لا يختلف اثنان على أن الزوجة الأصيلة هي التي لا تنسى فضل زوجها إذا أصابته المحن والشدائد وهاجمته الأمراض، فالدعم النفسي في هذه الفترة يكشف المعدن الأصيل لها ويبرهن على أنها لا تكفر العشير وتقف إلى جوار الزوج في أحلك الأوقات حتى وإن لم تكن العلاقة بينهما على أفضل ما يكون وحتى وإن تدهورت العلاقة بينهما بعد مرضه، خاصة أن الواقع الذي نعيشه يكشف عن أن بعض الأزواج وهم على فراش المرض تنتابهم نوبات من الضجر والملل وربما تصيبهم الأمراض النفسية ويهاجمهم الاكتئاب والشك والوسواس.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات المتعلقة بكيفية عناية الزوجة نفسياً بزوجها المريض، وكيف تهون الزوجة على زوجها أوقاته العصيبة وتقلل من انفعالاته في أوقات الشدة والمرض وتحافظ على هدوئها واتزانها معه، وكيف تتعايش الزوجة مع مرض زوجها وعصبيته الناتجة عن أزمته دون أن تسوء العلاقة بينهما:
الزوجة الصالحة الوفية تكون خير عون لزوجها على صعوبات الحياة
في البداية، يؤكد الدكتور حسام الوسيمي، خبير علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، أن وقوف الزوجة إلى جوار زوجها في أحلك اللحظات وأصعبها أمر واجب وضروري، وكذلك لها نفس الحق عند زوجها لأن الوفاء حق مشترك بينهما وهو إحدى الدعائم الأساسية لاستقرار البيوت وسعادتها، كما أن هذه المواقف بين الزوجين لا تنسى وتجعل كلاً منهما يحمل حباً وودًا ورحمة للطرف الآخر.
ويقول «الزوجة الصالحة الوفية تكون خير عون لزوجها على صعوبات الحياة ومنها المرض الذي يهاجمنا بلا هوادة، وهنا يجب على الزوجة وكذلك الزوج عدم التخلي عن الطرف الآخر مطلقاً فالحياة الزوجية متقلبة ما بين السعادة والشقاء والصفاء والخلاف، والوفاء بين الزوجين يجب أن يكون في أعلى صوره خاصة في أوقات الأزمات والمشكلات الصعبة التي تعترض حياتهما الزوجية».
الزوجة الأصيلة يجب عليها أن تقدم الدعم الكامل لزوجها في وقت الشدة من خلال دعمه معنوياً ونفسياً
ويشدد الدكتور الوسيمي على الزوجين بأن لحظات المرض وفترات الشدة ما هي إلا أوقات عصيبة وتحتاج إلى رصيد هائل من الحب والحكمة كي يتجاوز الزوجان هذه الفترة بسلام ودون أن تؤثر سلباً في علاقتهما، ويجب على الزوجة أن تحرص على هدوئها واتزانها وألا تلجأ لاستخدام العبارات القاسية والتي تثير من غضبه.
ويلفت أستاذ علم النفس إلى أن الزوجة الأصيلة يجب عليها أن تقدم الدعم الكامل لزوجها في وقت الشدة من خلال دعمه معنوياً ونفسياً وأيضاً احتمال عصبيته ومرضه، وأن تتمالك نفسها وتكون هادئة ورزينة إذا ما انتابته نوبة غضب من جراء قسوة المرض والألم والضيق الذي يشعر به، ولا تتذمر إذا ما صرخ بوجهها وأن تحرص على امتصاص غضبه في تلك اللحظات العنيفة، «لذلك أشدد على الزوجة في هذا الوقت بالصمت وألا تدخل معه في سجال طويل عقيم وألا ترد عليه بأسلوبه حتى لا يزداد غضباً وأن تبتعد عنه. بل يجب أن تظهر له كل الحب والرعاية والتي من خلالها من الممكن مع الأيام أن يواجه مرضه بقوة ويغير من أسلوبه معها».
على الزوجة أن تكون هادئة ومتماسكة ومنتبهة لتصرفاتها
وتتفق معه الدكتورة ماجدة المنشاوي، الاستشارية النفسية والزوجية والمدربة الدولية المعتمدة في مصر، على أهمية أن تكون الزوجة هادئة ومتماسكة ومنتبهة لتصرفاتها جيداً مع الزوج حتى لا تكون سبباً في تثاقل الهموم عليه بدلاً من أن تخفف عنه وتستمع له جيداً وتشعره بالاهتمام.
وترى أن الزوجة مطالبة منذ بداية مرض زوجها أن تتحمله كما هو، فهذا الوقت ليس مناسباً لمطالبته بأن يعاملها برقة وحب بل يجب أن تتأقلم مع نوبات الغضب والشعور بالألم من جراء المعاناة والصراع مع المرض، وهنا يجب ألا تثير غضبه وتحرص على الابتعاد عنه ولا تعاند معه خاصة أمام الآخرين.
وتضيف «إن مراعاة التقلبات التي تحصل للزوج نتيجة المرض والشعور بالألم والعجز أمر واجب وحتمي، ويجب أن يكون ذلك بصدر رحب متفهم فكلها أمور تولد الكثير من الطاقة السلبية وتعكر صفو مزاج الإنسان فيصبح كالقنبلة الموقوتة وبأقرب فرصة يفرغ هذه الطاقة في المحيطين به والزوجة يكون لها نصيب الأسد من هذه الشحنة السلبية. لذلك على الزوجة أن تراعي حالة زوجها الصحية ونفسيته ولا تحاسبه على كل هفوة تصدر منه، فمن سواها يتحمله ويقف إلى جواره؟».
