08 يوليو 2024

الذكاء الاصطناعي يُغيّر قواعد اللعبة على الـ"سوشيال ميديا".. ما هي المخاطر؟

محررة في مجلة كل الأسرة

الذكاء الاصطناعي يُغيّر قواعد اللعبة على الـ

عوالم خفية بدت تلوح في الأفق معلنة عن تواجدها، رغم اعتراض المشككين في خطرها، ففي ظل تصاعد دور الـ«سوشيال ميديا» في حياتنا هناك من يسخّرها لإسعاد البشر، وآخرون سعوا لتحقيق مزيد من المكاسب المادية من دون أي ضوابط، ليظهر جيل جديد من المؤثرين غير الحقيقيين الذين ابتكرهم أشخاص يعملون في الخفاء، ويمررون من خلالهم أفكارهم ومعتقداتهم من دون ضوابط.

فقد ظهرت أخيراً، شخصية كنزة، وعائلتها، وهي مؤثرة من الذكاء الاصطناعي تقدم محتوى متنوعاً، يتابعها مئات الآلاف على مواقع التواصل المختلفة، وآخرون غير حقيقيين ينتمون لجنسيات مختلفة يلهث وراء ما يبثونه الملايين.

الذكاء الاصطناعي يُغيّر قواعد اللعبة على الـ

لم تكن تلك أخطر ما نراه في واقعنا، بل ظهرت سلوكات غريبة في هذا العالم التقني، منها واقعة قيام إحداهن بعمل مواصفات رجل أحلامها بتقنية «الهولوجرام»، وتزوجته، لتشير روايات أخرى إلى أنه شكل زوجها المتوفى.

وآخر أعلن خطبته على عروس افتراضية، ومع الوقت دفعته للتخلص من حياته، وانتحر، وغيرها من السلوكات والمواقف التي تثير تخوّف البعض ممّا سيدفعنا إليه هذا العالم الخفي. ظواهر غريبة على مجتمعاتنا أثارت الفضول للتحدث عنها، ومعرفة ما يمكن أن تقودنا إليه.

الذكاء الاصطناعي يُغيّر قواعد اللعبة على الـ

تحديات أخلاقية واجتماعية أمام الذكاء الاصطناعي

يقول طارق جاسر، خبير في الذكاء الاصطناعي، «تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والعوالم الرقمية في عقولنا وثوابتنا، الثقافية والاجتماعية، موضوع يثير الكثير من النقاش، فالبرامج المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي تلك التي تنشئ شخصيات وهمية، مثل كنزة وعائلتها، تقدم إمكانات متنوعة، بخاصة أن العديد من الدول وعمالقة التكنولوجيا يعملون بلا كلل على تطوير وتحسين برامجهم الخاصة بالشخصيات الرقمية.

إذ يجري استخدام مجموعات بيانات ضخمة لتدريب النماذج الافتراضية على فهم وتقليد السلوكات البشرية، ما يتيح تواصلها بفعالية، وتقديم تجارب، غنية ومفيدة، تستخدم بشكل واسع في الترفيه، والتعليم، والتسويق، وتوفر طرقاً جديدة ومبتكرة، للتفاعل مع المحتوى، ما يجذب جمهوراً أوسع، ويحسّن تجربة المستخدم».

بيد أن هناك تحديات أخلاقية واجتماعية يحملها الذكاء الاصطناعي في طيّاته، بخاصة عندما يتعلق الأمر بتأثيره في المعتقدات الثقافية والفلسفية «يستدعي هذا الأمر منا إجراء نقاشات مستفيضة حول أخلاقيات استخدام هذه التقنيات.

فالتربية الرقمية، والوعي بأمان الإنترنت هما من الأدوات الأساسية لحماية أنفسنا، وأبنائنا، من الأفكار والتأثيرات السلبية، التي قد تنجم عن العالم الافتراضي، ويجب تعليم المستخدمين كيفية التعرف إلى المحتوى المضلّل، والحفاظ على حدود صحية مع التكنولوجيا، وأن نحرص على أن تكون التقنية في خدمة الإنسانية، وأن تعزّز قيمها، لا أن تهدّدها.

