8 ديسمبر 2022

د. هدى محيو تكتب: هل يحدثُ كبار العالم صغارهم بلغة واحدة؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: هل يحدثُ كبار العالم صغارهم بلغة واحدة؟

مَّ.. مَّ.. بَ.. بَ.. غَ.. غَ.. هي الأصوات الأولى التي تصدر عن جميع أطفال العالم في الأشهر الأولى من حياتهم لتتطور وتتشعب وتغتني في الأشهر والسنوات التالية بحسب اللغة الأم التي يسمعها الطفل ويعيش في كنفها، كما لو أنها لغة جذعية شبيهة بالخلايا الجذعية لدى الجنين والتي تتشابه في البداية لتختلف وتتوزع بعدها فتشكل مختلف الأعضاء في الجسم.

لكن ماذا عن الأصوات التي يستعملها الكبار للتوجه إلى الصغار في كلامهم، هل هي أصوات واحدة ومتشابهة في جميع أنحاء العالم؟

للإجابة عن هذا السؤال، أجريت دراسة في جامعة هارفارد بواسطة برمجية تحليل صوتي تفحصت 1600 تسجيل لكلام أو أغاني موجهة إلى الصغار وصادرة عن مجتمعات مدينية وريفية أو تقليدية تعيش في قارات الأرض الست.

وجاءت النتيجة ملفتة لتكشف أن ثمة الكثير من السمات الخاصة المشتركة تميز حديث الكبار الموجه إلى الصغار في جميع الثقافات.

فالجميع، مثلاً، يتوخون صوتًا عاليًا ورفيعًا ويستخدمون نبرات متنوعة في حين أنهم يشددون على الحروف الصوتية.

أما الأهازيج الموجهة لصغار الأطفال فهي تتسم جميعها بصوت ناعم.

وفي الجزء الثاني من الدراسة، أصغى خمسون ألف شخص من 187 بلدًا إلى تسجيلات متنوعة للغات لا يعرفونها ونجحوا في أن يميزوا من بينها تلك الموجهة إلى صغار الأطفال، أي أن بإمكانكم أن تعرفوا متى يوجه الصيني كلامه إلى صديقه ومتى يوجهه إلى طفل رضيع من دون أن تفقهوا من اللغة المندرينية حرفًا واحدًا.

والسؤال الآن هو لماذا تعتمد البشرية جمعاء الأصوات ذاتها للتكلم مع صغار الأطفال؟

يبدو أن هذه الطريقة في استخدام الصوت تسهل على الطفل تعلُّم الكلام، كالتشديد على الحروف الصوتية، وتهدف إلى جذب انتباهه باستخدام الصوت الرفيع أو إلى تهدئته بواسطة نعومة الصوت ودفئه في الأهازيج.

لكن الصوت هنا، بغض النظر عن معنى الكلام الذي لا يفهمه الرضيع في أشهره الأولى، هو أولاً وسيلة اتصال موسيقية ذات تأثير وفاعلية مباشرة فهو الذي يوقظ وينبه ويهدئ وينقل إلى المولود الجديد كل الحب الذي يخبئه له أهله في قلوبهم.

أطفال العالم في فجر حياتهم يتكلمون بلغة واحدة وأمهات العالم وآباؤه يتوجهون إليهم بلغة واحدة، وهذا دليل إضافي على الأصل الواحد للبشرية جمعاء وهي حقيقة يجب ألا ننساها مع تشعُّب لغات العالم واختلافها.

 

مقالات ذات صلة