الكثير من حالات الضيق والغضب التي تصيب الزوج في حالة مرضه يكون سببها الأرق وقلة النوم
وتنبه د. ماجدة المنشاوي على الكثير من حالات الضيق والغضب والنفسية السيئة والاكتئاب التي تصيب الزوج في حالة مرضه التي يكون السبب فيها الأرق وعدم الحصول على القدر الكافي من النوم، لذلك يجب على الزوجة أن تتحمل ذلك بل وتهيئ البيت دائماً ليكون هادئاً مريحاً لنفسية زوجها وأن تكون له سنداً وتخفف عنه وتهون عليه آلام مرضه.
الابتعاد عن التذمر أمام الزوج
ومن جانبها، ترى الدكتورة ميرفت رجب، استشاري الصحة النفسية والخبيرة في الشؤون الأسرية، أن عدم تقديم الدعم المعنوي وقت الأزمات من أحد طرفي العلاقة الزوجية للطرف الآخر، من أكثر الأمور المؤلمة والتي لا تغفر بسهولة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالزوج.
وتبين «من أفضل صور الاهتمام بالزوج هي تقديم الرعاية له أثناء مرضه، لذا فالاهتمام بالزوج وقت الأزمة كإصابته بالمرض مطلوب أكثر من أي شيء آخر، ولا ينبغي أن تنتظر الزوجة حتى يطلب منها زوجها الاهتمام به ورعايته في مرضه فالاهتمام الذي يأتي بعد الطلب فقد قيمته ومعناه».
وتطالب الاستشارية الأسرية الزوجات بعدم التخلي عن الزوج حتى وإن لم يكن الزواج ناجحاً وموفقاً فهذا ليس وقت التقييم بل يجب على الزوجة أن تقوم بواجبها معه على أكمل وجه، فلا تتأخر عن قيامها بمرافقته عند ذهابه للطبيب أو المستشفى وإظهار خوفها الشديد عليه من أن يصيبه أي أذى أو مكروه ودعمها له وقلقها عليه وبقائها إلى جواره طوال فترة مرضه.
وتحذر الاستشارية النفسية الزوجات من الملل عندما يطول مرض الزوج والتوقف عن الاهتمام به بشكل تدريجي، فاختبار المرض ليس خاصاً به وحده بل هو اختبار لكما معاً، اختبار لصبرها وصبرك، فلا تقابلي مرضه بوجه عابس ولا تتعنتي معه أمام أتفه الأمور وتختلقي المشاكل.
وتؤكد الدكتورة ميرفت رجب على أن تقديم الدعم النفسي للزوج المريض يساعد كثيراً على تحسين النفسية بدرجة عالية، ويكون ذلك من خلال طمأنة الزوج بصورة مستمرة وتقديم الدعم اللازم وتوفير الوقت للاستماع في حال أراد الزوج الحديث.
وتشير الاستشارية الأسرية إلى أن تقديم الرعاية للزوج مع الامتثال لتعاليم الأطباء هو أحد أسباب تغير جزء من الروتين اليومي من فترة إلى أخرى، وهو ما يسبب بعض القلق خاصة بعد الاعتياد على نظام معين، ومن هنا لا بد من الابتعاد عن التذمر أمام الزوج إنما إظهار التفهم والرضا ومساعدته على إحداث هذا التغيير دون أن يشعر بالانزعاج أو الضيق، وتشرح «الحياة مع زوج مريض ملأى بالكثير من التحديات ومن أكثر الأمور التي تساعد الزوجة وتيسر عليها مهمتها الشاقة أن تتعلم كل شيء عن مرضه وكيفية التعامل معه فتقرأ مثلاً عن الأعراض الجانبية للمرض والمشاكل النفسية التي تواجه المصابين به كما يجب عليها التعرف إلى الأعراض الجانبية للأدوية التي يستخدمها».
وتلتقط الدكتورة نوران فؤاد، استشاري الطب النفسي والأسري وخبيرة العلاقات الزوجية، خيط الحديث مشيرة إلى أنه يفضل أن تسير الأمور بين الزوجين في وقت المرض وأوقات الشدة كما كانت بلا تغيير، ويفضل للزوجة أن تكون على طبيعتها قدر الإمكان، فلا تنظري له بنظرات الشفقة فهذا الأمر سوف يفقده ثقته بنفسه، حتى وإن كان ذلك نابعاً من خوفك عليه.
وتطالب الدكتورة نوران فؤاد كل زوجة أن تتحلى بالصبر مع زوجها المريض لأن ذلك من الأدوات المهمة التي تساعد وبنسبة كبيرة في تخطي الأزمات.
كما تشدد على أهمية أن تتنازل الزوجة مع زوجها قليلاً في فترة مرضه، فقد لا يكون هذا هو الوقت المناسب ليتذكر المناسبات الخاصة والذكريات السعيدة، وتضيف «إن كان زوجك لا يهتم بك خلال الفترة الصعبة، لا تلوميه ولا تفتعلي المشاكل معه بل تفهميه واجعليه يشعر بأنك تقفين إلى جانبه في السراء والضراء. كما يجب أن يشعر الزوج بأن زوجته تحترمه، أي تحترم مشاعره والمرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها».