د.هنادي السويدي: أردت أن أكون محطة تغيير وبصماتي التربوية "خارج الصندوق"
لم تكن معلمة تقليدية، كما لم تقف عند حدّ التخصص الجامعي، إذ تجمع الدكتورة هنادي ناصر السويدي، بين عدد من التخصصات وتدعمها بالمعارف، ولا تكّل من نهل العلم لكون الإبداع يحتاج إلى أن نكون على تماس مع المستجدات.
من هذا المنطلق، كانت السويدي أول إماراتية تنال دكتوراه الفلسفة في الموهبة والإبداع، إضافة إلى كونها أول إماراتية تحصل على شهادة الكفاءة في تصحيح اختبار تورانس التابع لجامعة جورجيا، بالولايات المتحدة الأمريكية.
في مسيرتها أكثر من محطة، وأكثر من حكاية، ولكن محطاتها تواكب التفكير الإبداعي في مجال التربية والتعليم، حيث طبّقت هذا التفكير في الميدان وحصدت نحو 11 جائزة تميز وتكريم، إلى اليوم.
من الهندسة إلى الجيولوجيا ومجال الإبداع.. كيف ترصدين تلك المسيرة بمساراتها المختلفة؟
كنت سأتخصص في مجال هندسة الديكور، وفي السنة التمهيدية في جامعة الإمارات جرى إغلاق قسم الديكور الداخلي، فكان لابد من التحويل إلى قسم العمارة، أو إلى كلية أخرى، فوقع اختياري على كلية العلوم - تخصص الجيولوجيا، لكون الطبيعة تأسرني بكل تفاصيلها، من البحر إلى الجبل والصحراء، كما أن حبي للهندسة دفعني إلى اختيار المساقات الحرة والاختيارية من كلية الهندسة.
وفي جامعة الإمارات، كنت رئيسة الجمعية الجيولوجية، ورئيسة اللجنة العلمية في نادي الإبداع وكنت أشارك في النشاط الطلابي من خلال تنفيذ الصوتيات، والإضاءة، والديكور، لأي عمل مسرحي.
خضت مجال التدريس ولم تكوني معلمة تقليدية، ماذا عن هذه المرحلة؟
عند تخرجي في الجامعة، لم يكن الوالد يرغب في أن أدخل سلك التدريس، في حين كانت الرغبة في أن أكون معلمة تتنازعني منذ الصغر. لكن خلال العام الذي كنت انتظر فيه الوظيفة، دخلت معهد الفنون في الشارقة لصقل موهبتي في مجال الرسم والتزود بألف باء الفن، بناء على الخبرة والدراسة، وحققت شغفي بتطوير موهبتي، وتبنّي معهد الفنون المواهب من خلال تنظيم معارض داخلية.
ووظّفت هذه المهارات في مجال التدريس، وأسست لجنة طلابية سميّتها «رواسي الإبداع»، تألفت من طالبات من كل المستويات، وقادتني إلى اكتشاف قدراتهن وطاقاتهن، في وقت كان يتم رفض انضمام الطالب ذي الدرجات المتدنية إلى اللجان الطلابية.
ولكن، ألا يمكن لهذا التوجه التربوي أن يسرق منك دورك التعليمي؟
بالعكس. فمنذ دراستي في جامعة الإمارات، أثار انتباهي موضوع الإبداع والابتكار، وكان حديث عهد في التسعينات، وبدأت ابحث وأحضر ورش عمل زادت على 200 ورشة عمل، وكنت أصقل معارفي بالتعلم والمعرفة واكتساب مهارات. وكمعلم، يجب أن تكون شغوفاً بهذا الجانب لأنه ينعكس على أدائك مع الطلبة، فهذه المعرفة وظّفتها من خلال استقطاب الطالبات الضعيفات دراسياً، ضمن اللجان الطلابية لتطوير مهاراتهن. أردت أن اكون محطة تغيير، فأنا تربوية واستشارية، في الوقت نفسه، وبالتالي، فإن التربية في المقام الأول، وبعدها يأتي التعليم.
هذا الدور «خارج الصندوق» قادك إلى الحصول على جوائز تميز عدة في المجال التربوي والتعليمي
حصدت نحو 11 جائزة، منها جائزة الشيخ حمدان للأداء التعليمي المتميز، وجائزة الشارقة للتميز التربوي – فئة المعلم المتميز، وجائزة راشد للتفوق العلمي، والوصول إلى نهائي وسام رئيس مجلس الوزراء فئة التخصصي بجائزة محمد بن راشد في برنامج الشيخ خليفة للتميز الحكومي.. وغيرها من الجوائز. لا أعتبر الجائزة تكريماً، بقدر ما هي محطة لتقييم نفسي، أين أنا، وما أحتاج إليه من مهارات لتطوير نفسي، وتحديد آلياتي، ورؤيتي للمستقبل. فالجائزة لا تكون نهاية مطاف، بل بداية مسيرة أخرى.
