د. أحمد النجار: عيد الأب يقودنا إلى التفكير بواجبات الأبوة.. والفتيات أكثر عاطفة وبحثاً عن الحنان
يرتكز دور الأب على الحضور الفاعل والتفاعل الحاضر إذا صح التعبير، فغياب الأب عن دائرة أسرته لا يحسب بالغياب المادي بل بعدم حضوره كمركز «ثقل»، ويعني القيام بدوره في الاحتضان والرعاية والاهتمام.
فالأبوة هي الحضن والملاذ للأبناء، وكل من الأم والأب يؤديان دورهما المتمايز عن الآخر ويصب هذا الدور في تعزيز الأمان النفسي والأسري بحيث يشكل «حائط صد» ضد كل مغريات الواقع الراهن ومرتكز قوة لمواجهة التحديات.
د. أحمد النجار
في عيد الأب، يرصد الدكتور أحمد عبد العزيز النجار، أكاديمي ومستشار نفسي، مفهوم الأبوة، الأدوار المتعددة للأب وأنماط الأب التي يصادفها من خلال الاستشارات، إلى حضور الأب وأثر هذا الحضور داخل العائلة.
في البداية، يوضح مفهوم الأبوة «الأب له ثلاثة معان: أولها معنى لغوي وهو الأب البيولوجي، وثانيها معنى اصطلاحي ويعني الاحتضان (الرعاية والوقاية وغيره)، وثالثها معنى ذاتي حيث يكون لدى كل فرد مفهوم الأبوة مغايراً للمعنى الاصطلاحي، مثال ابن تخلى عنه والده فيدرج معنى الأب ضمن مفهوم الحرمان، أو آخر يجسد مفهوم الأب بالحنان أو التضحية وغيرها من المعاني».
بين الأمومة والأبوة يتجلى المعنى الأجمل، إلا أن ثمة تمايزا «الأبوة معناها الاحتضان، في حين أن الأم تعني الحضانة وهما مفهومان يدرجان ضمن نفس المعنى ولكن لدى الأب يعطي معنى التفعيل، بحيث أن الابن لا يريد مشاعر والده بل يريد أفعاله، في حين أنه (أي الابن) يريد مشاعر أمه وأفعالها. فالحضانة أشمل وهي تختص بالأم، في حين أن الأبوة تعني الاحتضان والرعاية والحماية والتشجيع».
فهل هذا ينسحب على الابنة؟ وهل الابنة تريد سلوكيات الأب أكثر من مشاعره؟ يجيب د.النجار «في هذه الحالة، نعود للفروق الفردية بين الأبناء والبنات. الفتيات أكثر عاطفة وأكثر بحثاً عن التقبل والحنان وهن أقل قدرة على تحمل الحرمان، في حين أن الأبناء الذكور (البعض وليس الكل) «لوح ما فيه إحساس» ولو تعرض بعضهم للضرب لا يتحطم ولا يؤثر فيه، رغم أني لست من مؤيدي العنف بتاتاً».
الأب «البعيد - المبتعد».. والأب المتساهل!
من خلال تماسه مع الكثير من الشرائح الاجتماعية، يستنبط أنماط الأب، وهي أربعة:
- أب غير مبال ومتساهل.
- أب حازم وجاد.
- أب مدلل.
- أب متسلط يتعامل من باب الاستبداد.
بيد أن النمط الأكثر تجلياً هو نمط «الأب البعيد- المبتعد»، كما يصفه د. النجار، لافتاً «لست من مؤيدي القرب كثيراً ولكني من مؤيدي الحضور –الحضور وقت الحاجة، الحضور القلبي والاحتضان الدائم رغم البعد في المسافة».
