في الغالب، تكون المرأة هي الضحية في العلاقة الزوجية، إلا أن ثمة رجالاً أيضاً يستكملون حياتهم الزوجية حفاظاً على استقرارهم العائلي. ولكنها حالات قليلة. فهناك نساء حرمن من أولادهن لجهلهن وبتن ضحايا لأزواج متعنتين أو أهل يرفضون طلاقهنّ أو مساعدتهنّ لاحتضان أبنائهنّ.
تلك أم ضحية تعنت والدها الذي أجبرها على التنازل عن كافة حقوقها وعن الأبناء، وهو ما تؤكده المحامية والمستشارة القانونية موزة مسعود «هذه المرأة ضحية معاناة وأمراض نفسية وجحود من الأهل ونكران جميل من الزوج بعد 12 عاماً من الزواج ، وضحية جهلها بالقانون، حيث القضية لم تزل في المحاكم وأعمار الأبناء صغيرة، إلا أن الزوج يرفض رفضاً تاماً رؤية أبنائها ويقوم بحيل لعدم اللقاء بهم».
شهدت حالات كثيرة لطرد زوجات من البيت لإدراك الأزواج بعدم قدرة زوجاتهم على الخروج من عباءتهم
من خلال الحالات التي تواكبها، تلفت المحامية والمستشارة القانونية موزة مسعود إلى أنّ المرأة كانت تلجأ للمحاكم لإنصافها «في السابق، معظم قضايا الأحوال الشخصية تنصب على طلب الطلاق للضرر أو لعدم إنفاق الزوج على أسرته أو هجرها وعدم منحها حقوقها الشرعية أو خيانته لها بعد كشف علاقته بأخريات». يكمن دور الضحية في «سكوت المرأة على هذا الواقع لسنوات كثيرة تصل إلى أربعين عاماً من باب عدم إفشاء أسرار الزوجية والحفاظ على أسرتها حيث الأبناء هم ركيزة الصبر ولكون العادات والتقاليد لا تسمح لها بالطلاق».
في هذه الحالة، لا يقدّر الطرف الثاني صبرها ودورها في الحفاظ على الكيان الأسري «في حالات كثيرة، يعزو الرجل صبر المرأة إلى كونها قليلة الحيلة ولكون أهلها غير مستعدين لاحتوائها ولا تمتلك أي ذخيرة للخروج من واقعها من عمل ودراسة وكيان مستقل، ما يقوده إلى استغلال واقعها والتعرض بالسباب والشتائم لها ولأسرتها وممارسة العنف ضدها، وصولاً إلى طردها من المنزل، وشهدت حالات كثيرة لطرد زوجات من البيت لإدراك الأزواج بعدم قدرة زوجاتهم على الخروج من عباءتهم». بيد أن المرأة ليست ضحية على الدوام وأكثر من 95% من دعاوى الطلاق ترفعها النساء ولكن لا تكون المرأة ضحية في كل القضايا.
تشير مسعود «قد تكون ضحية شرورها وترغب أن تتكسّب من الرجل وتمارس الضغط النفسي عليه ليحاول، بدوره، إسكاتها بالتنازل وتلبية طلباتها المبالغ بها لكونه في مركز حساس وظروفه لا تسمح له بالتردد إلى المحكمة». واشترط قانون الأحوال الشخصية الإماراتي الجديد وجود الضرر من قبل الطرفين للحد من الطلاق لجهة وجود حكم جزائي.
تلفت مسعود إلى صور جديدة من القهر باتت تطفو على السطح بعضها حقيقي وآخر مختلق «بتنا نرصد الكثير من الحيل والدعاوى الجزائية المختلقة بين الأزواج للحصول على حكم جزائي يسرّع الطلاق، وخلال العشر سنوات الأخيرة باتت المرأة تتحدّث عن هجر الزوج وإهماله وخرجت أسباب جديدة إلى الضوء لدرجة بات الطلاق يسبق الزواج وحتى يستبق الدخول ولأسباب تافهة».
وتكمل" حالة امرأة لا تستطيع الطلاق ليس أمراً عابراً، بل هي قضية تحمل الكثير من الأسى وبالأخص إذا عرفنا أن تلك المرأة الآسيوية تقيم على كفالة زوجها وترفض عائلتها الطلاق بعد «أن «باعوها» بتزويجها من رجل ميسور الحال «لتنجب أطفالاً وتتحمل كل أنواع الأذى وعلى الرغم من ذلك، تتعرّض للتهديد من قبل الأهل الذين يعلنون استعدادهم لذبحها في حال تركت منزل الزوجية». ففي واقع الأمر وبموضوعية، تبدو المرأة هي الأكثر تماساً مع دور الضحية على الرغم من صبرها وجهدها في الحفاظ على أسرتها.