فقد جمعني مع طالباتي طابع الصداقة، وأذكر الكثير من المواقف. ففي العام الأول من مسيرتي التعليمية، في إحدى الحصص الدراسية، كنا في المختبر، وبدأ المطر يتساقط، ما شدّ انتباه الطالبات، وشتتّ تركيزهن، فاقترحت عليهن استكمال حصة الجيولوجيا في الساحة تحت المطر، ولا يمكن تخيّل ردة فعلهن، ومدى استجابتهنّ، وتعاهدنا على تكرار الأمر، حيث كنّ يدرسن في الساحة تحت ظلال العلم الإماراتي، ما عزّز حسّهن الوطني، وفي الوقت نفسه يؤثر تغيير المكان إيجاباً في الطالبات. آنذاك، تعرضت للانتقاد من كثير من المعلمات، ولكن مديرة المدرسة أثنت على كوني استطعت كسب صداقة الطالبات.
وما زالت طالباتي يتواصلن معي، ونلتقي ونتبادل الزيارات، وحتى أتشارك بعض الفسح مع بعضهن.
لم تكتفي بالوظيفة، ما الذي قادك إلى دكتوراه فلسفة في الموهبة والإبداع؟
عندما كنت في مجال التعليم، وردنا تعميم بإمكانية استكمال الدراسات العليا. وإثر التعميم، بدأت البحث عن تخصص له علاقة بالإبداع والابتكار. كان ذلك عام 2004 عندما وجدت تخصص التفوق العقلي والموهبة في جامعة الخليج العربي، في مملكة البحرين، وأنجزت أوراقي، ولكن قوبلت بالرفض مرتين لكون تخصصي بكالوريوس في العلوم-تخصص جيولوجيا، فيما يتطلب تخصص علم نفس. وبعد محاولات تمّ قبولي بعد الاطلاع على خبرتي في مجال التعليم لنحو 7 سنوات، ونيلي جوائز عدّة، وتخرجت بدرجة امتياز.
كنت أول إماراتية أيضاً تنال شهادة في اختبار تورانس؟
اختبار تورانس هو اختبار يقيس الإبداع، ولكي تعتمد في تصحيح الاختبار يجب أن تكون مرخصاً، وتخضع لدورات معيّنة، وقد حصلت على شهادة الكفاءة في تصحيح اختبار تورانس التابع لجامعة جورجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يساعد على كشف الموهوبين من الطلبة، تبعاً لاستراتيجيات وإجراءات وفئات. كان عدد الحاصلين على الرخصة محدوداً، ومن ثم بات التوجه كبيراً نحو مجال الإبداع والابتكار.
بصماتك التربوية تتبدى في أكثر من مشروع تربوي، كيف واكبت مرحلة ما بعد الدكتوراه؟
بعد حصولي على دكتوراه الفلسفة في الموهبة والإبداع بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، عدت إلى منطقة الشارقة التعليمية، وكنت في وحدة الإبداع والابتكار، وأنجزنا الكثير من البرامج والمشاريع مع ديوان سمو الحاكم، ومجلس الشارقة للتعليم، ومن ضمن المبادرات ملتقى للموهوبين على مستوى الإمارة، وإعداد مدارس الموهبة في إمارة الشارقة، إلى أكثر من مشروع استهدف تدريب وتأهيل الكادر التعليمي في الكشف والتعرف إلى الموهوبين.
ما أبرز البصمات التي طبعتها في هذا المجال؟
تمحور مشروع الدكتوراه على برنامج تدريبي مدته 4 أشهر، وتم عرض المشروع على رئيس مجلس الشارقة للتعليم الدكتور عبدالله السويجي، حيث تم تبنّي المشروع لكونه يتماشى مع الأهداف التربوية لإمارة الشارقة، ويهدف إلى تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى الطلبة والمعلمين.
فأنا ابنة الشارقة، و«ابنة سلطان»، ونتاج برنامج ثقافة الطفل، ولطالما انصبّ اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على بناء الفرد، وهذا ما تبدى من خلال اهتمامه بصقل قدرات الأطفال، وتدعيم مهاراتهم، وكشف الموهوبين منهم، وتماهت المشاريع التي أنجزتها ضمن هذا الهدف إلى جانب الكثير من الدراسات البحثية في مجال الموهبة والابتكار، وشاركت في تقديم الاستشارات للعديد من الجهات الرسمية على مستوى الإمارة. وكمقيّم جوائز تميّز مؤسسي في برنامج دبي وبرنامج أبوظبي للأداء الحكومي المتميز، شاركت في فرق تحكيم وتقييم العديد من الجهات على مستوى الحكومات المحلية، والجوائز والأطروحات.