يوضح «لدى الآباء كل هذه الصفات من حزم وقت الجد واستبداد عند الزعل والدلال واللامبالاة والتساهل، لكن اللون الأغلب هو اللون المتساهل، والأب المتساهل هو أب تنازل عن دوره التوجيهي لأبنائه وتركه للمجتمع والتلفاز والأجهزة الإلكترونية و... أما الأب الحاضر –الغائب، فيمكن أن يكون حازماً أو لامبالياً أو حتى حازماً ومدللاً. فالغياب ليس الجوهر، بل قد يكون حضوره ولو العابر هو مركز علاقته بأسرته حيث يجدونه عند أي مشكلة وعند أي مفترق».
الحزم مع الأبناء وتجاه نفسي كأب
ولكن ما هي الطريقة الأجدى للتربية؟ يوضح د. النجار «أفضل طريقة في التربية هي» الدلال الحازم «والحزم لا يعني التسلط بل أمارس هذا الحزم تجاه نفسي وحياتي، أن أكون جدياً استناداً إلى دور الأبوة في ترسيخ القوانين الواجب الالتزام بها، بعيداً عن التسلط بحيث إن مفهوم الدلال الحازم يستهدف الابن في الحزم أكثر ويزيد الدلال للبنت، مع الحزم في بعض المواقف لتعرف الابنة القواعد التي ترضي ولا ترضي».
ويضيف «النجاح في قدرة الأب على تجنب أخطر صفة وهي «التساهل» لأنها تقود إلى تسليم ابني أو ابنتي على طبق من ذهب إلى الآخر أياً كان هذا الآخر، إلى أصدقاء السوء، الإنترنت، الشارع، وغيره».
التربية سهلة ومرتكزها أن نستقي من قيمنا لتنشئة أبنائنا وفق منظومة قادرة على مواجهة تحديات الحياة وأن نكون قدوة لأبنائنا بالسلوك والفعل
يعلن أستاذ علم النفس جوهر الأزمة بصراحة مطلقة «مشكلتنا الجوهرية هي في التخلي الفكري عن القيم حيث لا نشرح القيم بشكل صحيح ولا نطرحها بشكل صحيح ولا نؤكدها بطريقة ثابتة. فالتربية غير صعبة وكل جيل من الأبناء قادر على التكيف وأنا أقول: خافوا على الدين ولا تخافوا على أبنائكم، فالحرص على الدين هو الأساس ويجب أن أكون قدوة لأبنائي في كل الأوقات وفي سلوكياتي، فلا أصلي والباب مغلق أو أصلي مختفياً. لا أشدد على أبنائي ولكن أوجههم بطريقة إيجابية».
الاختلاف بين الأب والأم.. تكامل في التربية
سبق وتطرق د.النجار إلى متطلبات الرعاية في تنشئة أبنائنا. فهل الرعاية الأبوية كفيلة بالحد من الآثار السلبية التي تحيطنا أم أن ثمة دوراً تكاملياً بين الأم والأب؟
يرى أن التكامل هدف كبير «الاختلاف كذلك هو نجاح لأن الاختلاف تكامل. فالأم تحتضن والأب يغضب، وهذا يدرج ضمن تبادل الأدوار. فالتناقض بين الأب والأم في تعاملهما مع أبنائهما يحقق شمولية ولا أعارض ذلك».
بيد أن ثمة دراسات تؤكد أن الأب يجب أن يكون الحضن والملاذ، بعيداً عن التعنيف والصراخ وأساليب العقاب. يجيب المستشار النفسي «قبل اعتماد أساليب للعقاب، لا بد من اعتماد أساليب الاحتضان وقبل أساليب الاحتضان، نحتاج إلى معرفة «ماذا نريد». فالتربية ليست أداء مهام، بل هي نتائج. ابحث عن نتائجك لتعرف إذا كنت تربوياً ناجحاً والبحث عن النتائج يكون من خلال الاهتمام الدراسي، الاستقرار النفسي، بناء شخصية أبنائنا وتنشئة أبنائنا على مواجهة التحديات في المجتمع ومعرفة ماهية هذا المجتمع، هل هو المجتمع التقليدي الإماراتي أم المجتمع المنفتح الإماراتي أم المجتمع الكوني الإماراتي. الحقيقة أننا يجب أن ننشئ أبناءنا لمجتمع «العالم الإماراتي»، في ظل ما يتسم فيه هذا العالم من اختلافات وتناقضات واختلاف الأجناس والتربية على الألوان، وهي أمور خطيرة تواجه أسرنا في الوقت الراهن».
