عائشة السويدي: طوابع البريد تجسد الحضارة والبيئة والآثار والتراث
استقت من بيئة الإمارات جواز سفرها إلى عالم الفنون واهتماماتها في مجال الرسم وتصميم المجوهرات وتصميم الجرافيك والخزف، حيث توظف جماليات الطبيعة والقطع الأثرية ومعالم الدولة في أعمالها التشكيلية وفي إبداع قطع مجوهرات نادرة، تقول إنها «مستوحاة من نقوش ومشغولات ذهبية أبدعتها حضارة الإمارات قبل 4000 عام».
في حوارها مع «كل الأسرة»، تتحدث المصممة والفنانة التشكيلية عائشة السويدي عن سطوة البيئة الإماراتية على أعمالها وشغفها بالطوابع وتركيزها الحالي على الآثار وتوظيفها في أعمالها الفنية:
لماذا هذا الشغف اللامحدود بطوابع الدولة؟
طوابع البريد شغف يسكنني منذ سنوات طوال، و هي التي تمدني بالدافع لرسمها، لأنها تشكل قصة ورسالة لتشجيع وتنمية هواة الطوابع وحفظ التراث، إضافة إلى الآثار التي تشكل موضوعاً بمفردها وكذلك تصميم المجوهرات. أهتم بطوابع البريد لما تجسده تلك الطوابع من تماسٍ مع معالم الدولة وبيئاتها وجماليات الطبيعة، أنا من هواة جمع الطوابع وجمعت ما يعود منها إلى عام 1964 (ما قبل قيام الاتحاد) وأحتفظ بأول إصدار للطابع وأقتني كل إصدار سنوي من هيئة البريد. فقد كانت هواية جمع الطوابع سائدة في حقبة الستينات والسبعينات، لكنها تلاشت مع الهوايات الأخرى، حيث أن ثمة بدائل أمام الجيل الحالي. وتناولت في أعمالي أول إصدار للطوابع وكان ذلك عام 1973 بعد قيام الاتحاد، وتألف من 12 طابعاً من الطوابع الأصلية وتكونت من طابع لصورة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وشعار الدولة وطابع للعلم وطوابع تجسد معلماً من كل إمارة.
ما إحساسك وأنت تجسدين الطوابع عبر لوحات فنية، وكيف تعايشين هذه اللحظات؟
إحساس بالفخر والعزة بالدولة وإنجازاتها وتاريخها، حيث أبرز هذا الجانب وأستمتع جداً؛ حيث أقدم عملاً - إنجازاً وليس أي عمل عادي كون في كل طابع قصة، وكل إنجاز قصة. كنت أرسم معالم بيئتنا، الزهور، تاريخنا، حضارتنا، لكن طوابع البريد تشكّل عالما آخر من التاريخ الحي والقيمة الفنية. أرفق كل لوحة بالطابع الأصلي. عملت على بعض الطوابع، وهي أول إصدار لدبي قبل الاتحاد لعام 1964 وتجسد التاريخ والحضارة والبيئة البحرية والبرية والآثار والتراث، وإلى جانب الإصدارات القديمة مع الأدوات هناك مجموعة إصدارات جديدة 2020.
عبر أعمالي الفنية، أنجزت لوحات تجسد طوابع حول متحف العين، وهو أول متحف في الدولة وتم افتتاحه في 1969، وطابع أقدم لؤلؤة في العالم في أم القيوين، مع هيكل عظمي وطابع شجرة الغاف الذي فاز بجائزة أفضل طابع من الدرجة الثالثة من قبل هيئة البريد العالمي في فيينا، وجزيرة البطينة والنباتات الشتوية وما ترمز له وما تمثله في مسار الماضي، حيث عايشنا هذه الفترة حتى أواخر الثمانينات، إلى طوابع تتناول مهرجان ليوا الذي بدأ عام 2004، ومهرجان الرطب في الذيد وفي العوير، ومحمية المها في دولة الإمارات، وهي أقدم محمية في العالم وفي الإمارات ككل، وطوابع عن العملات، وطابع أول مكتب للبريد عام 1909، وأول سفينة في دبي وغيرها.
هناك غرفة خاصة لأعمال عائشة السويدي في «للإبداع بيت»، كيف ترصدين هذا التكريم؟
الدكتورة رفيعة غباش، تلمست علاقة أعمالي بالتاريخ والحضارة وجمعها للتراث والآثار والبيئة البحرية والبرية، وخصصت لي ولعدد من الفنانين في «بيت الإبداع» غرفاً لعرض هذه الأعمال، وهي خطوة أباركها لكونها لمست ما تحاكيه أعمالي من معالم الدولة والتاريخ.
وأبارك للدكتورة رفيعة هذا الإنجاز سواء متحف المرأة أو بيت الإبداع، وبالأخص أنه تم إصدار 5 طوابع عن متحف المرأة تكريماً لهذا الإنجاز وما يمثله في مجال المرأة والسياسة والاقتصاد والمجتمع. فالإمارات رسالة سلام للعالم من بداية نشأتها إلى اليوم.