النسبة الأعلى من حالات الطلاق والمشاكل الزوجية هي بسبب مشكلات في العلاقة الحميمة
من خلال رصد الحالات، تؤكد أماني القاضي، مدربة وكوتش معتمد من منظمة التدريب العالمية، خبايا خلف كواليس العلاقة الزوجية وانحدارها بين هوتي التنمر والعنف الجسدي (السادية) والتباعد والهجر(العجز التام) حيث «الوعي والمعرفة هما صمام الأمان لحماية الفرد من جهله وظلمه لنفسه وظلم الآخر له». ومن باب الحياد، تلفت القاضي إلى حالات ظلم للرجل «إلا أنّ القيود والاعتبارات عند المرأة في وطننا العربي كبيرة لدرجة تمنعها من وضع البدائل، والبديل إما الزواج الشرعي أو الانفصال الشرعي، والوقائع التي ترصد في العيادات النفسية والمحاكم تظهر أنّ النسبة الأعلى من حالات الطلاق والمشاكل الزوجية هي بسبب مشكلات في العلاقة الحميمة».
تشرح «القيود على المرأة أكثر من الرجل ولكن خجلها يمنعها من المطالبة بحقوقها الشرعية، وفي حال تجرأت لا يلتفت إليها باعتبارها لا تشبع خيالاته الجنسية ويعمد إلى إشباعها بطرق أخرى ويعلّق علاقته معها». تتبلور هذه العلاقة المقيّدة المعلقة عبر حالات عدّة «كثير من النساء يعشن الهجر أو الانفصال العاطفي ويشبع الزوج حاجاته خارج نطاق العلاقة الزوجية وتكون المرأة هي الضحية».
وفي هذا الصدد، تؤكد الدراسات العلمية أنّ العلاقة الحميمة بين الزوجين تشبع حاجة البقاء (الأمان والتقبل)، حاجة الحب والانتماء وحاجة الترويح أو ما تسّمى في ديننا الأنس والسكنى.
كما توضح القاضي، أنها «قائمة شكلاً وإطاراً» «علشان الصورة تطلع حلوة»، وفي واقع الأمر، تعاني المرأة تبعات هذا الأمر وتشعر بالجفاف العاطفي والانطفاء وبصورتها المهتزة كأنثى وتشعر أنّ وجودها قائم لأجل صورة اجتماعية وتربية الأبناء أو تأدية مهام معينة في خدمة البيت». وعلى الضفة الأخرى، نساء يعانين العجز الجنسي لأزواجهنّ «المصيبة أنّ هذا الزوج يعمد إلى الزواج بأخرى لتصبح المرأة الثانية هي الضحية الجديدة، في وقت تعيش بعض النساء في بئر من الحرمان حيث ثمة حالات لرجال نرجسيين يتسمون بالكفاءة الجنسية ولكنهم يعطلون هذه العلاقة من باب مساومة زوجاتهن بهذه العلاقة، على الرغم من قيامه بعلاقات خارج إطار الزوجية». رجال إما يتجرعون الألم أو جلادون ولكن لا يمكن أن تكون المرأة ضحية لوحدها، فالزوج يكون أحياناً ضحية لعلاقة غير سويّة ويضطر إلى تجرع الأسى للحفاظ على كيان الأسرة.
بعض الأزواج مجبرون على الاستمرار بعلاقتهم الزوجية وتجرع الألم لأجل أبنائهم من باب الحفاظ على صحتهم النفسية ولعدم انحرافهم
ترصد الدكتورة عائشة الجناحي، كاتبة إماراتية وحاصلة على شهادة القيادة العالمية في مجال الطفولة المبكرة، أنّ جل توجهات وقرارات المرأة تغلب عليها العاطفة، في حين يميل الرجل إلى تغليب العقل «بحكم تركيبتهن، ثمة نساء لا يستطعن ضبط مشاعرهن بحيث تشكّل عقبة في حياتهن الزوجية ويحولن مشكلة بسيطة إلى أزمة مستفحلة تؤثر في الجو الأسري وتكدّره».