أصدرت كتاب «دليل الطريق إلى الموهبة»، إلى أي مدى استفاد منه الكادر التعليمي والطلابي؟
كانت المبادرة من المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة، الذي تولى طباعة الكتاب، حيث تم توزيعه في جميع مكتبات مدارس إمارة الشارقة.
هذا الكتاب يهتم بالطفل، ويعتبر دليلاً إرشادياً للأم، والأب، وللاستشاري، والمعلم، والطفل الموهوب، ويركز على استراتيجيات لفهم الطفل الموهوب.. وهي استراتيجيات تختلف بين الطفلين الأول والثاني، وغيره، كما تناول الكتاب آلية تكوين أسرة متفهمة لأبعاد الطفل الموهوب، بعيدة عن التسلط والديكتاتورية، مع استعراض نماذج الأسر، ودورها في كشف مكامن الموهبة عند أطفالها. ففي المنزل، أو المدرسة، أو المحيط، يجب فهم الطالب وسيكولوجيته، سواء كان طفلاً، أو مراهقاً، حتى نستطيع الوصول لعقله، وليعطينا أفضل ما عنده. فالمعلم لا يكتفي بتلقين الطلاب في الصف المادة وينتهي دوره عند هذا الحد. لا بد من مراعاة واقع الطالب، نفسياً وذهنياً وتربوياً.
ما رؤيتك الاستشرافية للابتكار، وكيف يمكن توظيفه في عام الاستدامة؟
عند ترشحي لانتخابات المجلس الوطني، كان شعار الحملة «بكم نستشرف المستقبل». وسواء كانت رؤيتي لبرنامج، أو رؤيتي للحياة، فنحن نستشرف المستقبل للاستدامة، للعلم.. للمعرفة.. لأبنائنا.. وأسرنا ومجتمعنا، وعلى صعيد الصحة، التعليم، الاقتصاد، المعرفة، البيئة وغيرها. فاستشراف المستقبل يتطلب التفكير بآليات التوفير في الموارد وتعليم الأجيال كيفية استثمار الموارد الطبيعية، والبحث عن موارد بديلة أخرى، وبالتالي يجب استثمار عقول أبنائنا وابتكار آليات جديدة.
د.السويدي خلال ممارسة هواية التصوير
لديك شغف بالتصميم الداخلي، كيف وظفت الهندسة في مجال التصميم؟
التفاصيل الدقيقة تستهويني. حضرت دورات متخصصة في مجال التصميم وطاقة المكان، والأخذ في الاعتبار سيكولوجية الألوان، وتأثيرها في الفرد، إذ إن امتلاك المعرفة والخبرة والممارسة مهم، وهذا الشغف يقودك إلى الإبداع في صناعة شيء من لا شيء.
وهل استكملت مشوارك في مجال الفن التشكيلي؟
انتقلت للتصوير منذ عام 2015 بعد أن خضعت لدورات متخصصة في التصوير. لوحاتي ترصد معالم الطبيعة، وأجهّز لمعرض شخصي عن إحدى مدن الشارقة، وأعمل على المشروع كباحثة ومصورة وكاتبة، وهذا أمر شاق، ومشوّق في آن.
وخلال دراسة الماجستير في «جامعة الخليج العربي» بالبحرين، كان لوفاة المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، وقع قاسٍ عليّ، وبعد عام أقيم معرض عن الشيخ زايد في الجامعة شاركت فيه، وتضمن لوحات وأعمالاً فنية، افتتحه وزير الإعلام البحريني، كما تضمن مقالات كتبت عن الشيخ زايد في الصحف البحرينية، وبحضور رئيسة الجامعة الدكتورة رفيعة غباش، وسفير دولة الإمارات، وعدد من سفراء دول مجلس التعاون الخليجي.
بعدسة هنادي السويدي
ما طموحات د. هنادي السويدي؟
استحداث وزارة للابتكار تتركز مهامها على رعاية الموهوبين والمبدعين، وتفعيل التسريع الأكاديمي، وتفعيل برامج التلمذة على مستوى الجامعات، حيث يتاح لأي طالب في المرحلتين، الإعدادية أو الثانوية، أن يحصل على دورات متقدمة في الجامعة.
كإماراتية، أطمح إلى أن أكون مساهمة ولو ببصمة، أو تشريع في دولة الإمارات، قد يختّص التشريع بالابتكار، وبسياسات وقوانين. فقادتنا أتاحوا لنا فرصة نيل العلم، ولا بدّ أن نردّ الفضل، ونترك بصمة إبداع للوطن.
* تصوير: السيد رمضان
إقرأ أيضاً:
- الرائد حليمة السعدي: فريق الخيالة شريك بالحفاظ على الأمن وأنا الوحيدة في هذا المجال
- أصغر عالمة إماراتية جميلة المسعود: خصصت أبحاثي لإيجاد علاج لجميع أنواع السرطان