26 أكتوبر 2023

بين تجميع كراكيب وهواية اقتناء أشياء.. كيف تميز الاكتناز القهري؟

محررة في مجلة كل الأسرة

بين تجميع كراكيب وهواية اقتناء أشياء.. كيف تميز الاكتناز القهري؟

يعد جمع المقتنيات من الأشياء المحببة لدى البعض، خاصة إذا تم الاهتمام بها وترتيبها، إلا أن هناك من يعاني اضطراب الاكتناز القهري والذي يدفع صاحبه إلى حب جمع الأشياء وعدم التخلص منها مهما كانت تالفة أو غير ضرورية، ظناً منه أنه سيحتاج إليها يوماً ما، وهو ما قد يسبب انزعاجاً لدى المحيطين به وربما الضيق للشخص نفسه.

في السطور التالية نتعرف من المختصين إلى أسباب وتداعيات هذا الاضطراب، وهل يفسد هواية اقتناء الأشياء، وكيفية التصرف مع الشخص المصاب به:

بين تجميع كراكيب وهواية اقتناء أشياء.. كيف تميز الاكتناز القهري؟

مريم محمد، ربة منزل، تقول «أعاني مشكلة كبيرة وهي عدم قدرتي على التخلص حتى من أبسط الأشياء التي أمتلكها، فإذا اشتريت تلفزيوناً جديداً أحتفظ بالكرتونة الخاصة به ولا أتخلص منها بحجة احتياجي لها إذا أردت نقله إلى مكان آخر، وإذا أقدمت على شراء أواني مطبخ جديدة لأن القديمة أصبحت غير صالحة للاستخدام أجد نفسي أضعها في أحد أدراج المطبخ لحين الاحتياج إليها، ولا أنكر أن هذا الطبع يسير على أي شيء أمتلكه حتى ملابسي القديمة لا أستطيع التخلص منها، وعندما يحرجني زوجي ويقول لي اجعلي منها صدقة تنفعك فربما يحتاجها غيرك، أخبره بأنني سوف أتصدق بالمال ولكن ليس بأغراضي، والحقيقة أنني أدرك جيداً أنني أعاني مشكلة ولكني لا أستطيع أن أجد لها حلاً».

الاكتناز القهري.. بين الفوضى والترتيب

ويشرح محمد حسين، مهندس، رأيه فيما يخص هذا السلوك «أعتقد أن هذه الشخصية لديها تخوف مستمر من المستقبل، وحرص شديد على الحياة والتمسك بها، وللأسف يرى أصحاب هذه الشخصية أنهم على حق بما يفعلونه ويجب على الجميع التحلي بهذه الصفة، فمنهم من يكنز الأشياء ويرتبها داخل مخزن مجدول ومدون كل شيء فيه، وعلى النقيض هناك من يجمع أشياءه داخل صناديق ويغلفها ولا يدري ما بداخلها وبعد فترة من الزمن لا يتذكر ما لديه وربما يذهب لشراء شبيهها من السوق، وقد واجهت الكثيرين منهم، وإن كان ليس جميعهم على خطأ، فلدى أحد أصدقائي مخزن كبير يضع فيه قطع غيار ومستلزمات السيارات وأكسسواراتها، وإن كان لا يعيبه ذلك لأن المخزن يشبه مستودعاً لشركة عالمية كونه منظماً ومرتباً ومسجلاً لديه كل محتواه، وأتمنى أن تكون كل هذه الشخصيات كذلك».

بين تجميع كراكيب وهواية اقتناء أشياء.. كيف تميز الاكتناز القهري؟

أما فاتن فتحي، مديرة علاقات عامة وإعلام، فتوضح «عندما يقتنع من يعاني الاكتناز القهري بأن لديه مشكلة ينجح في التخلص منها، فالاقتناع هو استهداف تغيير موقف أو سلوك لشخص ما تجاه أمر معين أو فكرة، إذ يتطلب ذلك مهارات تمكنهم من تغيير سلوكياتهم وقناعاتهم، وما أود أن أشير إليه هو عدم وضع التفاح بكل حالاته في سلة واحدة، فعشاق اقتناء الانتيكات والتحف الأثرية بريئين من ذلك ويجب ألا نساويهم بمن يمتلك الكراكيب».

