4 أبريل 2024

عيد الفطر المبارك.. فرصة لإحياء العادات المفقودة ونشر البهجة والسعادة

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

عيد الفطر المبارك.. فرصة لإحياء العادات المفقودة ونشر البهجة والسعادة

يُعد عيد الفطر المبارك مناسبة غالية على قلوب المسلمين، يحرصون فيه على إحياء طقوسه، وإدخال البهجة على قلوب من حولهم، سواء بتبادل الزيارات مع الأهل والأقارب، وتهنئتهم بالعيد ومعايدة الأطفال، أو بإدخال السرور على نفوس الفقراء والمحتاجين، بإهدائهم كسوة العيد، فهناك من يحرصون على إحياء تلك العادات بنفسه بمشاركة الناس فرحتهم، وبما ينعكس إيجاباً على سعادته الداخلية، وآخرون يفضلون تأدية ذلك بطرق أسهل وأيسر، كأن يستعينوا بالوسائل التكنولوجية الحديثة.

عيد الفطر المبارك.. فرصة لإحياء العادات المفقودة ونشر البهجة والسعادة

تُرى هل مشاركة الناس فرحتهم باستقبال العيد، فرصة لتحقيق السعادة المنشودة التي نبحث عنها في حياتنا؟ أم أصبحت عملاً روتينياً في ظل مشاغل الحياة وضغوطاتها؟

الدكتورة نورة ناصر الكربي، أستاذ مساعد في قسم علم الاجتماع ورئيس قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي في جامعة الشارقة، تقول «إحياء العادات الاجتماعية نوع من تقوية الروابط بين الناس، وتأثيرها في النفس البشرية كبير، فمع دخول معترك الحياة والتعرّض لقسوتها، نسي البعض تلك الأمور فزاد معها الضغط النفسي، والشعور بالعزلة، ودورنا نحن، كأفراد مجتمع، التمسك بتلك العادات التي تمدّ الإنسان بالطاقة الإيجابية، فها هي أيام تفصلنا عن مناسبة عيد الفطر المبارك، الذي يُعد فرصة لإحياء كل طقوسه، سواء بتبادل الزيارات والسؤال عن الأهل والأصدقاء، أو بتأدية الزكاة، والحرص على وصولها لمستحقيها من الفقراء والمحتاجين، فهذا كله يساعد على تعزيز الوحدة والتضامن بين الناس، وتحسين الحياة المجتمعية بشكل عام، كما تعكس قيم العدل والمساواة التي تحقق التوازن والاستقرار في المجتمع».

التواصل مع الآخرين يعزز لدينا الشعور بالانتماء الاجتماعي

وتكمل د. نورة الكربي «عندما نحرص على مشاركة الناس مثل تلك المناسبات نشعر بالراحة والسعادة، لأننا نقوم بواجبنا تجاههم من دون وسيط، فعندما نتوجه إليهم بأنفسنا ونحرص على اصطحاب أبنائنا معنا نتلمس احتياجاتهم الحقيقية، ولكن عندما نلجأ للطرق المشروعة التي حددتها المؤسسات ذات العلاقة للقيام عوضاً عنّا بتوزيعها على المحتاجين، فبلا شك قد يكون هناك شعور إضافي بالسهولة والفعالية، إلا أنها تفقدنا مشاعر أخرى نحن في أمسّ الحاجة إليها، وهي التواصل مع الآخرين الذي يعزز لدينا الشعور بالانتماء الاجتماعي والذي ينعكس بشكل إيجابي على حالتنا العاطفية والنفسية، وإن كنت لست ضد اللجوء إلى التكنولوجيا في أمورنا الحياتية، ولكن لنجعل استخدامها للمساهمة في أمور يصعب علينا تأديتها بأنفسنا لبعد المسافة، على سبيل المثال لا الحصر. فلنحافظ على عاداتنا الاجتماعية، ونؤدِّ دورنا الحقيقي في الحياة بمسؤولية، ولنحرص على السعي لإحياء ترابط الناس ببعضهم بعضاً».

تتبنّى وجهة نظر الشرع، الدكتورة بشرى الجسمي، كبير مفتين بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، بدبي، وتشير «يُختتم شهر رمضان بوجوب إخراج الزكاة قبل صلاة عيد الفطر المبارك، وقد أمر الشرع الكريم بسدّ حاجة الفقراء والمساكين في هذا اليوم المبارك، ففي زكاة الفطر فائدة للصائم، إذ تطهّره من اللغو، كما أنها تسهم في جعل ميسوري الحال يُدخلون الفرحة والسرور على قلوب المساكين».