ففي الآونة الأخيرة شهدنا حدثاً فريداً، إذ تم تتويج ملكة جمال الذكاء الاصطناعي، وهي خطوة تعكس التطور المدهش في قدرات هذه التقنية، وقدرته على المشاركة في أنشطة كانت حتى الأمس القريب محصورة في البشر فقط.

ومع ذلك تظل لديّ تحفظات بشأن ما يمكن أن يقدمه قطاع الترفيه السائد من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في مثل هذه الفعاليات، من المهم أن نتأكد من أن استخدام التكنولوجيا في المجالات الثقافية والترفيهية يتم بطريقة تحافظ على القيم الإنسانية، وتعزز التنوع والشمولية، بدلاً من أن تستبدل البشر، أو تقلل من قيمتهم.

ويجب أن نظل واعين للتأثيرات التي يمكن أن تحدثها هذه التقنيات في مفاهيمنا للجمال، والفردية، والخصوصية، وأن نسعى للتأكد من أن الابتكارات لا تحد من أساسيات الاحترام والقيم الإنسانية، وأن تهتم بالفردية لكل شخص».

نسعى لتصميم 12 موديلاً افتراضية وتقديمها كصنّاع محتوى «إنفلونسر»

وعن الهدف من وراء تصميم تلك الشخصيات الافتراضية، يشير طارق جاسر «نعمل حالياً من خلال شركتنا لتصميم نحو 12 موديلاً افتراضية، نختار لها الشكل والصوت وكل التفاصيل الأخرى، لتقديمها كصنّاع محتوى «إنفلونسر»، واستغلالها في كثير من الأمور، منها تقديم نشرة أخبار، أو عمل فيديو، أو تقديم منتج معيّن، وغيرها، من دون الحاجة إلى الاستعدادات التي تهدر كثيراً من الوقت على أرض الواقع، وتقلل من الأموال التي تنفق على تحضير جلسة واحدة، وما يتبعها من اختيار مكان التصوير، و«الميك أب»، وتسريحة الشعر، وغيرها من التفاصيل المزعجة، فالعالم يتطور بسرعة هائلة ويجب علينا مواكبته».

محاذير ومخاطر الذكاء الاصطناعي

ويضيف حسن عيسى، اختصاصي نفسي، «تمتاز الحياة في المجتمع العربي بكثير من الثوابت التي تحمينا من سوء ما نستورده من الغرب، فلدينا موروث اجتماعي قوي يجعلنا نعيش في محيط يدعم فيه الناس بعضهم بعضاً، فيقل تأثير المخاطر الخارجية، ولدينا أيضاً المعتقدات الدينية التي تقف حائط صد أمام هذا الطوفان الغريب عن عاداتنا، وما تربينا عليه، وهذا كله كاف لحماية أبنائنا وبناتنا.

أما من يتأثر بما يبثه الذكاء الاصطناعي من أفكار غريبة، مثل من يلهث وراء شخصية رقمية، إنما ذلك يرجع إلى ضعف المبادئ لديه، وتوقف العقل عن التفكير بمنطقية تجاه الأشياء، فيتقبّل ما يأتي إليه من هذا العالم الرقمي من دون فلترة، فهذه التقنيات بلاشك تخلو من المشاعر والأحاسيس لكونها مجرد آلة من صنع البشر والتسليم لها نوع من الانسياق الأعمى وراء من صنعوها وقدّموها للمتابعين».

ويعقد الاختصاصي النفسي حسن عيسى مقارنة تبرر لكثير من السلوكات «يعاني المجتمع الغربي من الاضطرابات النفسية بشكل لافت، عكس الشرقي، والسبب يرجع إلى العزلة التي يعيشها البعض، واختفاء الأسر الممتدة التي تشبع كثيراً من الاحتياجات النفسية، فيقع البعض فريسة الذكاء الاصطناعي، وما يبثه من أفكار وهمية، مستغلاً قدرته على تجسيد الشكل، وتقليد نبرة الصوت، وغيرها من الأمور.

