12 يونيو 2023

ماذا تفعل لتجعل طفلك يأوي إلى الفراش بسهولة؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

ماذا تفعل لتجعل طفلك يأوي إلى الفراش بسهولة؟

تهدئة الطفل ليست بالمسألة السهلة على الدوام.. فطور صباحي يدشّن حالة التوتر، شجارات بين الأشقّة، نوبة قبل الذهاب إلى المدرسة، رفض الإيواء إلى الفراش مساءً.. حيث صارت مسألة نوم الأطفال عند المساء أكثر فأكثر تعقيداً نظراً إلى كل المحفّزات التي تحيط بهم، وأهمها مختلف الشاشات التي تسترعي اهتمامهم.

ماذا تفعل لتجعل طفلك يأوي إلى الفراش بسهولة؟

يعمل هذا الكتاب "الطفل المطمئن"، من تأليف جيل ديدريكس ، على اقتراح بعض الحلول التي تساعد على مواجهة التوتر لإعادة الطمأنينة إلى نفس الطفل ، ويتناول واحدة من أهم المشاكل التي يعاني منها الأبوان، وهي رفض الطفل الذهاب إلى الفراش عند المساء.

يبين الكتاب أن على الكبار أن يحفظوا قاعدة مهمة، وهي: ثمة وقت للصغار ووقت آخر للكبار وللزوجين اللذين يحتاجان إلى قضاء بعض اللحظات معاً. إذ يلتقط الطفل بسرعة كيف يمكنه أن يخلَّ بحسن سير التناغم بين أمّه وأبيه ويعرف تماماً كيف يستغل واحداً منهما ضد الآخر من أجل الحصول على ما يريد. وبعد يوم صعب ومتعب، ينحو الأهل إلى أن يفقدوا صبرهم بسهولة أو إلى أن يتراجعوا أمام رغبات الطفل، لينسى الواحد منهما الآخر.. أما وقت الذهاب إلى النوم فهو الممرّ الانتقالي الممتاز من أجل أن يمتحن الطفل والديه.

ماذا تفعل لتجعل طفلك يأوي إلى الفراش بسهولة؟

حجج الطفل ما قبل النوم

النهار الصعب أو الذي شهد توتراً لا يُحلّ بدقائق خمس قبل النوم. لذا من المحبّذ أن ننشئ لدى الطفل «شعائر صغيرة» متصلة بالنوم تساعده على الإحساس بالراحة والاطمئنان والتي يستطيع أن يؤقلمها في ما بعد بحسب احتياجاته أو رغباته أو طرائق تعبيره وعيشه من مشاركة مع الآخرين أو انعزال قبل النوم.

عليكم في البداية أن تحددوا الطرائق واللحظات التي يتوسلها الطفل لتأخير وقت النوم واستخدام بعضها لتصير جزءاً من الشعائر المعتمدة، على سبيل المثال: رغبة مفاجئة في ترتيب غرفته، إفراط في الدلال، رغبة في القيام بألعاب معقدة، رغبة متكررة في الشرب، قراءة لا تكتفي بكتاب واحد بل تطالب بعدد من الكتب، ذهاب متكرر إلى دورة المياه، الاهتمام فجأة بحياة الآخرين، جوع مفاجئ وبالأخص إزاء الحلوى، تحضير كتبه وأغراضه لليوم التالي...

وبحسب ما لاحظتم، بإمكانكم أن تضعوا هرم الأولويات وتنظموا هذه «الحجج» لتندمج في مرحلة ما قبل النوم، على سبيل المثال: الرغبة في ترتيب الغرفة يجب أن تنفذ قبل العشاء، القراءة يجب أن تعتمد كتاباً واحداً يختاره الطفل بالاتفاق مع الأهل ويُقرأ قبل النوم في السرير، التدليل يتم في السرير، الجوع المفاجئ مرفوض تماماً لأن على الطفل أن يتعلم أن يأكل ويشبع وقت العشاء. وعند اعتماد هذا النظام، سترون فجأة أن طفلكم سيشعر برغبة أقل في القراءة أو ترتيب غرفته... والمهم في الموضوع هو أنكم قد جعلتم الطفل مسؤولاً عن خياراته.

