22 يناير 2023

عفراء سالم: تطوعي في أزمة «كورونا» قادني لمنصبّ مديرة مستشفى الكويت في الشارقة

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

عفراء سالم: تطوعي في أزمة «كورونا» قادني لمنصبّ مديرة مستشفى الكويت في الشارقة

رسم القدر لها طريقاً مختلفاً بعد أن كانت تحلم بدراسة علم الحشرات، فوجدت نفسها تسلك مجالاً آخر في دراسة علم النفس، وتتخذ من الإخفاقات بداية انطلاق قادها نحو حياة جديدة ملأى بالنجاح والتألق.. هي عفراء سالم، مديرة مستشفى الكويت بالإنابة، مديرة مشروع تطوير وتأهيل الاختصاصيين النفسيين في مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، عضو اللجنة الوطنية لحوادث النقل البحري.

في حوارنا معها أطلّت بنا على جوانب مختلفة من حياتها ومسيرتها التعليمية والعملية، وشاركتنا طموحاتها وأحلامها:

التعليم بالنسبة لنا كفتيات كان أمراً إلزامياً وليس خياراً

عشتِ طفولة مختلفة، هل لك أن تحدّثينا عن أبرز ملامحها؟

نشأتُ يتيمة، وترتيبي الوسطى من بين سبعة إخوة جعل مني طفلة مختلفة تحاسب كشخص كبير في بعض الأحيان، وكطفل صغير في أحيان أخرى. التربية التي تلقّيتها في منزل العائلة الكبيرة، حيث كان رب الأسرة امرأة، زرعت داخلي نزعة التمرّد وأكسبتني الكثير من القوة التي لم تشعرني بفراغ غياب والدي، وكانت المرة الوحيدة التي افتقدت فيها غيابه وأسمع فيها كلمة «بابا» بشكل كبير، بعد انتهاء الدراسة الثانوية، عندما سمعت زميلاتي يتحدثن عن الهدايا التي تلقينها من آبائهن. بحكم عمل والدتي أمينة مخزن في مدرسة وانشغالها عنها احتضنتني جدتي، تلقيت تربية صارمة خالية من العنف، التعليم بالنسبة لنا كفتيات كان أمراً إلزامياً وليس خياراً، عشت حياة أتمنى أن يعيشها كل طفل، حيث كنا نلعب في الحي ونكتشف الأشياء بطريقة بسيطة.

عفراء سالم: تطوعي في أزمة «كورونا» قادني لمنصبّ مديرة مستشفى الكويت في الشارقة

ما الذي قادكِ لاختيار تخصص علم النفس؟

تملّكني شغف الاستكشاف وحلم بأن أكون عالمة حشرات منذ الطفولة، حيث كنت أجوب الحي بحثاً عن الحشرات الغريبة المختبئة تحت الصخور، لكنني صدمت وشعرت بالإحباط لعدم قدرتي على تحقيق حلمي بسب اختياري المسار الأدبي بعد أن وصلت إلى المرحلة الثانوية. حين ذاك أصبحت أمام مفترق طرق، إما الاكتفاء بالشهادة الثانوية أو الاستمرار في الدراسة في تخصص بعيد عما كنت أرسمه.

اتخذت قرار دراسة اللغة العربية في جامعة الإمارات بعد أن رفضت الأسرة دراستي العلوم السياسية أو الإعلام، وبعد أن أنهيت التعليم الأساسي في الفصل الأول في قسم اللغة العربية كان من مجموعة المواد التي اخترت دراستها في الفصل الثاني علم النفس، الذي أثار فضولي لفهم سلوك الإنسان وكيفية التحكم فيه وتوجيهه، لأجتهد وأسعى إلى تغيير مساري الدراسي نحوه، على الرغم من جميع العقبات التي واجهتني في ذلك الوقت في تغيير الكلية والتخصص في الوقت نفسه، وعدم وجود المقاعد الشاغرة.

إلى جانب إدارة مستشفى الكويت ومتابعة 480 موظفاً ، ما زلت أمارس عملي أخصائية نفسية

علمنا أنكِ لم تمارسي العمل في مجال تخصصك بعد التخرج، ما هي أهم المحطات التي توقفتِ عندها قبل أن تتولـيْ إدارة مستشفى الكويت؟

بعد التخرج قررت العمل بعيداً عن مجال التخصص رغبة في اكتشاف مجالات جديدة ومختلفة، ومع رفض الوالدة تلقيت الدعم من جدتي لأنتسب إلى أحد المراكز التدريبية في مجال إدارة الأعمال، والعمل مباشرة في مجموعة شركات الرستماني في مجال السكرتارية التنفيذية.

بعد 6 أشهر انتقلت للعمل في قسم المبيعات والعلاقات العامة، وبعد عام ونصف العام أصبحت المسؤولة عن قسم التوطين في المجموعة، في عام 2004 تقدّمت للعمل ضمن كوادر وزارة الصحة، وبعد قبول اعتمادي من بين 10 متقدمات، تلقيت التدريب اللازم وعملت متنقلة بين مستشفى الكويت والقاسمي، لم أتوقف وعملت باجتهاد للمشاركة في مؤتمرات دولية، والانضمام إلى دورات مختلفة لتطوير قدراتي، حيث سعيت إلى تطوير نفسي وإلقاء المحاضرات، والمشاركة في برامج تلفزيونية وإذاعية.

