15 ديسمبر 2022

«الحلال والحرام» في علاقة المخطوبين

محرر متعاون

محرر متعاون

«الحلال والحرام» في علاقة المخطوبين

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر جدلاً واسعاً حول فتوى لأحد الشيوخ تحرم على الخاطب الانفراد بخطيبته ولو داخل منزل أسرتها، حيث رأى كثيرون في الفتوى تشدداً لا محل له الآن.. وطالبوا- رجالاً ونساء- بإعطاء فرص حقيقية لكل مخطوبين للتعرف إلى بعضهما البعض في ظل الالتزام بالضوابط الشرعية والأعراف والتقاليد المحافظة.. وحذروا من الزواج دون تعارف حقيقي بين الشاب والفتاة والذي ينجم عنه صداماً بعد الزواج، وتكون النتيجة فراقاً وما يستتبعه من أزمات نفسية ومشكلات أسرية واجتماعية، وأعباء اقتصادية.

آداب التعارف واللقاء بين المخطوبين

ذهبنا لعدد من علماء الشريعة الإسلامية ورجال الفتوى للتعرف إلى طبيعة العلاقة في إطار الضوابط الشرعية، وتحقق الهدف من الخطبة، والتي عرفها الفقهاء بـ«مجرد وعد بالزواج يمكن لأحد الطرفين الرجوع فيه في أي وقت»، ولذلك ينبغي أن تتاح لهما فرصة التعارف والوقوف على مدى تقبل كل منهما للآخر قبل عقد القرآن.. وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء ونصحوا به:

التفريط في الضوابط الشرعية قد أسفر عن تجاوزات

الخطوبة مجرد وعد بالزواج

في البداية، يؤكد د. شوقي علام، مفتي مصر، ضرورة نشر الآداب الإسلامية في علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه عموماً دون تشدد أو مغالاة، ويقول «الإسلام لا يترك العلاقة بين الرجل والمرأة تسير وفق الأهواء والغرائز والرغبات الحسية والشهوات الجنسية، فتنتشر الفوضى السلوكية والأخلاقية في كل مكان كما هي الحال في مجتمعات تغيب عنها آداب وأخلاقيات ديننا العظيم، بل وضع آداباً لهذه العلاقة لا يجوز شرعاً الخروج عليها، حتى يأتي اللقاء بين الجنسين في إطار شرعي أخلاقي يؤكد الاحترام بين الطرفين، ويسهم في رقي وتحضر كل من يلتزم به ويحرص عليه».

ويضيف «الخطبة هي «مجرد وعد بالزواج بين شاب وفتاة» قد يتم الزواج وقد لا يتم ويذهب كل منهما إلى حال سبيله يبحث عن شريك آخر يناسبه، وينبغي تعامل الشاب والفتاة وأسرتيهما على هذا الأساس حتى تكون الأمور واضحة منذ البداية، ويعرف كل منهما حدود علاقته بالآخر.. فلا إفراط ولا تفريط، بمعنى ألا نترك للمخطوبين حرية التعامل مع بعضهما البعض وفق رغباتهما، وألا نضيق عليهما بما يمنعهما من التعارف إلى الطباع والخصال، والاطمئنان على وجود قدر من التوافق بين الطرفين».

ويشدد د. علام على أن التفريط في الضوابط الشرعية في علاقة المخطوبين قد أسفر عن تجاوزات سلوكية كثيرة في بعض المجتمعات العربية، فهناك قصص انحراف وتجاوزات أخلاقية بين مخطوبين تؤكد غياب الأخلاق، وافتقاد الأدب، وسيطرة الشهوات والنزوات، ومثل هذه التجاوزات يجب أن تجعل الأسر أكثر حرصاً على الضوابط والآداب الإسلامية، والوقوف عند حدود الحلال والحرام في تلك العلاقة حتى تصل بالمخطوبين إلى قرار موضوعي بالمضي قدماً في استكمال مشروع الزواج أو البحث عن طرف آخر تكون فرصة التوافق والعيش معه أكثر استقراراً، ويحقق أهداف العلاقة الزوجية والتي سجلها الخالق في عدد من النصوص القرآنية أبرزها قوله عز وجل: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».