ماذا تفعل لتجعل طفلك يأوي إلى الفراش بسهولة؟

ما هي شعائر النوم؟

هي مجموعة من النشاطات المحددة بشكل واضح والتي سترسم مساراً يقود إلى النوم. إن تكرار هذه الشعائر كل مساء سيرسّخ فوائدها، فالانتظام يطمئن الطفل لأنه يجد فيه طريقة للتعبير ولفهم ما يدور حوله ويدرك أنها لحظات خاصة محجوزة له، وهذا ما يريده قبل أي شيء آخر. أما بالنسبة إلى الأهل، تشكل هذه الشعائر طريقة للارتكاز على إطار يمكن تصحيحه أو تحسينه في أي وقت وبسرعة. وهذا يعني أن هذه الشعائر تطمئن الأهل كذلك لأن الطفل لا يعود قادراً على التلاعب بهم كما يريد.

حين ينجب المرء طفلاً يكتشف أهمية المرونة والقدرة على التكيف من دون أن يتخلى عن مبدئه الأول وهو أن على الطفل أن ينام في ساعة محدّدة مهما حصل. فالساعة البيولوجية عند الطفل على مستوى أوقات النوم والصحو تحتّم عليه النوم بشكل منتظم لأنه إذا ما فاته قطار النوم في الوقت المحدّد قد يقضي بعدها أكثر من ساعة في انتظاره. ينمو الطفل بواسطة النوم، وفي المرحلة الأولى من ليلته يتركز المستوى الأعلى من إفرازات هرمون النمو. لهذا السبب لا تتراجعوا حتى لو بدوتم صارمين فهذه مصلحة الطفل الحيوية.

فترة الانتقال التي تفصل آخر النهار عن النوم يجب أن تكون خالية من كل المسائل التي تم التطرق إليها نهاراً وكل شيء يجب أن يكون قد تمّت معالجته قبل أن يأوي الطفل إلى سريره. ولا تتوقعوا أي شكر أو عرفان من قبل الطفل في تلك اللحظات، قد يأتيكم بعدها بوقت طويل حينما يصير أباً بدوره، لذا لا تترددوا في فرض ما يجب القيام به أحياناً.

ماذا تفعل لتجعل طفلك يأوي إلى الفراش بسهولة؟

أربع مراحل متوالية لنوم الطفل

الأعمار المختلفة وظروف اللحظة قد تجعلكم تحيدون عن الطريق المرسوم. وما نقترحه عليكم هنا هو أن تستلهموا هذا التسلسل المؤلف من أربع مراحل أو أن تقوموا بتعديله بحسب ظروفكم. فهذا التسلسل هو ضمانة الطمأنينة الأسرية لأنه يقدم مساحة للتوافق والهدوء للجميع.

1- قبل العشاء: وقت لتحضير اليوم التالي

يجب القيام بهذا الأمر مع الطفل من أجل أن يكون مسؤولاً عن خياراته. الترتيب ولو بالحد الأدنى لا بد منه: الحجرة المرتبة تعطي رغبة أكبر بالنوم من الغرفة التي تملؤها الفوضى.

كما ينبغي اختيار ملابس اليوم التالي مرة واحدة ووضع الدفاتر والكتب والأقلام المناسبة في المحفظة المدرسية. ويجب ألا ننسى كيس الرياضة أو الأنشطة الأخرى، ومن الضروري تحديد نوعية الطعام عند الفسحة حتى لا يتم النقاش فيه مجدداً وتحضيره فوراً إلا إذا كان من الضروري أن يكون طازجاً. أما إذا استحال تحضير اليوم التالي قبل العشاء فعليكم أن تفعلوا هذا بسرعة بعد العشاء حتى لا تتحوّل المسألة إلى مناسبة للنقاشات التي لا تنتهي والمواجهات الحادة.

2- بعد العشاء: وقت للنظافة الشخصية

وهذا أمر لا بد منه: فرك الأسنان والاغتسال أو غسل الوجه واليدين والقدمين، ومنع لمس أي لوحة مفاتيح حاسوب أو هاتف. فالقليل من الناس ينظفون هذه اللوحات وهي تحتوي على سطحها عدداً لا يحصى من البكتيريا، كما أن الجسم يلتقط الكهرباء الساكنة الصادرة عنها فيعود الدماغ لينشط في اللحظة التي ينبغي فيها أن يهدأ تحضيراً للنوم.