وإذ نعيش في مجتمع واحد و«متورطين ببعضنا بعض»، وفق توصيف د.النجار، فلكل فرد أدوار لخدمة المجتمع نهدف إلى دعم المجتمع من خلال معرفة الأهداف وانتهاج خطوات عدة في التربية ترتكز على أن:
- أعرف ماذا أريد من ابني.
- أتلمس المهارات التي يحتاجها.
- أساعده على اكتساب المهارات.
- أعمل على بناء شخصيته.
- أترك ابني «يدفش» في الحياة مع معرفة مسبقة أن ملاذه هو المحتضن (الأب).
يوجه د.النجار، الذي تم اختياره ضمن «قائمة علماء النفس الاجتماعيين العالمية» كأول عالم من الشرق الأوسط والعالم العربي، رسائل للأب لإرساء حياة اجتماعية صحية «كل أب يعتبر أن عيده يقترن بأبنائه وما دام «أبناؤه بخير، فهو بخير» والأم تحتاج أكثر إلى العيد لأنها عاطفية أكثر. عيد الأب هو عيد رمزي يقودنا إلى التفكير بواجبات الأبوة وهي الاحتضان، تقبل أبنائنا وتشجيعهم وتوجيههم لتحقيق أهدافهم».
د. النجار: دللت جميع أبنائي ولكن البنات أكثر عاطفة ويحتجن لدلال أكثر
أبو البنات... حالياً!
كأب لثلاثة أبناء وثلاث بنات، يخبرنا د. النجار عن دوره كأب والمبادئ والأساسيات التي يستند إليها في تربيته لأبنائه، (يضحك) «كل علم النفس أطبقه عليهم. فقد رزقت بأول ثلاثة أبناء ومن بعدهم ثلاث بنات والفكرة أن الأسلوب اختلف. في السابق، عندما كنت أباً للأبناء، كنت أكثر حزماً ولكن بعد أن أصبحت أباً للبنات، بت أكثر حناناً وعاطفة».
يعتبر د. النجار أباً ديمقراطياً مع القليل من «التوجيه الإلزامي»، «أؤمن أن الوضوح هو المرتكز بحيث يجب أن يتعلم الابن الخطأ والصواب ويمايز بينهما. من جهتي، أوجه أبنائي وأعتبر أباً حازماً في مسألة القيم وأدعو لهم في كل صلاة لكن لا ألزمهم في مستقبلهم وتوجهاتهم، وحتى لو ارتأوا تغيير المدرسة لمرات عدة لا أمانع أو حتى تغيير تخصصهم الجامعي. وأرى أن الحماية الجوهرية هي حماية ربانية ومن ثم توجه قلبي إذ عندما يدخل الشك في قلبي، يدخل الشك إلى قلب أبنائي. وأنا أؤمن أن علم النفس هو علم عميق يحرك الإنسان بداخلي وليس المقصود بالتوجه القلبي والحماية الربانية التغافل، بل أقصد أن أكون أباً حازماً ومدللاً والمحتضن في الوقت نفسه».
نسأله: بصراحة، من دللت أكثر الأبناء أم البنات؟ يجيب «حسب صفات الشخص ولكن البنات أكثر، ولكن في حال سؤالهم، سيعتبرون أنفسهم كلهم مدللين». ويصف نفسه كأب «حنون وواضح وحازم بدلال ومشجع»، ويوجه رسالة لأبنائه في يوم الأب «عيد الأب الحقيقي لي هو رؤية أبنائي بخير وصحة وسلامة، وهم يحققون أحلامهم ويرتقون بطموحاتهم».
* تصوير: السيد رمضان