11 ديسمبر 2023

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

محررة في مجلة كل الأسرة

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

زخرت مسيرتها بالكثير من العمل، وكان من نتائج خبرتها الطويلة، ومسيرتها اللافتة في قطاع الطب في الدولة، إطلاق برنامج أبوظبي لزراعة نخاع العظم في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، وبدء هذا الاختصاص في الدولة عام 2020.. هي الدكتورة فاطمة الكعبي، استشارية أمراض الدم، المدير التنفيذي لبرنامج أبوظبي لزراعة نخاع العظم في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، ونائب رئيس الجمعية الوطنية للتصلّب المتعدد.

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

تخرجت د. فاطمة الكعبي فيكلية الطب بجامعة الإمارات، ثم تخصصت في الطب الباطني في مدينة الشيخ خليفة الطبية، وحصلت على الماجستير من جامعة جون هوبكنز في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم درست وتخصصت في أمراض الدم والأورام، وحصلت على الزمالة في المملكة المتحدة، إلى جانب تخصص الخلايا الجذعية، لتحصل بعد ذلك على ماجستير علوم السرطان من جامعة لندن (UCL) في بريطانيا. في حوارنا معها أطلّت د. الكعبي على أهمية العلاج بالخلايا الجذعية والخدمات والحالات التي يُعنى بها مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، وأهمّ ما توصل إليه العلم في هذا المجال.

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

ما هي أبرز التقنيات والابتكارات الحديثة في مجال أمراض الدم وزراعة نخاع العظم؟

شهدت علاجات أمراض الدم وزراعة نخاع العظم تطورات ملحوظة، ونقلات نوعية، في السنوات الأخيرة، حيث تم تسخير التقنيات المتطورة لتحسين نتائج المرضى، بدءاً من التشخيص المبكّر، مروراً بالعلاج، ووصولاً إلى الرعاية ما بعد العلاج.

وفي ما يتعلق بالتشخيص المبكّر، أحدث الطب الدقيق تطوراً نوعياً في هذا المجال الحيوي، من خلال استخدام النماذج، وتحقيق التقدم في التحليل الجينومي، ما سمح باتّباع نهج متخصص في العلاج، يعتمد على الفهم الجيني لحالات أمراض الدم. وفي الوقت نفسه، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل مجموعات البيانات المعقدة، ما يوفر رؤى قيّمة للتشخيص، والتخطيط للعلاج، بسرعة وبدقة.

واستكمالًا لذلك، قام مركز أبوظبي للخلايا الجذعية بنقلة نوعية من خلال إطلاق برنامج أبوظبي لزراعة نخاع العظم، وتوفير زراعة نخاع العظم في الدولة الذي قلل من الحاجة للسفر إلى الخارج، فهو علاج منقذ للحياة يستخدم لعلاج أمراض الدم السرطانية، مثل اللوكيميا والمايلوما، وأمراض الدم الأخرى، مثل الثلاسيميا، وفقر الدم المنجلي، وعدد من الأمراض الجينية النادرة، مثل مرض كرابي، كما قام المركز باستخدامه لعلاج مرض التصلب المتعدد، للمرة الأولى في الشرق الأوسط عام 2022.

تلعب التطورات في الخلايا الجذعية دوراً هاماً من خلال توسيع نطاق العلاجات الممكنة بالطب التجديدي

ومن العلاجات الحديثة جداً، العلاج بالخلايا المناعية المعدّلة وراثياً المعروفة بـ(CAR-T) وهو علاج مناعي رائد يقوم بتعديل الخلايا المناعية للمريض وراثياً، في مختبر ذا معايير صارمة لهذا النوع من العلاج لاستهداف الخلايا السرطانية، وإننا فخورون بتقديم هذا العلاج، وتصنيع المنتج محلياً. وقد أثبت هذا العلاج الذكي نجاحاً كبيراً في علاج سرطانات الدم، كما شهدنا في حالة الطفل مراد الذي يعتبر أول مريض يتلقى هذا العلاج في الدولة في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، مؤخراً.