وإذا كان عليكم أن تقوموا بالقليل من الترتيب لأنكم لم تستطيعوا فعل هذا قبل العشاء، عليكم أن تشركوا الطفل وأن يساعدكم ولو جزئياً. يمكنه مثلاً أن يساعدكم في ترتيب المطبخ بعد العشاء وهذا ما ينبغي أن يتعلم القيام به. ولكن لا تجعلوا من المسألة مصدراً للنزاعات فوراً، إذ يمكنكم أن تتركوا الأمر لعطلة نهاية الأسبوع.

ولا ينبغي على الطفل أن يأخذ معه طعاماً كالحلوى أو ما شابه إلى غرفته لأن هذا سيعلمه النقرشة والعادات السيئة ومواصلة الأكل بعد انتهاء وجبة الطعام. وفي وقت النوم هذا يعني استمرار عملية الهضم ما سيؤثر في نوعية النوم ويجعل الطفل صاحب استعداد للسمنة إضافة إلى تسوّس الأسنان.

3- قبل الذهاب إلى السرير: وقت لنشاط قصير

يمكن للطفل أن يقوم ببعض التلوين أو بقراءة كتاب قصير. يفضل بعض الأطفال أن يقضوا هذه اللحظات لوحدهم مع علمهم أنكم موجودون، فيرتبوا ما بقي من ترتيب أو ما شابه، فهذا من شأنه أن ينظم مزاجهم ويساعدهم على الانفصال عن نهارهم. أما إذا طلب منكم الطفل المشاركة عليكم بتحديد الوقت الذي ستقضونه معه سلفاً ونوع النشاط الهادئ الذي تنوون مشاركته فيه.

قد تشكل هذه اللحظات القصيرة الخلاقة وقتاً مثيراً للاهتمام بالأخص إذا ما كان لدى الطفل شيء يقوله. وقد يتحول هذا الوقت إلى أسئلة غير متوقعة بالكامل وبالأخص في حال وجود خلافات بين الأهل أو ضغوط لا تطاق في المدرسة أو في المنزل أو حتى مواضيع الساعة التي تشغل باله... هي عموماً مواضيع لا يفهمها جيداً أو تفوق قدرته على الفهم. كما يمكن أن تصير فترة قبل النوم مساحة للقيام باعترافات حيث تترسخ علاقة الثقة العميقة بين الأهل وأولادهم.

4- في السرير: وقت الانتقال إلى النوم

من المفضل اختيار كتاب في هذه اللحظات وتجنب لوحات القراءة الرقمية، حتى لو كان من الممكن ضبط حدة ضوئها إلا أنها تثير حواس الطفل أكثر من الكتاب. تجنبوا تماماً دخول شبكة الإنترنت على اللويح إلا إذا كنتم شديدي الصرامة في زمن التصفح وطريقته. فكل ما يربط الذهن بما يجري خارج حجرة النوم قد يوقظ الانفعالات والعمل الذهني.

من الممكن سرد قصة على مسامع الطفل وقد يطلب الطفل أن يشرب واسمحوا له أن يفعل مرة واحدة وأن يذهب إلى الحمام مرة واحدة إن شاء.

ولا تنسوا أن طفلكم يراقبكم ويعرفكم تماماً ويختبركم باستمرار. فهو يرمي صنّارته ويرى على أي خطّاف ستعلقون. وهنا يجب ألا يكون هدفكم كسب حب أطفالكم ولكن هدفكم هو أن تمارسوا دوركم كأهل. ولمزيد من الوضوح والدقة: أي سعي لمصادقة الطفل في هذه اللحظات الثمينة من حياته ممنوع. فالطفل يتوقع منكم أن تقدموا له أسساً متينة وفعالة يستطيع أن يرتكز عليها فوراً. بهذه الطريقة تكسبون ثقته وهذه أجمل هدية يمكنه أن يقدمها لكم. ومرة أخرى، إن الأطفال هم من يبنون الأهل، وعلى الأهل أن يقبلوا بأن يكونوا أحياناً مجرد وسيط. أما فرص المشاركة والتقاسم والمصادقة فهي ستسنح كثيراً في ما بعد.

 

مقالات ذات صلة