10 يناير 2022

ابني يكرهني.. ما العمل؟

محررة متعاونة

ابني يكرهني.. ما العمل؟

كراهية بعض الأبناء لآبائهم وأمهاتهم أو أحد الوالدين والناتجة عن قسوتهم الشديدة سبب مهم وراء العديد من المشاكل النفسية والاجتماعية التي تعانيها الأجيال الجديدة، لذلك حذرت منها الكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية التي ناقشت مشاكل الطفولة، وأكدت أن عقاب الأطفال بالضرب يولد الكراهية تجاه المربي ويجعلها علاقة خوف لا علاقة حب واحترام.

وهذه الأزمة تمر قاسية جداً على الأم وهنا لا بد أن تقف وتراجع نفسها وتبحث عن الأخطاء التي ارتكبتها في تربية أبنائها وتعمل على إصلاحها، وقد تمر باكتئاب بسبب ندمها وإحساسها بالذنب وجلد الذات على فشلها في تربية أولادها واكتساب محبتهم وقربهم.

طرحت «كل الأسرة» هذه القضية على أساتذة الطب النفسي والتربية والعلاقات الأسرية وسألتهم: لماذا يكره بعض الأبناء أمهاتهم أحياناً؟ وما هي علامات كراهية الأبناء للأم أو الأب؟ وكيف تصلح الأم علاقتها بأولادها؟

ابني يكرهني.. ما العمل؟

أسباب الكراهية

في البداية يؤكد الدكتور باسم سليمان، استشاري الطب النفسي بكلية الطب جامعة الإسكندرية وعضو الجمعية المصرية للطب النفسي، أن من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى كراهية الأبناء للأب أو الأم هو تعارض أساليب التربية بين الوالدين مما يؤدي إلى كراهية الأبناء لأحدهما وضعف القرب والميل نحوه.

ويقول «للأسف الأم بالذات تفعل من أجل أولادها أشياء عظيمة وتضحي من أجلهم بالغالي والنفيس ولكنها قد تنسى أحياناً التعبير عن حبها لأولادها بالكلام مثل كلمات «أنا أحبك» وكذلك تنسى احتضانهم وتقبيلهم لكي يشعروا بالدفء والحنان. كما أن الكثير من الأمهات تقع في خطأ كثرة انتقاد الابن وتحميله مسؤولية كل الأخطاء التي يرتكبها بشكل مبالغ فيه مما يشعر الأبناء بالضيق والحصار المستمر من قبل الأم فيؤدي ذلك إلى كرهها».

ويحذر استشاري الطب النفسي الأمهات من عدم أخذ رأي الأبناء والاستهانة وميولهم وتطلعاتهم خاصة في الأمور والقرارات المرتبطة بهم مثل اختيار الملابس وممارسة الرياضات والهوايات المختلفة.

وكذلك ينبغي الاهتمام بإنجازاتهم والاستماع والإنصات باهتمام لمشكلاتهم وأي أمور تخصهم حتى يشعروا بالاهتمام.

ويضيف «يجب أن تكون الأم متفهمة لحاجات ابنها خاصة في مراحل المراهقة حيث يشعر الأبناء في هذه المرحلة أنهم كبار بالقدر الكافي ولا يحتاجون لنصيحة أحد ويشعرون أنهم يستطيعون تقدير ما هو صواب وما هو خطأ دون الحاجة للمساعدة، لكن تفهم الأم لنفسية ابنها وقربها منه في هذه المرحلة الحرجة يجب أن يكون بشكل حكيم ودون إسراف حتى لا يشعر بالضيق والخنق، بحيث تسمح له باتخاذ القرارات المهمة في حياته دون تعنت وفرض لرأيها عليه، كما أنها يجب أن تتقبل فكرة أن ابنها، أو ابنتها، الذي كان يحبو منذ سنوات قليلة قد كبر وأصبح مدركاً للكثير من الأمور ويحتاج لبعض الحرية».

ابني يكرهني.. ما العمل؟

لا للضرب والتهديد

وتتفق معه الدكتورة هالة حماد، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين والعلاقات الأسرية، بأن من الأخطاء المنتشرة في تربية الأبناء والتي تتسبب في حدوث الكراهية لدى الطفل تجاه الأب أو الأم استخدام أسلوب التهديد في كل صغيرة وكبيرة، وهو للأسف من أكثر وسائل العقاب كسلاً وسهولة حيث تقوم الأم بتهديد ابنها بحرمانه من المصروف ومن الهاتف ومن زيارة الأقارب ومن الخروج ومن كل ما يحبه إذا صدر منه أي خطأ حتى ولو بسيطاً مما يضر بالثقة والترابط بين الأم وأطفالها، فبدلاً من أن تقول له إن هذا السلوك غير مقبول اعتمدت على مضايقته وتعنيفه بشكل مؤذ له نفسياً.

