15 يوليو 2023

إحصائية صادمة في مصر.. 21.7% من الطلبة يفكرون في الانتحار بسبب "امتحانات الثانوية العامة"

محرر متعاون - مكتب القاهرة

إحصائية صادمة في مصر.. 21.7% من الطلبة يفكرون في الانتحار بسبب

تتصاعد في مصر وتيرة إقدام بعض طلاب الثانوية العامة على التخلص من حياتهم، بسبب إخفاقهم في التعامل مع هذه السنة المفصلية في مسارهم التعليمي، أو فشلهم في الحصول على الدرجات المؤهلة لفترة التعليم الجامعي، على نحو بات يؤشر إلى ظاهرة، يصنفها الخبراء باعتبارها واحدة من أخطر الظواهر التي تتعلق بعالم الشباب والمراهقين على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي دفع الحكومة المصرية إلى التفكير جدياً في تنفيذ العديد من المقترحات التي وصلت إلى البرلمان بهذا الخصوص، وعلى رأسها البدء في تفعيل برنامج وطني للقضاء على هذه الظاهرة، بمشاركة عدد من الوزارات المعنية، إلى جانب ممثلين للأزهر الشريف.

وتصنف منظمة الصحة العالمية مصر في المرتبة الأولى عربياً في عدد حالات الانتحار بشكل عام، حيث تقدر إحصاءات شبه رسمية عدد المنتحرين من الشباب، وبخاصة الفئة العمرية ما بين خمسة عشر إلى ثلاثين عاماً، بنحو مئة وخمسين حالة انتحار سنوياً، وهو رقم صادم يكشف، رغم صعوبته، عن أزمة اجتماعية ونفسية ضخمة تعانيها مصر في السنوات الأخيرة، ودفعتها لتتقدم ترتيب الدول التي تشهد هذه الظاهرة، بما فيها العديد من الدول بالمنطقة، التي يشهد بعضها نزاعات وحروباً أهلية، حيث يحتل الانتحار المرتبة الرابعة في الأسباب المؤدية للوفاة بين اليافعين، وبخاصة الشباب من الفئة العمرية ما بين خمسة عشر إلى تسعة عشر عاماً.

رعب امتحانات الثانوية العامة

تقول منظمة الصحة العالمية في تقرير حديث، إن عدد المنتحرين من الشباب في مصر بلغ خلال عام 2019 ما يزيد على ثلاثة آلاف شاب لأسباب مختلفة، لكن مؤسسات حكومية تقول إن مثل هذه التقديرات غير دقيقة وتنطوي على مبالغات كبيرة، وإن كانت لا تنفي الظاهرة، التي يقدرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بنحو 1.29 شخص لكل مئة ألف، مشيراً في دراسة حديثة إلى أن معدل الانتحار في البلاد لا يتجاوز تلك النسبة، التي يتصدرها طلاب الثانوية العامة على نحو ملفت، في ظل تعدد حالات الانتحار سواء بسبب صعوبة أسئلة الامتحانات، أو الفشل في تحقيق الدرجات المؤهلة للالتحاق بكليات محددة، أو التعليم الجامعي بشكل عام، وهو ما تؤكده وزارة الصحة المصرية، في إحصائية حديثة، تشير بوضوح إلى أن نحو 21.7% من طلبة الثانوية العامة في البلاد يفكرون على الأقل في الانتحار، فقط لمجرد التخلص من هذا الرعب الذي تمثله الثانوية العامة في مصر.

لا توجد إحصاءات رسمية يمكن الاستناد إليها بدقة في رصد هذه الظاهرة في مصر، لكن كثيراً من الحوادث التي تتكرر بصفة موسمية خلال فترة امتحانات الثانوية العامة، ويكون ضحاياها من المراهقين الصغار، تشير بوضوح إلى تلك الظاهرة الخطيرة. حيث تشير العديد من الإحصاءات شبه الرسمية، التي تصدر عن مراكز بحثية متخصصة، إلى أن الفئة العمرية الأكثر إقداماً دائماً على الانتحار، تتجسد دائماً في المرحلة العمرية ما بين خمسة عشر إلى خمسة وعشرين عاماً، حيث تبلغ نسبتهم نحو 66.6% من جملة المنتحرين أو المقدمين على الانتحار، تليها المرحلة العمرية ما بين 25 إلى 40 عاماً، وهي الشريحة العمرية التي تعكس وصول هذه الظاهرة إلى الرجال في سن النضج، وترجع أسبابها دائماً إلى الظروف الاقتصادية الصعبة، أو العجز عن الوفاء بالاحتياجات الأساسية، وعدم القدرة على الإنفاق على الأسرة في كثير من الأحيان.

حالات انتحار صادمة

ويحفل موسم امتحانات الثانوية العامة في مصر، ومن بعده إعلان النتائج، بالعديد من الحالات الصادمة لشبان في مقتبل العمر تخلصوا من حياتهم بطرق عبثية، بعد فشلهم في اجتياز الامتحانات، أو حصولهم على درجات غير مؤهلة للتعليم الجامعي.

وهي الظاهرة التي يرجعها كثير من الخبراء في علوم الاجتماع والتربية والنفس، من بينهم الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، إلى مجموعة من العوامل، من بينها:

  • حالة الفزع التي تضرب قطاعات واسعة من الأسر المصرية والطلاب على حد سواء، خلال هذا العام المصيري في الحياة التعليمية.
  • تزايد الضغوط النفسية على الطلاب خلال فترة الامتحانات، نتيجة لسيادة ثقافة مجتمعية، تربط بين التفوق في الثانوية العامة، والنجاح في الحياة العامة.
  • التضخيم الذي يستبق دائماً امتحانات الثانوية العامة.
  • الأنباء التي تتداولها وسائل الإعلام والعديد من مواقع التواصل الاجتماعي حول صعوبة الأسئلة، أو تسريب أوراق الامتحانات.