الاكتناز القهري اضطراب يجد فيه الشخص صعوبة في التخلص من الأشياء والتخلي عنها

من جهته، يوضح الدكتور حسين مبارك، حاصل على البورد النمساوي في الطب النفسي والأعصاب، تعريف الاكتناز القهري وصفات من يعانيه «يعد الاكتناز القهري اضطراباً يجد فيه الشخص صعوبة مستمرة في التخلص من الأشياء والتخلي عنها بسبب اعتقاده بحاجته المستمرة لها، فينتابه الشعور بالضيق لمجرد التفكير في التخلص منها، ما يدفعه تدريجياً إلى اقتناء عدد كبير من الأغراض وتجميعها بغض النظر عن قيمتها الفعلية، وهو ما يؤدي إلى ازدحام مكان المعيشة، وعادة ما تتكدس الأشياء على الطاولات والأحواض والمكاتب والدرج وجميع الأسطح الأخرى، وعندما لا يتبقى أي متسع في المكان لمزيد من الأغراض، قد تنتشر الفوضى لتنتقل إلى مرآب السيارات وإلى المركبات وغير ذلك من أماكن التخزين في المنزل».

بين تجميع كراكيب وهواية اقتناء أشياء.. كيف تميز الاكتناز القهري؟

يشير الدكتور حسين مبارك «تتراوح شدة الإصابة باضطراب الاكتناز من الدرجة الطفيفة إلى الشديدة، ففي بعض الحالات قد لا يؤثر بدرجة كبيرة في حياة الشخص، بينما في حالات أخرى يؤثر بدرجة خطيرة على أداء مهامه اليومية، وقد لا ينظر المصابون بهذا الاضطراب على أنه مشكلة، مما يجعل إقناعهم بالخضوع للعلاج أمراً صعباً، في حين يساعد العلاج المركز على فهم كيفية تغيير المعتقدات والسلوكيات. وغالباً تظهر الأعراض الأولية لاضطراب الاكتناز من فترة المراهقة وحتى سنوات البلوغ الأولى، ومع تقدم العمر يستمر المصاب في الاحتفاظ بأشياء قد لا يستخدمها أبداً ولا يملك مساحة لها، وفي منتصف العمر يمكن أن تصير الفوضى هائلة مع زيادة شدة الأعراض وصعوبة معالجتها».

كيف تعرف الشخص المصاب بالاكتناز القهري؟

يعرف الشخص أنه مصاب باضطراب الاكتناز القهري عندما ينتابه:

  • الشعور بالحاجة إلى الاحتفاظ بالأشياء والانزعاج من فكرة التخلص منها.
  • الشعور بالأمان والراحة عند وجود تلك الأشياء من حوله.
  • الرغبة في تملك الكثير من الأشياء رغم التأكد من عدم الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تراكم الفوضى إلى الحد الذي يعيق استخدام غرف المنزل، كالذي يحتفظ بالصحف أو الملابس أو أوراق العمل أو الكتب أو أشياء لها ذكرى عاطفية.

بين تجميع كراكيب وهواية اقتناء أشياء.. كيف تميز الاكتناز القهري؟

يعلق الدكتور حسين مبارك «الأشخاص الذين يحبون امتلاك أشياء معينة، مثل هواية جمع الطوابع أو السيارات أو العملات أو اللوحات أو السجاد أو قناني المشروبات، هم أكثر تنظيماً وتكون سلوكياتهم مقبولة اجتماعياً لأنها مرتبة ونظيفة بعيدة عن الفوضى، كما أنها لا تسبب شعور صاحبها بالحزن ولا تجعله يعاني مشكلات في أداء المهام كما هي الحال مع اضطراب الاكتناز القهري، فهناك مثلاً من يكتنز الحيوانات وقد يجمع العشرات منها ويحتفظ بها داخل المنزل أو خارجه، وغالباً لا تتلقى هذه الحيوانات الرعاية اللازمة بسبب أعدادها الكبيرة، وقد يكون الشخص نفسه عرضة للخطر بسبب الظروف غير الصحية الملائمة ومع ذلك لا يستطيع التخلص منها».