طوابع البريد شغف يسكنني منذ سنوات طويلة ودراستي في علم النفس وظفتها في أعمالي
ولكن على الرغم من كل هذا الشغف، درست في مجال علم النفس في المرحلة الجامعية؟
كنت شغوفة بالرسم منذ طفولتي، وكانت المدرسة تشجعني وكذلك إخوتي وأخواتي الأكبر مني سناً وشاركت في مسابقة شنكار الدولية وفزت فيها بالمركز الأول عن رسمة تمثل طريقة توصيل الماء العذب إلى المساكن عن طريق نقله في علب من المعدن وكانت اللوحة تمثل العامل وهو ينقل الماء بواسطة الدواب وكنت آنذاك في المرحلة الإعدادية. ولكن في المرحلة الجامعية، لم يكن هناك من كلية الفنون آنذاك وعلى الرغم من أن أختي كانت تدرس الطب في العراق في تلك الفترة وأهلي كانوا يتركون الحرية لنا، إلا أن طبيعتي وشخصيتي جعلاني أفضل دراسة تخصص علم النفس في جامعة الإمارات.
إلى أي مدى وظفت علم النفس في لوحاتك؟
كان لعلم النفس فعلاً تأثير في لوحاتي، حيث كل لوحاتي قراءات يمكن تفسيرها. ثمة تفاعل مع البيئة البحرية والبيئة البرية بالإمارات، للبحر قصة في رسوماتي ويترجم جزءاً من طفولتي، حيث كنا نعيش في سوق الذهب بدبي وانتقلنا إلى منطقة البراحة وكان البحر قريباً من منزلنا وأمواج البحر تعطي نوتات موسيقية والأمواج واللون الأزرق، وكلها عناصر نفسية ترجمت في أعمالي.
انتقلت بين أساليب فنية كثيرة، هل تفضلين أن يكون للفنان أكثر من أسلوب فني؟
أحب التجارب وقد التحقت بجمعية الفنون التشكيلية في أواخر الثمانينات وانتسبت إلى دورات وورش لنخبة الفنانين بينهم الدكتورة نجاة مكي، والفنان عبدالرحيم سالم، والدكتور محمد يوسف، إلى جانب ما تلعبه الموهبة من دور واستقيت من أساليبهم المختلفة. خضت غمار عوالم أخرى بينها الخزف والغرافيك ومجالات كثيرة، وحالياً أنا شغوفة بالتاريخ والحضارة.
في البداية، خضت الفنون الأخرى تجارب، لأني أحب الحركة وأكره أن أعيش وقت فراغ. فقد كنت موظفة في جمعية النهضة النسائية وكنت أنتسب إلى دورات الجمعية في الطباعة والخياطة وغيرها، وحتى عندما عينتني الإدارة مشرفة على الدورات، كنت أدوام مساء لثلاثة أيام لأعمل وأشرف، وأنتسب في الوقت نفسه إلى دورات في فنون التصوير وفنون الخزف وفنون الخط.
تصميم المجوهرات يترجم شغفك بالتاريخ، ماذا عن هذا الجانب؟
حتى المجوهرات هي رسالة لأني استوحيتها من القطع الأثرية وخصوصاً الدائرة والحلقات في الدائرة، والدائرة تعتبر سيدة الأشكال الهندسية. وبعض القطع التي أنجزتها بألوان المينا؛ حيث قصدت مصر للحصول على النوعية الجيدة للمينا وشرعت بتنفيذ بعض القطع داخل الدولة لجودة الذهب العالية لدينا. ومعظم التصميمات مستوحاة من حضارة الدولة وبعضها استوحيتها من متحف ساروق الحديد.
من ينقل صورة البيئة الإماراتية يعايشها، هل تنتقلين بين إمارات الدولة؟
موضوع الآثار قادني إلى الانتقال بين متاحف الدولة وخصوصاً متحف الشارقة للآثار الذي يعتبر أغنى وأهم متحف، في ظل الاهتمام به من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقد استقيت من أعمال المتحف وشعاره الكثير من اللوحات والتصاميم التي جسدتها بأعمالي.
قطع المجوهرات مستوحاة من القطع الأثرية في متاحف الدولة ومتحف الشارقة للآثار مصدر إلهام لي
كيف تتفاعل عائلتك مع أعمالك؟
لدي أحفاد وأخصص لهم طاولة مزودة بألوان وأدوات الرسم لينخرطوا في حصة رسم فور وصولهم لزيارتي، وهم يستمتعون بالأمر ويستأنسون بتلك اللحظات. ولدي ولد واحد انصبت كل حياتي على الاهتمام به وهو يفخر بي وينشر لوحاتي على حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي ولوحاتي تزين منزله وسبق أن اصطحبته معي إلى الغرفة المخصصة لي في «للإبداع بيت» وانبهر بأعمالي.
كيف تعكس لوحاتك شخصيتك؟
تعكسها شخصيةً اجتماعية أتواجد في كل مناسبة سواء في الأفراح والأتراح. أعتبر سيدة مجتمع نسائي من أبو ظبي إلى الفجيرة.
ما الآفاق القادمة لشغفك؟
حالياً، ينصب عملي على الآثار؛ حيث أجسدها في أعمالي الفنية بطريقة 3D وأسعى إلى إنجاز 50 لوحة بهذه التقنية لاستكمال مجموعة من 100 لوحة بطبقات بارزة للمشاركة في معرض في المجمع الثقافي بأبو ظبي، وهي تستغرق الكثير من الوقت وأتفرغ لإنجازها.
كما آمل إيصال رسالتي للأجيال بالاهتمام بالإصدار السنوي لهيئة البريد كونه إصداراً لإنجازات الدولة وحضارتها، بدل إهدار الوقت على هوايات قد لا تكون مفيدة أو مؤثرة.
* تصوير: السيد رمضان