي من إبداع دار تيفاني آند كو، وهي قطعة مجوهرات صممتها الدار خصيصا لعرضها في الفيلم الأميركي "غاتسبي العظيم " عام 2013 وظهرت بها الممثلة كاري موليجان مع الممثل ليوناردو دي كابريو، وهو فيلم مأخوذ عن رواية للأديب الأميركي فرنسيس سكوت فيتزجيرالد وحاز مجموعة من الجوائز العالمية، وتعتبر القطعة من ممتلكات الشيخة هنا ، إلى زجاجة عطر فاخرة صنعتها شركة "تيفاني آند كو" نفسها كهدية للشيخة يوم زفافها، إلى إسوارة صممتها ابنة بابلو بيكاسو وهي قطعة واحدة في العالم.

أما المقتنيات الشخصية للشيخة هنا من كوريا، فهي عبارة عن فستان يجسد التراث التقليدي الكوري ومصوغات ذهبية قدّمت لها كهدايا خلال زيارتها لكوريا إبان النهضة الصناعية في أواخر السبعينيات، إضافة إلى صندوق خشبي قديم قدمته لها إحدى الشركات الكورية بمناسبة زفافها.

يبقى المعرض مفتوحا حتى نهاية مارس، كما أسلفنا و يشارك فيه أكثر من 120 فناناً من 35 دولة حول العالم، ليترجم جهود الإمارة في الحفاظ على البيئة وصناعة مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

وفي هذا السياق ,يؤكد سقراط بن بشر، مدير الفنون والثقافة في مؤسسة القاسمي ومدير المهرجان، على الأهمية الاستراتيجية والثقافية لموقع المهرجان الذي يهدف إلى" إعادة إحياء قرية الجزيرة الحمراء في إمارة رأس الخيمة وهي أكبر قرية خارجية في الشرق الأوسط (تضم نحو 420 بيتا بعضها تمّ ترميمها وبعضها الأخر قيد الترميم)".

أكثر من 120 عملا فنيا ينثر رسائله على "مد النظر" ويستوحي مضامينه من الطبيعة الخلابة والفريدة لإمارة رأس الخيمة. في المكان، يعانق الماضي الحاضر، يقول بن بشر ، حيث تتماهى أهداف المهرجان مع متطلبات الزائر سواء لمشاهدة الأعمال الفنية أو لبعد يتعلق بالدراسة والفن المعماري، أو من باب استكشاف الإضاءة الليلية، أو مغامرة تجمع أفراد العائلة في معلم كان يعّد مركزا إقليميا لتجارة اللؤلؤ في الماضي .

يشرح بن بشر "مقولة "الماضي يعانق الحاضر" تتجسد بقوة عندما نرى الأطفال الصغار يلعبون بين البيوت القديمة وعلى وقع الموسيقى والأغاني وأصوات العصافير ووسط الشجر والهدوء والهواء النقي ونجاحنا هو بعودة الحياة إلى قرية الجزيرة الحمراء، حيث يعرض التاريخ الشفهي للجزيرة الحمراء في ستة منازل ويرويه أفراد كانوا يقطنون الجزيرة ويتحدثون عن ملامح الحياة في الماضي وجمالية العلاقات الاجتماعية وتداخلها".

التبادل الثقافي قائم مع العديد من السفارات، فإلى جانب السفارتين الأميركية والكورية، تشارك السفارتان الهولندية والفرنسية، إذ تترجم هولندا تشعب وشمولية التصميم الهولندي من خلال ثلاثة فنانين مصممين بعضهم تتسم أعماله بالمرح المستوحى من "البساطة الطفولية" وأعمال أخرى تتحرّر من الحدود والقواعد، ويتّم عرض أعمال مصنوعة من مواد معاد تدويرها وقابلة للانحلال في التربة.

ثمة رسائل مختلفة يحملها المعرض ويحاكي البعد الفني البعد الجمالي والمعماري إلى البعد البيئي، فمن خلال عمله "زولوجيا الغياب" يهدف الفنان ديفيد نيز إلى زيادة الوعي بانقراض الأنواع الحيوانية في جميع أنحاء العالم، ويقدم الفنان السوداني شكري السر عملا فنيا رائعا أطلق عليه "الملء والاحتواء"، في حين تشارك ريبيكا بيريرا من البرتغال بعمل "لقد نشأت في البحر" عملت فيه على بعض القطع المرجانية بطريقة غير مألوفة.. إلى فنانين آخرين وظفوا مواد من طبيعة رأس الخيمة في أعمالهم، بينهم سلمى هيوش التي قدمت عمل "شظايا الغياب" بمزيج من أوراق الغاف المضغوط وألواح زجاجية مصبوبة.

في تلك البقعة ، يحاكي الماضي الحاضر دون تشويش ويستعيد الشوّاب الذين يزورون المكان جماليات هذا الماضي ، على إيقاع الأعمال الفنية التي تفصل بينها مسافات المنازل بهندستها المعمارية الأنيقة وبساطة ساكنيها الذين غادروها وأنفاسهم العابقة من كل زاوية.

* تصوير: صلاح عمر