مسلسلات رمضان 2024.. خلطة متقنة من الواقع والخيال واحتدام المنافسة حتى الرمق الأخير
يوماً بعد يوم، تشتد المنافسة بين مسلسلات رمضان على الفوز بالنسبة الأعلى من المشاهدة. وتتأرجح الأرقام التي تصدرها المرجعيات الإحصائية لتعلن تقدم أحد الأعمال الدرامية، وتراجع آخر. حتى اللحظة لا يمكن الحسم بشأن المسلسلات التي تحتل مرتبة الصدارة، وإن كان ممكناً التوقف عند بعضها التي أدركت مكانة متقدمة على لائحة المشاهدة، ثم تراجعت لتحاول التقدم مجدداً.
المسلسلات المصرية تتصدر المشهد
ما يمكن قوله، بقدر كاف من الثقة، إن المسلسلات المصرية شكلت طليعة الأعمال التي تابعها الجمهور العربي خلال الموسم الحالي، وإن كان من المتعذّر الإحاطة بمجمل النتاجات المصرية التي تخطى عددها العشرين، فقد يكون ملائماً التوقف عند المتميز منها، وفي مقدمها «أعلى نسبة مشاهدة» الذي يروي حكاية مقتبسة من الواقع عن فتاة استغرقت في تطبيق «التيك توك»، فأمكنها تحقيق نجاح غير متوقع لتجد نفسها في السجن بتهمة الاتجار بالبشر. أيضاً مسلسل «أشغال شقة» تضمّن جرعة مفرطة من الكوميديا المستندة إلى يوميات عائلة بسيطة أحاطت بها المفارقات من كل جانب.
مسلسلات رمضان.. بين التاريخ والواقعية
ثمّة أيضاً المسلسل التاريخي «الحشاشين»، الذي تنكب الغوص في مرحلة حرجة من التاريخ الإسلامي، محاولاً تقديم شهادة يُعتد بها في قضية خلافية لا تزال مدار نقاش منذ القرن الحادي عشر. ومن الأعمال المميزة مسلسل «نعمة الأفوكاتو»، وهو يتناول حكاية محامية أمكنها تحقيق الكثير من النجاح، برغم ظروفها السيئة. وأعاد مسلسل «عتبات البهجة» النجم يحيى الفخراني إلى الليالي الرمضانية، بعد غياب لسنوات ثلاث، وهو يسرد حكاية جد يدخل في مفارقات ممتعة مع أحفاده على ساحة التواصل الاجتماعي، ويتعرض للكثير من المواقف المحرجة قبل أن يسعفه الحظ ليصبح أحد المؤثرين في عالم وهمي، لا يعرف عنه الكثيرون. أما النجمة ميرفت أمين، فكان لها مكان في الموسم الحالي من خلال مسلسل «مليحة»، الذي تدور قصته حول أسرة فلسطينية انتقلت للعيش في مدينة السلوم الليبية، ولكن بعد عدة أحداث تقع في ليبيا، تضطر الأسرة للعودة إلى قطاع غزة عبر مصر، لتواجه الكثير من المفارقات.
المسلسلات السورية واللبنانية.. مفارقات وإنتاج ضخم
ثمة الكثير مما يمكن قوله بشأن المسلسلات السورية، وتلك المشتركة بين لبنان وسوريا، وهي تكشف عن مفارقات شتى، لعل أبرزها ترسيخ المقولة الرائجة عن أن نجاح الإنتاج الثنائي يستلزم بالضرورة نجماً سورياً، ونجمة لبنانية. هكذا طالعنا باسل خياط، وكارمن بصيبص، في «نظرة حب»، وعابد فهد في مواجهة ندى أبو فرحات في «نقطة انتهى»، ومحمد الأحمد بموازاة نادين نسيب نجيم في «2024»، وماغي أبو غصن مقابل مهيار خضور في «ع أمل».