ولا ننكر أن لدينا من يتأثر بذلك، بخاصة المراهقين، ربما من باب الفضول، أو الشعور بالوحدة الزائفة، أو غياب دور الأهل في المتابعة، وهنا نحثهم على القيام بواجبهم تجاه أبنائهم، بخاصة في السنوات العشر الأولى حيث سهولة الانسياق والانسحاب من الحياة الاجتماعية، وعليه يجب جذبهم بعيداً عن هذا العالم الخفي، بتنمية مهاراتهم العقلية والبدنية، واستشارة المختصين لبلورة تلك الأمور على أرض الواقع، حتى نقلل هذا الخطر المتربص بهم».

الذكاء الاصطناعي يُغيّر قواعد اللعبة على الـ

الخصوصية في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي

من جانبها، تحدثنا الدكتورة رقية الريسي، اختصاصية اجتماعية في قسم الإرشاد الأسري بإدارة التنمية الأسرية، وفروعها في الشارقة، عن هذه الإشكالية، قائلة «يؤدي سوء تصميم هذه الأنظمة إلى تغيير المفاهيم الاجتماعية، وانفصال الأفراد عن محيطهم الخارجي، ما ينتج عنه جمود العلاقات الإنسانية، وفقدان المهارات الاجتماعية التي بدورها تؤثر سلباً في صحة الإنسان، وتتمثل المشكلة في عدم وجود قوانين تنظم استخدامها، أو تشريعات تحدد المسؤوليات، وتحمي المستخدم عندما تكون النتائج غير متوقعة، أو خاطئة.

وحسب تقييم دراسات مختلفة أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل خطراً حقيقياً يهدد مفهوم القيم لبعض الأفراد، بخاصة من هم أقل من عشرين عاماً، فمجموعة من المراهقين عبر العالم بصدد فقدان هويتهم، أو التخلي عنها، نتيجة أسباب مختلفة، بينها تداعيات الثقافة الرقمية، فضلاً عن زيادة اعتماد الشركات المطورة لمنصات التواصل الاجتماعي على محفز التنافس التجاري، والربح المادي، ما مثل خطراً حقيقياً على نوعية المحتوى المتداول والمستهلك على الإنترنت.

ومع زيادة ربط الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي بالعائد المادي المحقق من المتابعات، بات جزء كبير من مؤثري الإنترنت يتنافسون على صناعة محتوى مختلف، ومثير، قد ينتهك حتى خصوصية الفرد، والعادات والتقاليد، فجاءت الشخصيات الرقمية لتثبت وجودها من عالمها الافتراضي».

وعن مدى ما يمكن أن يقودنا إليه هذا العالم الخفي، تبين الدكتورة الريسي «إذا كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتربع الآن على عرش الثورة العلمية والتكنولوجية، وتسهّل الكثير من أمور الحياة، فإنها تقودنا إلى الهوة عند استقلالها عن الإنسان، وخروجها عن سيطرته، وتصرفها بشكل منفرد.

ويزداد الأمر دقة وخطورة بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي غير المجسّد، إذ تجتمع فيه صفتا الاستقلال من ناحية، وعدم رؤيته، أو إدراكه بالحواس، من ناحية أخرى».

الذكاء الاصطناعي يُغيّر قواعد اللعبة على الـ

هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأسرة، باعتبارها الأساس في تكوين شخصية الطفل داخل المجتمع، توضحها د. رقية الريسي «تلعب الأسرة دوراً أساسياً في تقرير النماذج السلوكية للأطفال، وهي بذلك تعمل على توعيتهم، وإرشادهم إلى الإدراك الصحيح، وفلسفة وجود التقنية في الحياة، ودورها في بناء المجتمعات ومدى تأثيرها.