«الحلال والحرام» في علاقة المخطوبين

لا تبالغوا في التجمل أمام الخاطب

وينصح مفتي مصر كل مخطوبين بعدم المبالغة في التجمل، مؤكداً أن فترة الخطبة تحتاج إلى شفافية ومصارحة أكثر من التجمل، ويبين «من حق كل من المخطوبين أن يتعرف إلى من يريد أن يشاركه حياته بصورة واضحة لا لبس فيها ولا تدليس ولا خداع، وقد أكد الشرع الشريف ضرورة وجود مبدأ الشفافية والمصارحة بين المخطوبين، وإتاحة النظر بين الخاطب والمخطوبة، بما يؤكد العلم بخلو الرجل والمرأة من العيوب الظاهرة أو الصفات غير المرغوبة، أو قبول كل طرف للآخر على ما هو عليه في ظاهره؛ كما ورد في نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرتَ إليها؟» قال: لا. قال: «فَاذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئاً». كما حثَّ صلوات الله وسلامه عليه كل من الرجل والمرأة عند الخِطبة ووقت التعارف على مصارحة كل منهما الآخر وعدم التدليس عليه والتغرير به، بترك التصنع والتظاهر بالتدين والتقوى أو الصلاح، والجمال، أو بطهارة النسب ورفعته، أو بالغنى والمقدرة المالية، أو بشرف المهنة والحِرفة، للتأكد من حصول الملائمة والقبول التام بينهما قبل الشروع في عقد النكاح، وما يليه من تكاليف وحقوق والتزامات متبادلة بين الطرفين، رفعاً للضرر الجسيم الذي قد يترتب على الخداع والتدليس وإخفاء ما يمكن أن يترتب عليه بعد ذلك من نزاع ونفرة بين الطرفين».

العيوب التي تفسخ عقد الزواج

وعن العيوب التي يكتشفها كل من الطرفين في الآخر وتمت التغطية عليها في فترة الخطبة وتستوجب فسخ عقد الزواج، يوضح د.علام «لقد رتب الشرع آثاراً وأحكاماً إذا لم تحصل الشفافية والمصارحة بين المخطوبين في أمورهما، كأن تم كتمان لعيوب لا يتحقق بسببها مقصود الزواج، حيث تنوعت فيها آراء الفقهاء فيما يعتبر عيباً يجيز الفسخ وما لا يعتبر، حيث يقول المذهب الحنفي - وهو ما عليه العمل في القضاء في الديار المصرية- يقصر حق طلب التفريق على الزوجة فقط إذا وجدت بزوجها عيباً مستحكماً تتضرر منه، ولا يمكن الشفاء منه، أو يمكن بعد زمن طويل، وسواء أكان ذلك العيب موجوداً بالزوج قبل العقد ولم تعلم به عند إنشائه، أم حدث بعد العقد ولم ترض به. أما بالنسبة للزوج فليس له الحق في طلب التفريق بسبب العيب الموجود بالزوجة مطلقاً، حتى ولو كان العيب مستحكماً ويمنع مقصود العقد، وحتى لو شرط الزوج في العقد عدم وجود العيب بالزوجة، ثم اكتشف وجوده بعد النكاح، وذلك لكون الزوج متمكناً مِن رفع هذا الضرر بالطلاق، بخلاف المرأة، فإنه لا يمكنها رفعه إلا عن طريق رفع أمرها إلى القضاء، وذلك بإثبات خيار العيب لها».

الخاطب والمخطوبة كلاهما أجنبي عن الآخر ما دام لم يتم عقد الزواج بينهما

الخلوة محرمة.. وهذه قواعد اللقاء

د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد أن انفلات العلاقة بين بعض المخطوبين أسفر عن مساوئ أخلاقية، وهذه المساوئ تتحملها أسر فتيات تركت لبناتها «الحبل على الغارب» كما يقول المثل، حيث يسمح للبنت بأن تخرج مع خطيبها كيفما شاء أو شاءت، وقد نجم عن ذلك تجاوزات أخلاقية في بعض المجتمعات العربية.