وتلعب دوراً كبيراً في انفجار هذه الظاهرة، وتصيب قطاعات واسعة من الطلاب والأسر على حد سواء بالتوتر وربما الاكتئاب، ما يجعل أفكار الانتحار حاضرة وبقوة في المشهد، باعتبار الموت هو الحل الوحيد حسب تفكير كثير من المراهقين، للتخلص من هذه الضغوط العنيفة.

ويضيف فرويز «كثير من الأسر في مصر تتعامل مع امتحانات الثانوية العامة وكأنها معركة كبرى تحدد مصير الإنسان طوال حياته، وهي طريقة تفكير تنتقل إلى المراهقين الصغار، بصورة سلبية ينتج عنها دائماً الإصابة بالقلق المفرط، الذي يؤدي بدوره إلى إعاقة تفكير كثير من الطلاب، وقد يصل إلى حد إصابتهم بالنسيان وفقدان قدرتهم على التذكر، إلى جانب فقدان الثقة بالنفس، في وقت يتعين فيه أن تقوم هذه الأسر بغرس الثقة بالنفس في نفوس الطلاب، وعدم مقارنتهم بغيرهم خصوصاً في دائرة الأهل والمعارف، بل وتجنب الإلحاح المستمر عليهم، لمواصلة المذاكرة ليل نهار». ويشير «ربما لا يوجد بلد في العالم يصنف التعليم الجامعي بين كليات للقمة وأخرى للقاع سوى في مصر، وهو أمر يضفي مزيداً من المخاوف في نفوس الطلاب، بينما الحقيقة تقول بأن التعليم الجامعي شيء والمهارات التي يتطلبها سوق العمل بعد التخرج في الجامعة شيء آخر، وهو ما يعني أن الطلاب الذين يتخرجون في كليات ما يسمى بالقمة، إذا لم يقوموا بتطوير مهاراتهم وقدراتهم، فإنهم لن يجدوا فرصة في سوق عمل لا يرحم، ولا يعترف سوى بأصحاب المهارات المتميزة».

إحصائية صادمة في مصر.. 21.7% من الطلبة يفكرون في الانتحار بسبب

ضغوط نفسية واكتئاب

من جانبها، توضح الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن إقدام بعض الطلاب على الانتحار بسبب ما يتعرضون له من ضغوط نفسية رهيبة، يعكس في حقيقة الأمر أن هؤلاء المنتحرين هم ضحايا لعوامل كثيرة تدفعهم لذروة اليأس، حتى يقدم على قرار التخلص من حياتهم، وعلى رأس هذه العوامل ضعف الثقة بالنفس، وغياب الثقافة، وربما الإصابة بأحد الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب النفسي أو العقلي، والأخير من أخطر أنواع الاكتئاب لأنه يحتاج إلى العلاج بالعقاقير، بخلاف الاكتئاب النفسي الذي يكون مؤقتاً، ويرتبط بظروف معينة يزول بزوالها.

وترجع أستاذ علم النفس إقدام بعض طلاب الثانوية العامة على الانتحار، للتخلص مما يتعرضون له من ضغوط، إلى إصابة بعضهم بالهلاوس السمعية والبصرية، التي تنتج عن أفكار الفشل التي قد تتسلط على ذهن الإنسان، فتعزل صاحبها عن العالم الخارجي، وقد تدفعه تحت وطأة الضغوط المتزايدة إلى التخلص من حياته.. وتضيف فايد «لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكنه يمتد إلى أسباب أخرى مجتمعية قد تفضي إلى الانتحار، مثل التفكك الأسري، وعدم اتخاذ هدف في الحياة، وربما الخوف من العقاب من الأهل عند الرسوب، أو الخوف من الفضيحة والتعرض للقهر والتنمر، فضلاً عن ضعف أو غياب الوازع الديني عن قطاعات واسعة من المراهقين في تلك السن الحرجة».

تأثير مواقع التواصل في الشباب

أما الدكتورة هالة حماد، الاستشاري النفسي للأطفال والمراهقين، فترجع تنامي ظاهرة الانتحار بين المراهقين بصورة عامة إلى هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على تلك الأجيال بصورة مفزعة، على ما تتضمنه من أفكار تشجع على الانتحار، بل وتقدم لهم معلومات وتجارب كثيرة لنظراء لهم، بعضهم نفذ تلك التجربة المميتة على الهواء مباشرة في دول أخرى، وتقول حماد إن الضغوط التي تمارسها بعض الأسر على أبنائها من المراهقين من أجل دفعهم إلى تحصيل درجات دراسية عالية، تؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض النفسية، وربما فقدان الثقة بالنفس وبالمستقبل، حيث تربط كثير من الأسر المصرية بين التفوق في الدراسة وفرص الحصول على وظائف مرموقة في المستقبل، وهو أمر أصبح يجافي المنطق ومتطلبات سوق العمل، التي تنظر دائماً إلى ما يملكه المرء من مهارات وقدرات، وتبين حماد «دائماً ما يدفع الخوف الشباب في هذه المرحلة العمرية إلى مثل تلك الأفكار العبثية، نظراً لأنهم يشعرون بأنهم قد أصبحوا محاصرين ما بين مستقبل يرغبون فيه، ورغبات الأهل في التفوق مهما كان الثمن، بينما هم يريدون فقط التخلص من مثل هذه القيود، فيكون الإقدام على الانتحار هو الحل».