المشاكل الناجمة عن الاكتناز القهري؟

  • قد يعاني صاحبها صراعات دائمة مع الأشخاص الذين يحاولون تقليل الفوضى في المنزل أو التخلص منها.
  • قد يعاني مشكلات في العمل وفي العلاقة العاطفية إن وجدت فيتجنب بسبب ذلك الأنشطة الاجتماعية.
  • قد يعاني صعوبة في تنظيم الأشياء وأحياناً فقدان أشياء مهمة وسط تلك الفوضى العارمة.

بين تجميع كراكيب وهواية اقتناء أشياء.. كيف تميز الاكتناز القهري؟

وفي معرض حديثها عن هذا الموضوع، تقول سهى عبدالله، أخصائية لغة وتواصل ومدربة في التنمية الذاتية، «من المهم عندما يجد الشخص نفسه محباً لتملك الأشياء من حوله، ألا يطلق على ذاته أنه يعاني الاكتناز القهري، لأن ذلك يمكن أن يرسخ بداخله الشعور بأنه لا يستطيع التخلص منه، ومن الأفضل أن يقتنع بأن لديه مشكلة أصبحت تسبب له إزعاجاً على المستوى الشخصي والمحيطين به، ولابد من العمل على التخلص منها، فهناك من يجمع الأشياء كونها تشعره بقيمته الذاتية والإنجازية وعندما نلح عليه بضرورة التخلص منها، كأننا نقول له تخلص من قيمتك الذاتية أو جزء من شخصيتك، وربما يدفعه ذلك إلى التمسك أكثر باكتناز الأشياء».

وتكمل سهى عبدالله «لابد من التعامل مع من يعاني هذه المشكلة بطريقة مختلفة، وتكون الخطوة الأولى بتوجيهه نحو قيمته الحقيقية، والمتمثلة في ذاته وروحه، وعندما يقتنع الإنسان بهذا المبدأ تدريجياً يمكن من بعد ذلك أن نطلب منه التخلي عن أشياء كان ومازال يعتقد أنها تمثل مشاعر عاطفية تعكس جزءاً منه، فهناك من يقتني شيئاً بطريقة مبالغ فيها ويقول: «إنها تعكس شخصيتي»، فالتدرج مهم مع هؤلاء الأشخاص وليس بإعطائهم الأوامر للتخلص من الكراكيب حولهم».

الاكتناز القهري قد يكون في العلاقات وعدد المتابعات و«اللايك» و«الشير»

تضيف سهى عبدالله «أود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن الاكتناز لا يتمثل فقط بجمع الأشياء فربما يكون في خوض عدة دورات مرة واحدة وعدم إكمال واحدة منها أو الدخول في علاقات اجتماعية كثيرة ربما لا تكون ناجحة وتحمل معها أعباء كثيرة، أو حتى في حرص «البلوجرز» على عدد المتابعات واللايكات، وغيرها من المظاهر التي تشعر الشخص بقيمته الذاتية أو هكذا يظن.

ومهما كانت القرابة مع هذا الشخص الذي يعاني الاكتناز القهري بأشكاله المتعددة فلابد من الابتعاد تماماً عن إجباره على التخلص من تلك العادة غير المحببة، والتعامل معه بطريقة واحدة وهي الموعظة الحسنة، كأن ترشده لطريقة تمكنه من التخلص من هذا العبء أو تكون أنت دليله في أن يتعرف إلى قيمته الذاتية الحقيقية والبعيدة عن الأشياء الحسية، كما أن سؤاله عن مدى رضاه عن حياته وهل هو سعيد أم لا، وإذا كانت الإجابة بلا، فيمكن أن تسلط الضوء على مشكلته سواء المرتبطة بالأشياء المتراكمة أو العلاقات السامة التي يتمسك بها وتخبره أنها هي سبب عدم سعادته، أما مواجهته بمشكلته والإصرار على التخلص منها بسرعة فربما تأتي النتيجة عكسية ويتمسك الشخص أكثر برأيه».