رشحتني مديرتي السابقة لإدارة المستشفى بعد العمل متطوعة خلال أزمة «كوفيد ـ 19» الذي كشف شخصيتي القيادية، وقدرتي على التعامل مع مختلف المواقف، وإلى جانب إدارة مستشفى الكويت ومسؤولية متابعة 480 موظفاً من الفئات التمريضية والإدارية والفنية المختلفة، ما زلت أمارس عملي أخصائية نفسية بشكل مستمر.

ما هي أكثر الحالات التي ترد إلى عيادة الصحة النفسية في المستشفى؟

جميع الاضطرابات النفسية كالقلق والوسواس القهري والاكتئاب والفصام التي تصيب البالغين، وحالات فرط الحركة، وتشتت الانتباه الذي يصيب الأطفال.

خلال المشاركة في مؤتمر صحتي التاسع في الشارقة

كيف يمكن للأسرة حماية أطفالها من تأثير التكنولوجيا المتطورة وتغيير نمط الحياة الذي ألقى بظلاله على العملية التربوية؟

لا يخفى أن الجينات الوراثية والبيئية من أهم أسباب فرط الحركة وتشتت الانتباه الذي يمكن أن يصيب الأطفال، فبينما يجتهد الوالدان في تربية أبنائهم يعاني الطفل هذه المشكلات بسبب عدم وجود المساحة الكافية للحركة، ووجود الأجهزة وتناول الحلوى بكثرة. ففي ما مضى كان الطفل يعود من المدرسة ليجد ما يكفي من الوقت لأداء واجباته المدرسية المعقولة، وقضاء ما تبقى من الوقت مع أسرته وأقرانه، ولكنه أصبح اليوم مقيداً بمزيد من الواجبات المدرسية التي تستنزف من وقته الخاص.

كما اختلف مفهوم «الطبيعي» بالنسبة للأهل، بينما أصبحت مطالبهم بطفل هادئ. يقول العلم إن الطفل الهادئ الذي يتبع الأوامر والقوانين بحذافيرها هو طفل غير طبيعي. ولا يسعنا ان ننسى تاثير التحول الرقمي الذي تشهده العملية التعليمية في ابعاد الطفل عن استخدام حاسة اللمس، وتعزيز العلاقة بينه وبين الكتاب، وكثرة التعرض للموجات الكهرومغناطيسية، نتيجة قضاء أوقات طويلة أمام الألواح أثرت في كهربائية دماغ الطفل وتركيزه، وتشتيت انتباهه بسبب صعوبة المناهج التي تفوق قدراته الطبيعية على الفهم والاستيعاب، من حيث كمية المعلومات وتعقيدها.

الإعلام والأفلام والمسلسلات صورت لنا المريض النفسي كشخص خطر أو مخيف

التكريم بمؤتمر صحتي التاسع 2022 في الشارقة

وهل أصبح مفهوم العيادة النفسية أكثر قبولاً في مجتمعاتنا؟

إن أحد أهم استراتيجيات دولة الإمارات في مجال الصحة النفسية القضاء على الوصمة المجتمعية المرتبطة بزيادة الطبيب أو الاختصاصي النفسي، والتي غالباً ما تعود أسبابها إلى تأثير الإعلام والأفلام والمسلسلات التي صورت لنا المريض النفسي كشخص خطر أو مخيف، ما حدا بالدولة إلى الاهتمام بالمرض النفسي أو الاضطراب النفسي وتغليفه بمسميات ومصطلحات جميلة ليصبح أكثر تقبلاً، كالرفاه النفسي والصحة النفسية، ونشر الوعي النفسي من خلال تدريب الاختصاصيين النفسيين وتأهيلهم، وافتتاح العيادات النفسية كجزء من مراكز الرعاية الأولية، فعلم النفس هو علم الحياة، وإجادة فنياته تجنّبنا التعرض لأزمات نفسية، وتمنحنا الصلابة التي تؤهلنا للتعامل مع الأزمات والصدمات.

ما هي طموحاتك على المستويين الشخصي والعملي؟

طموحي الشخصي أن أصل إلى مرحلة مُرضية من الصفاء النفسي والروحي، أما على صعيد العمل بعد إدارة مستشفى الكويت فأطمح إلى تولي أي منصب أقدّم فيه خدمة للوطن والمجتمع.

عفراء سالم: تطوعي في أزمة «كورونا» قادني لمنصبّ مديرة مستشفى الكويت في الشارقة

ما هي أبرز التحديات التي واجهتكِ في مجال العمل؟

أكبر تحدٍ بالنسبة لي كان تقبل ذاتي دون شروط، وهي النقطة التي انطلقت منها في التعامل مع الحالات. تعرية النفس تساعد الشخص على التعامل مع المشاكل التي تزعجه، ومواجهة مواقف مماثلة في المستقبل بكل صلابة، فكل شخص منا لا يزال في داخله طفل لا يمكن إحكام السيطرة عليه.
الكثير من الأشياء تغيرت بعد أن فقدت والدتي عام 2015، أصبحت أعرف أخطائي وعيوبي واتخذت من إخفاقات حياتي بداية لمراحل تألق جديدة.

* تصوير: السيد رمضان

 

مقالات ذات صلة