ويقول «الإسلام ضبط سلوك كل شاب وفتاة مقبلين على الزواج بآداب راقية تمكنهما من التعارف دون تجاوزات، وتعمق من مشاعر الحب والشوق والاحترام المتبادل بينهما، فالإسفاف بين الطرفين مرفوض ومدان، فلا مجال لسيطرة شهوة على لقاء الخطيبين داخل الأسرة، وتحت سمع وبصر كل أفرادها. وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد أباحت للخاطب أن يلتقي بخطيبته وأن ينظر إليها، وأن يتم التعارف بينهما بما يوفر للزواج عوامل الاستقرار والاستمرار، فقد وضع الفقهاء لهذا اللقاء شروطاً وقواعد وآداباً يجب الالتزام بها.. فالخلوة بين الراغبين في الزواج محظورة شرعاً قبل الزواج، لأن الخطبة ما هي إلا مقدمة من مقدمات الزواج، وما هي إلا مجرد وعد بالزواج، والخاطب والمخطوبة كلاهما أجنبي عن الآخر ما دام لم يتم عقد الزواج بينهما، وينطبق عليهما قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان».

ويوضح أستاذ الشريعة الإسلامية أن الرؤية الشرعية بين المخطوبين لها حدود أوضحها الفقهاء.. فقال بعضهم بجواز النظر إلى الوجه والكفين والقدمين، وقال البعض الآخر بجواز النظر إلى الوجه واليدين والرقبة والقدمين.. ولذلك فإن كثيراً مما يحدث الآن من جانب الفتاة أمام خطيبها، وخلوته بها بعيداً عن أعين الأسرة، وخروج الفتاة معه، وانفراده بها بعيداً عن عيون الأسرة، فهو أمر غير مقبول من الناحية الشرعية، لأنه يوفر فرصا كثيرة للشيطان ليزين لهما الانحرافات والتجاوزات مما نعلمه جميعا، وغالباً ما تدفع الفتاة وأسرتها ثمن ذلك، وقصص الانحراف في ذلك موجودة، وهي نتيجة طبيعية للخروج على الآداب والأخلاق الإسلامية، «من المؤسف أن بعض الأسر تقدم تنازلات لعريس البنت من أبرزها: الانفراد بها في غرفة مغلقة، وعدم الدخول عليهما إلا بعد استئذان (!!)، كما تسمح أسر لخطيب البنت باصطحابها إلى أي مكان يريد أن يذهب إليه، وأحياناً قد تسافر معه، وهذا تفريط في المسؤوليات، فلكل أسرة مسؤولة مسؤولية دينية وأخلاقية عن البنت حتى تنتقل إلى بيت زوجها».

وينتهي د. كريمة إلى التحذير من التهاون في الآداب والأخلاقيات الإسلامية التي تحكم لقاء المخطوبين، ويبين «ما درج عليه بعض الناس في هذا العصر من التهاون في هذا الأمر، فأباح لابنته أن تخالط خطيبها، وتخلو معه دون رقابة، هو أمر مرفوض ومدان شرعاً، كما أنه يضر بالفتاة وأسرتها ضرراً بالغاً إذا ما صرف الشاب النظر عن هذه الفتاة وذهب لغيرها. لذلك يجب الوقوف عند الحدود التي رسمها الشرع، فلا خلوة بدون محرم، ولا تجاوز لما أباحه الإسلام في اللقاء بين المخطوبين، ولا إثارة للشهوات والنزوات عن طريق ملابس كاشفة للعورات، فاللقاء ينبغي أن يحاط بآداب وأخلاق الإسلام، بحيث يحصل المقصود من الخطبة ويتم اكتشاف الصفات التي ترغب كلاً منهما في الاقتران بالآخر، حتى تقوم حياتهما على أسس واضحة ومعلومة لكل منهما».