وعليها تقع مسؤولية رفع الوعي لديهم بالتنبيه بضرورة أخذ الحيطة والحذر، من خلال عدم منحهم أي معلومات شخصية تتعلق بهم من اسم، سِن، عنوان، كلمة المرور، وغيرها من المعلومات لأي شخص غريب، وعدم التحدث مع الأشخاص الغرباء الذين لا يعرفونهم، أو تلقّي رسائل بريدية منهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوعيتهم إلى ضرورة إخبار أحد الوالدين، أو أي شخص راشد قريب منهم، عند شعورهم بعدم الارتياح.

بجانب مراقبتهم عند استخدامهم للإنترنت، والتحكم في نشاطاتهم، وتحديد أوقات معينة لاستخدام الإنترنت، وتشجيعهم على التحدث عن تجاربهم فيه، وتوعيتهم بكيفية التصرف السليم في حال تعرّضهم لإساءة، كما يجب أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأطفالهم».

المقبول وغير المقبول في عالم يديره الذكاء الاصطناعي

الدكتور سالم بن ارحمه، رجل دين، يقول «توفر شبكات التواصل الاجتماعي فرصة لأصحاب الأفكار الهدامة لبث سمومهم في المجتمع، ونشر أفكار وقناعات مضللة تتنافى مع المعايير والقيم الأخلاقية، والاجتماعیة، وتمهد الطريق للوقوع في أخطار الانحراف، وارتكاب السلوك غير السوي، وهذا يتزامن مع النمو الكبير في نسبة الجريمة بكل أنواعھا، والإلكترونية بشكل خاص، في عدد كبير من دول العالم».

وعن مردود صرعات الذكاء الاصطناعي، يشير د. سالم بن ارحمه «القيم هي أحد أكبر ضحايا منصات التواصل الاجتماعي، فقد حدثت تغيرات كبيرة في المنظومة القيمية في فترة وجيزة لا يمكن تبرير حدوثها، إلا نتيجة ما ينشر على حسابات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فالمقبول أصبح غير مقبول، والعكس صحيح.

إضافة إلى أن التقدم الهائل في الذكاء الاصطناعي أتاح للجهات التسويقية صنع برامج واستحداث تقنيات تؤثر في سلوكيات وأفكار المستخدمين وتوجهاتهم لخدمة مصالحها المادية، بغضّ النظر عن السلبيات المترتبة على ذلك، سواء على سلوكات المتابعين، أو قيمهم، أو أنماط معيشتهم.

والدليل على ذلك ما أشار إليه أحد التقارير عما يتبعه كبراء مديري الشركات التجارية العالمية في سبيل تسخير وسائل التواصل، وتوظيف المؤثرين فيها للتسويق لمنتجاتهم، وتمرير قيمهم، وتغيير سلوكات الأفراد، بما يخدم مصالحهم قبل أي شيء آخر، بغضّ النظر عمّا يترتب على ذلك من تدمير لقيم المجتمعات وثوابت المعتقدات الدينية.

وما نشهده اليوم من انتشار لمقاطع في كل الوسائل تؤكد ذلك فأموال طائلة تصرف في بث يديره أشخاص غير مسؤولين، ومنهم غير حقيقيين، يسوّقون لسلبيات فيها خروج صارخ عن قيم المجتمع، وما هو مقبول ومتفق عليه بين كل شرائحه.

فهذه المنصات تشجع على كل ما يساعدها على تحقيق أرباح، بغضّ النظر عما يقدم من محتوى، بل أحياناً تشجع على أن يمارس مرتادوها سلوكات خاطئة تضرب في أساسيات العقيدة، مثل قيام البعض بعدم التسليم للقضاء والقدر، والانسياق في بناء شخصيات وهمية رحلت عن عالمنا، وذلك حتى يستمر دعم حساباتهم ومساعدتهم على الانتشار.

وهذا كله يتطلب أن يكون هناك تحرك مجتمعي للتصدي لهذا التيار العاصف، ومقاومة سلبياته، والحد من آثاره، لحماية المجتمع، والحفاظ على طبيعته وتماسكه».