أما المفارقة الثانية، فتكمن في التأسيس على التجربة الأولى لبناء سلسلة متتالية من أجزاء لاحقة. وشكّل «باب الحارة»، بأجزائه الثلاثة عشر، نموذجاً معبّراً في هذا السياق، ثم جاء مسلسل «الهيبة» ليؤكد المقولة، كما اشتمل الموسم الحالي على مسلسلين شكّلا امتداداً لسابقيهما، هما «العربجي»، و«2024»، ومن المتوقع أن يكون مسلسل «تاج» درّة تاج المسلسلات المتراكمة جزءاً تلو آخر.
المسلسل الأخير «تاج» شكّل علامة فارقة لناحية البذخ الإنتاجي، حيث تولت الجهة المنتجة بناء نموذجين معماريّين بهدف استعادة أجواء دمشق في أربعينيات القرن الماضي. كما جرى تأسيس السردية الدرامية لتحتمل إضافات مستقاة من الأحداث التاريخية التالية لها. ما يمكن التوقف عنده في شأن المسلسل أن رؤيته الدرامية بدت قاصرة عن التناسق، مع ثرائه المشهدي. لم يخرج من أكمام السحرة الذين سعى العمل لإبهار المشاهدين بهم، تحديداً بسام كوسا، وتيم حسن، ما يثير الدهشة المتوخاة. أما بشأن إسناد البطولة النسائية إلى المغنية فاي يونان، فلا يمكن القول إنها شكلت فرصة لتألق استثنائي، هي أمكنها تفادي الفشل فقط.
ولا بد لأي تقييم للأعمال الدرامية في الموسم الحالي من التوقف مطولاً عند مسلسل «اولاد بديعة»،إذ حرص أصحاب العمل على «تزخيمه» بشحنة من العنف متخطية للمألوف، بدءاً من حلقاته الأولى. وبالرغم من أن الدموية المبالغ فيها أتاحت المجال أمام المتابعين لانتقاد القسوة المفرطة، لكنها بالمقابل أمّنت للمسلسل قاعدة مشاهدية واسعة، دفعته في بعض الأحيان إلى المرتبة الأولى عربياً. أما النقطة التي تحسب بجدارة لـ«أولاد بديعة» فهي تكريسه لمفهوم البطولة الجماعية، حيث أمكن للحيز المتاح أمام الممثلين أن يجعل بعضهم شركاء فاعلين في العمل، وليس مجرد أصدقاء، أو خصوم لبطله المتفرد.
في «2024» نقع على جزء ثان من مسلسل «2020» الذي تابعه الجمهور باهتمام، قبل اربع سنوات. ثمة مناخ مستحدث في العمل الجديد يتعلق بتعزيز البعد البوليسي على حساب الجانب العاطفي الذي كان طاغياً في الجزء الأول. لم يخل الأمر من نقاش حول استبعاد النجم قصي خولي، الذي قام ببطولة «2020» واستبداله بمحمد الأحمد. بررت الشركة المنتجة الأمر بالقول إن العمَلين مختلفان، وإن تشابهت الأسماء، لكن متابعة العمل الحالي تؤكد أن الصلة بينهما تتعدى حدود التطابق الاسمي، وربما كانت القسوة التي غلّفت أداء وائل (محمد الأحمد) في «2024» مقصودة بهدف إبراز التناقض مع شخصية صافي (قصي خولي)، في «2020» التي انطوت على نزعة رومانسية جامحة، بالرغم من كونها عائدة لتاجر ممنوعات.
وفي ما خصّ مسلسل «العربجي»، فإنه لا يحمل سمات المسلسل المتفرد الذي يسعه ادعاء التفوق المبدئي على أعمال أخرى، لكنه يعتمد على الشوق الخفي إلى الماضي الذي لا تتيحه الأيام المعيشة، عن حكاية سائق عربة يواجه الإحباط العاطفي من المرأة التي أحبها، في الوقت الذي يكون عليه أن يكافح لانتزاع لقمته من براثن رجل متسلط، يتملكه هاجس التحكم في مصائر الناس.، وهكذا يكون على «عبدو» أن يقود عربة حياته في دروب ضيّقة، وسط الكثير من العقبات.
* بيروت: سامي عزيز