عيد الفطر المبارك.. فرصة لإحياء العادات المفقودة ونشر البهجة والسعادة

وتتابع د. الجسمي «العيد في الإمارات له نكهة خاصة، إذ يحرص الجميع على استقباله بفرحة وحرص على إدخال السعادة على من حولهم، فالكل يهدي المعوزين الذين يرونهم ما تسمّى العيدية، وهناك من يحمل لهم الهدايا، وما بقي من الصدقات التي نوى إخراجها، ثم يكملون عاداتهم ويصِلون أرحامهم، ويتزاورون في هذا اليوم المبارك. وللأولاد من العيد النصيب الأوفر، من ارتداء الملابس الجديدة، وأخذ الهدايا (العيدية). وقديماً كانت طريقة دفع وإخراج الزكاة والصدقات بطريقة مباشرة، يدفعها الموسر والمتصدق ويضعها في يد الفقير، وكان يتولى المسلم دفع زكاته وصدقة فطره بنفسه للفقير، أو عن طريق شخص وكيل له يتولى إيصالها إليه، وهما السبيلان اللذان كانا متاحين في ذلك الوقت، فحسب، أما اليوم، فطرق الخير تعددت وتنوعت، فبالإمكان اليوم دفع الصدقات عبر التطبيقات الذكية، كما تتولى الجمعيات إيصالها للفقراء، باعتبارها وكلاء عن الأشخاص الحقيقيين، وهذا جائز بلا خلاف، وأجره عند الله ثابت للمتصدّق، المهم أن تصل الصدقات إلى من يستحقونها شرعاً، مع حفظ كرامتهم، وبجميع هذه الطرق القديمة والحديثة، يتحقق المقصد الشرعي في إخراج الصدقات، وإدخال السرور على قلوب الفقراء».

الدكتور حمدان الدرعي، باحث إماراتي ومؤرخ ومؤلف، يضيف «لا شك في أن عيد الفطر مناسبة يحرص المسلمون على مشاطرة أفراحه والتمتع بأيامه المعدودات، إلا أن الاحتفال بالعيد عند البعض قد أصابه ما أصاب غيره من الظواهر الاجتماعية السلبية، فمن خلال ما نلاحظه من غياب لكبار السّن في التجمعات، بجانب الزحف نحو المدنية، يتنامى الشعور بالفجوة مع العادات الأصيلة، ولربما كان من بين الأسباب هو طول ساعات العمل، التي لا تقضى إلا بانقضاء ترمومتر الطاقة، إذ يخرج الموظف منهكاً بعد إتمام المهام الموكلة إليه، حتى باتت المرأة العاملة لا تجد حيلة سوى الاستعانة بمربية أجنبية، لا تفقه من أمر المجتمع شيئاً، وليس لها سوى الانكباب على حراسة ذلك الطفل، وتقضي معه الساعات الطوال، خلافاً لما كان في الماضي، حيث تواجد الجدّة، أو العمّة، أو الخالة، اللواتي يُتحفن الطفل بالغناء التراثي، ويسعين جاهدات إلى إشراكه في الحديث والتبصّر مبكراً في شؤون الحياة. كما أن سياسة الإغلاق التي رافقت جائحة «كورونا» كانت بمثابة قاصمة الظهر لما تبقى من عادات، إذ تصالح الناس مع العزلة، وصاروا متقوقعين في دائرتهم الضيقة، حتى راقت لهم، بل إن بعض الموظفين امتدحوها قائلين إنها كانت استجماماً مع النفس، وانصرافاً إلى شغاف القلب، من دون النظر إلى عواقبها الوخيمة في قطع التواصل الاجتماعي، الذي اشتهر به الإماراتي سابقاً».

تسهم موجة السفر أيام العيد في تقليص الفرحة في النفوس

يلفت الدكتور حمدان الدرعي «جاء تغيير لسان المناهج إلى اللغة الإنجليزية ليلقي بظلاله هو الآخر لتسميم مشارب وأفكار النشء، وتسلل العادات الفكرية الغربية، بما فيها من عقوق، وقطيعة، وإقبال على الأفكار التي تشجع الفردية، فللأسف، تعلّم لغة قوم يورث حتماً تقمّص شخصيّاتهم، واستحسان عاداتهم، وتشرّب أفكارهم، فهي ليست لغة بقدر ما هي حامل للثقافة ووعاء للفكر، كل ذلك يدفعنا، نحن كأفراد مجتمع، إلى وجوب إنعاش حالة الفرحة بالعيد والعودة سريعاً إلى الأسرة الممتدة بما تحمله من معان جميلة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال وضع خطة لتخفيف القيود الدراسية، والأعباء الوظيفية، التي أتت على أوقات الناس، وانشغلوا بأرزاقهم عن أبنائهم، الذين هم بدورهم صاروا ضحايا لإهمال والديهم. كما أن هناك عادة منكرة باتت تصول بين مجموعة من المواطنين، وهي الجنوح للسفر في أيام العيد، فهذا النشاز في التوقيت أمرٌ يبعث على الاستياء والامتعاض، ولابد له من وقفة حازمة، إذ تسهم موجة «الهروب» من العيد في تقليص أيام الفرحة ونزعها من مكونها الأصيل القائم على الالتقاء بين الأسر الإماراتية، حيث كانت تُقام الموائد احتفالاً لثلاثة أيام يحضرها الجميع، وكانت تسهم في لمّ الشمل، وإصلاح ذات البين، وتوقد جذوة الأمل في ازدياد التقارب الأسري من خلال الانصهار في صورة زواج يؤطر لحياة كريمة».

 

مقالات ذات صلة