الفتاة دائماً تكون الضحية الأولى للتجاوزات

تبادل مشاعر الحب

من جهتها، تؤكد د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ضرورة أن يتم التعارف والتلاقي والتفاهم قبل الزواج في إطار من الآداب الإسلامية، وتقول «دائماً ما ننصح الفتيات بعدم التفريط في الآداب والضوابط الشرعية في لقائها مع خطيبها، لأن التفريط في ذلك من شأنه أن يجر عليها عواقب وخيمة، فالفتاة دائماً تكون الضحية الأولى لمثل هذه التجاوزات. كما ننصح كل فتاة ألا «تتعشم» كثيراً في أن مشروع زواجها من خطيبها سيكلل بالنجاح، فقد يضيع الحلم نتيجة تقلب مزاج خطيبها، أو نتيجة خلافات مادية أو شكلية مع من يريد الزواج منها أو أسرته، وواقع الحياة زاخر بأمثلة ونماذج كثيرة من ذلك». وترفض الأستاذة الأزهرية مزاعم بعض الشباب من الجنسين بأن الزواج الناجح هو ما يكون ثمرة حب ولقاءات ومشاعر ونزوات متبادلة بين الشاب والفتاة، «هذا وهم كبير وادعاء باطل، ولا علاقة له بالواقع، ولا يمكن القول إن الآباء والأجداد الذين استقامت حياتهم الزوجية، واستمرت في مودة وتراحم وعطف وحنان، بدأت بقصص حب، وكانوا يعبثون في فترة الخطبة كما يعبث بعض شبابنا وفتياتنا اليوم».

«الحلال والحرام» في علاقة المخطوبين

وعن حكم الشرع في تبادل المشاعر العاطفية بين الراغبين في الزواج، توضح د. سعاد صالح «لا حرج شرعاً في تبادل مشاعر الحب والرغبة في الارتباط بين الطرفين، فالإسلام «دين واقعي» لا يصادر تلك المشاعر، بل حدد إطاراً تربوياً وأخلاقياً لكي يتم التعبير عن تلك المشاعر في جو من الأدب الإسلامي، ومن هناك فإن التعبير عن مشاعر الحب الصادقة بين المخطوبين شيء، والعبث الذي يحدث بين بعض الشباب والفتيات في فترة الخطبة شيء آخر. اللقاء المشروع بين المخطوبين يتيح لكل منهما أن يعبر عن مشاعره تجاه الآخر، ويعطي الفرصة لكل حوار موضوعي هادف يستكشف كل طرف من خلال ثقافة الآخر وطريقة تفكيره، ورؤيته للحياة المستقبلية، وهذا هو المطلوب».

وتفرق الأستاذة الأزهرية هنا بين المشاعر العاطفية الراقية التي من الطبيعي أن تتبادل بين الشاب والفتاة خلال فترة الخطبة، وبين الإسفاف اللفظي والسلوكي بين المخطوبين عن طريق الوسائل العصرية مثل مواقع التواصل الاجتماعي، التي أتاحت لمستخدميها تبادل المشاعر والصور الحية من خلال غرف الدردشة، لأن مثل هذه الدردشات التي تحمل مشاعر فياضة أو صور فيها كشف للعورات قد يطلع عليها آخرون، ولا ينبغي أن يتورط شاب وفتاة مقبلين على الزواج في انحرافات سلوكية من هذا النوع.

وترفض أستاذة الشريعة الإسلامية اتهام العلماء ورجال الفتوى بالتضييق على الشباب خلال فترة الخطبة، «الآداب الإسلامية لا تضع حواجز بين المخطوبين، فالتهاون مرفوض ومدان، وكذلك التضييق، فالإسلام جعل الخطبة فترة تعارف واختبار، ولا سبيل لتحقيق التواصل الأخلاقي بين الراغبين في الزواج إلا من خلال اللقاء المنضبط بضوابط الإسلام وأخلاقياته».

 

مقالات ذات صلة