توضح «لا نستطيع أن نغلّب طرفاً على آخر كون ثمة رجال يكونون إما ضحايا في العلاقة الزوجية أو هم الكارثة بحد ذاتها، ولكن في مجتمعنا العربي، يغلب أن تكون المرأة هي الحلقة الأضعف إذ من المفروض أن تلبي رغبات الزوج وتتجاوز وتحافظ على الاستقرار الأسري، في حين يكون الزوج هو الحلقة الأقوى ويسيطر على الزوجة والعائلة برمتها».
تعقّب «في حال كانت العلاقة الزوجية خانقة، لا تستطيع المرأة التحمل وتصل إلى طريق مسدود، عدا عن انعكاس توتر العلاقة على الأبناء الذين يكبرون ويكرّرون القصص نفسها في حياتهم الشخصية». إذاً، لا يمكن الحفاظ على كيان أسرة ذات أساس هش حيث «يكون الانفصال، في بعض الحالات، أجدى من البقاء وعاملاً لتعزيز الصحة النفسية للأبناء». بالمقابل، لا يمكن تجاهل وجود رجال ضحايا «بعض الأزواج مجبرون على الاستمرار بعلاقتهم الزوجية وتجرع الألم لأجل أبنائهم من باب الحفاظ على صحتهم النفسية ولعدم انحرافهم». ولكن ثمة رجالاً يصورون أنفسهم ضحايا «هؤلاء نرجسيون يحتاجون إلى علاج نفسي وأدوية حيث يرمون الأخطاء على المرأة ويصورون أنفسهم ضحايا ومعصومين من الخطأ وبالمقابل، يوجد نساء نرجسيات يربكن استقرار أسرهنّ».
ثمة زوجات يأتين للاستشارة ويقتنعن ولكنهن يستكملن حياتهن الزوجية تحت وطأة الضغط والتعنيف
تواكب آسيا القرشي، مطور معتمد في التدريب ومستشارة نفسية واجتماعية، الكثير من حالات لنساء ضحايا كنّ بين خيارين إما الاستمرار أو الطلاق، معربة عن أسفها تجاه بعض من «يعتدن التوبيخ والإهانة لكون الاستحقاق لديهنّ ميت».
في هذا الصدد، تلفت إلى نساء يعانين «متلازمة ستوكهولم»، «ثمة زوجات يأتين للاستشارة ويقتنعن ولكنهن يستكملن حياتهن الزوجية تحت وطأة الضغط والتعنيف بحكم أنهن يعانين تلك المتلازمة لجهة تعاطف المرأة مع شريك حياة يسيء لها، وهذا يفسر بفرضية أن هذا الارتباط هو استجابة المرأة للصدمة وتحولها لضحية». بعض النساء يعانين عقدة «ديانا»، «هذه المرأة تحاول أن تكون متفوقة وتبتعد عن العلاقة الجنسية وهذه العقدة غالباً ما تستهدف الفتيات العازبات اللواتي يعانين الخوف من الزواج ويعربن عن تمردهنّ على أنوثتهنّ».
كما أن ما يسّمى بـ«جاموفوبيا»، أي رهاب الزواج، قائم «وهو يستهدف الرجال أكثر والذين يفضلون العزوبية لعدم تمكنهم من تحمل المسؤولية، في وقت تنحو بعض النساء إلى العزوف عن الزواج إما خوفاً من العلاقة الجنسية (نتيجة تراكمات ومعاناة في الطفولة) أو خوفاً من قطع التواصل مع الأسرة الأساسية وهذه العوارض ترافق المرأة حتى الزواج وقد تفرز مشكلات جمّة». لا تقف العقد عند هذا الحد «نساء يتعرضن للمازوخية الجنسية حيث تشوب العلاقة نوعاً من السادية، ما يضطر المرأة إلى التستر على طبيعة حياتها وما تنطوي عليه من «تعنيف جنسي»».
ترصد القرشي بعض محاولات انتحار لنساء يعشن هذه السادية وتلفت بالمقابل إلى عقدة «ساندريلا» حيث تعاني النساء خوفاً خفياً من الاستقلال وتعيش دور الضحية والمظلومة ولا تحاول الاعتراض على أي سوء معاملة تتلقاه من شريك الحياة. تدعو القرشي إلى تقوى الله وتعزيز الوازع الديني لدى الزوجين وحل المشكلات بطريقة صحيحة وصحية وتحمل مسؤولياتهما في الارتقاء بحياة زوجية سعيدة وهادئة لجهة إيجاد حلول حكيمة لا تغلّب مصلحة أي طرف على آخر.
اقرأ أيضًا: متزوجون لكن منفصلون عاطفيًا.. ما الأسباب؟ وما الحلول؟