وتبين «للأسف بعض الآباء والأمهات يلجأون إلى ضرب أطفالهم عند حدوث خطأ مما يسبب عوامل سيئة للطفل ويدمر نفسيته ويولد كراهية لديه تجاه ضاربه ويقتل المشاعر الإيجابية المفترض أن تجمع بينهما وتقربهما من بعض، وتصبح العلاقة بين الطفل ووالديه علاقة خوف لا احترام وتقدير كما أن الضرب لا يسبب الكراهية فقط بل ينشئ أبناء انقياديين لكل من لا يملك سلطة وصلاحيات أو أكثرهم قوة، وهذا الانقياد يضعف الشخصية لدى الأبناء ويجعلهم شخصية أسهل للانقياد والطاعة العمياء».

وتشدد استشارية نفسية الطفل على أن الضرب يلغي الحوار بين الطفل ووالديه ويولد لديه العدوانية ويزيد من حدة عناده وتولد لديه الرغبة في الانتقام من الأهل نتيجة التربية المتعنتة القاسية التي تعرض لها.

ابني يكرهني.. ما العمل؟

"صراخ الأم ضار جداً بصحة الطفل"

من جانبه، يؤكد الخبير التربوي الدكتور محمد حسين رضوان، المتخصص في نفسية الطفل وتعديل السلوك، أن الصراخ والعصبية من أكثر المشاكل التربوية شيوعاً، فهناك الكثير من الأمهات التي تعتمد في تربية أبنائها على الصراخ والعصبية كوسيلة لفرض السيطرة عليهم وتنتقدهم دائماً، وتبدو طوال الوقت غير راضية عن أي شيء يفعلونه، وقد يصيب ذلك الأطفال بالإرهاق النفسي والإحباط ويؤدي إلى كراهية للأم مع مرور الوقت وقد يرغبون في الابتعاد عن الأم تماماً من أجل إيجاد السلام النفسي فيلتصقون في الأب أو الجد أو الجدة أو الخالة.

ويوضح «صراخ الأم ضار جداً بصحة الطفل وأن الآثار السلبية الناتجة عن ذلك يمكن أن تظل مع الأطفال إلى سن البلوغ لذلك كثيراً ما أطالب الأمهات بالحرص على اللعب مع أطفالهن بصفة منتظمة فذلك سيساعدها على التخلص من نوبات التوتر التي تتعرض لها بفعل عبء المسؤولية الملقاة على عاتقها».

ويضيف «ما المانع أن تدرب الأم نفسها وتتعلم فن التعامل مع أولادها حتى ولو كانوا أطفالاً وتدرب نفسها على التحدث معهم بلباقة وكأنهم غرباء فيشعرون وهم يتحدثون معها بالألفة وعدم التعالي حتى يقبلوا على الإنصات لها؟».

ويلفت خبير التربية إلى أنه رغم الدور الفعال الذي يقوم به الأجداد والجدات في تربية الأحفاد إلا أنهم قد يدمرون العلاقة بين الطفل والأم والأب أحياناً دون أن يقصدوا، إما بربكه وإحداث الكثير من المشاكل له مع أبويه بسبب الاختلافات الشديدة في أسلوب التربية بين الزوجين والأجداد، وإما بتدليله بشكل زائد، «الطفل الحائر في التربية بين الأجداد والآباء من الممكن أن يتحول إلى شخصية غير ناضجة تتلقى الأوامر والنواهي من جهات عدة ومتناقضة وقد يجد الطفل في ذلك اضطرابات نفسية فهو لا يستطيع التعامل مع الجميع لأنهم جميعاً لا يتفقون على المباح والمحظور».

لا تستخدموهم في الصراعات

ابني يكرهني.. ما العمل؟

أما الدكتورة منى أحمد البصيلي، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك والإرشاد الأسري في القاهرة، فترى أن الكراهية من قبل الأبناء قد تأتي بسبب الخلافات والشجار أمامهم بشكل مستمر مما يدمر نفسيتهم ويحدث خللاً نفسياً كبيراً في حياتهم، وتوضح «دائماً ما أحذر الأبوين من استخدام الأبناء في الصراع الدائر بينهما سواء قبل الطلاق أو بعده، بل يجب عليهما إبعادهم تماماً عن تلك المشاحنات ويجب عليهما أن يدركا جيداً أن إنجاب الأبناء لا يعني أننا نملكهم ونحركهم مثل العرائس المتحركة دون أي اعتبار لرغباتهم حتى وإن كان ذلك بدافع الحب، بل علينا أن نترك لهم الفرصة أن يختاروا ويجربوا اختياراتهم حتى وإن كانت خاطئة».

وتواصل «من الواجب على الأبوين عدم إدخال الأطفال في خلافاتهما والعمل على أن يعيش الأبناء في أجواء هادئة لا يشعرون فيها بقدر الإمكان بالانفصال بين أبويهم، حتى لا يتسبب ذلك في كراهيتهم لأحد الأبوين أو كلاهما».

وتهمس الدكتورة منى البصيلي في أذن الأمهات ألا ينسين الابتسامة في وجه الطفل، فابتسامتك تعني له الكثير، «دائماً ما أطالب الأمهات بحضن أولادهن وتقبيلهم وأن يقلن لهم كل يوم أنهن يحببنهم، فمهما كثر ذلك يظلون في احتياج له دون اعتبار لسنهم صغاراً كانوا أو بالغين أو حتى متزوجين ولديهن منهم أحفاد».