كما تلعب التطورات في الخلايا الجذعية، بما في ذلك تخزين دم الحبل السري وإمكانية تخزين الخلايا الجذعية أيضاً للبالغين، دوراً هاماً من خلال توسيع نطاق العلاجات الممكنة بالطب التجديدي، والتي تستخدم الآن في مركزنا ضمن عدة تخصصات، منها مشاكل العظام والمفاصل، وصحة المرأة، وصحة الرجل، ولتعزيز المناعة، ولمشاكل التنفس من خلال علاج UAECell19 الذي ابتكره المركز خلال أيام جائحة كورونا، وفيه يستنشق المريض الرذاذ المشبع بالخلايا الجذعية لتجديد الرئتين، وتعزيز وظيفتهما، إضافة إلى علاج تساقط الشعر الذي أظهر نتائج مبهرة لمئات المرضى لدينا. أما في ما يتعلق بمرحلة ما بعد العلاج، فقد عملنا في المركز على استخدام علاجات ذكية لعلاج أعراض مرض رفض الجسم للزراعة الذي يمكن أن يحدث كرد فعل مناعي بعد عمليات زرع نخاع العظم. ويسهم دمج التكنولوجيا على امتداد رحلة العلاج في توفير الأمل للمرضى، وتشكيل مستقبل علاج أمراض الدم وزراعة نخاع العظم.

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

باعتقادكم، ما هي أبرز التجارب الناجحة التي شهدها مجال زراعة نخاع العظم والعلاجات الخلوية التي ترون أنها بحاجة إلى إمكانات ودعم إضافي؟

شهدنا قصص نجاح رائعة في مجال زراعة نخاع العظم، وكما ذكرت، فقد أحرز الطب الدقيق تقدماً ملحوظاً، وأظهرت العلاجات المصممة على أساس المعلومات الجينية للمرضى نتائج واعدة، ومع ذلك، فإن الدعم المستمر لربط التكنولوجيا الجينومية المتقدمة وضمان إمكانية الوصول إليها على نطاق أوسع، يلعب دوراً أساسياً في نهوض القطاع، ونحن محظوظون بأن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات تولي اهتماماً كبيراً بهذا المجال.

لقد جرى تسليط الضوء على العلاجات الرائدة، مثل العلاج بالخلايا المناعية CART. ومع ذلك، كانت هناك تحديات مستمرة لإمكانية الوصول إليها في منطقتنا، ويرجع ذلك أساساً إلى احتكار العلاجات من بعض شركات الأدوية العالمية، وقد أدت صعوبة التصنيع وحساسيته، إلى تقييد توافر العلاجات محلياً. لكن على الرغم من هذه العوائق، فقد حققنا إنجازاً كبيراً هنا في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، من خلال تصنيع المنتج الخلوي المعتمِد على الخلايا المناعية المعدَّلة وراثياً CART للمرة الأولى في دولة الإمارات. ولا يمثل هذا الإنجاز علامة فارقة في مشهد التطور الطبي المحلي فحسب، بل ويسلط هذا النجاح الضوء على أهمية التغلب على تحديات التصنيع، لضمان قدرة المرضى، في منطقتنا، على الاستفادة من الإمكانات الكاملة لهذا النوع من العلاجات.

أما بالنسبة إلى الأبحاث والتجارب السريرية الجارية والمستقبلية في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، فإننا حالياً نجري عدداً من التجارب لدراسة استخدام العلاج الضوئي المناعي لمرض السكري والتصلب المتعدد، كما قمنا مؤخراً بافتتاح مختبر في مقر جامعة كيوتو الشهيرة في اليابان، لإجراء بحث مشترك لمرض السكري النوع الأول، إضافة إلى قيام فريقنا الذي يضم أكثر من 50 باحثاً وعالماً متميزاً، بنشر أكثر من 95 مقالاً، وأوراقاً بحثية في أبرز المجلات الطبية المرموقة، واضعين هدف الريادة في الأبحاث والابتكار على المستوى العالمي نصب أعيننا.

وفيما نحتفي بالنجاحات التي شهدناها في مجال زراعة نخاع العظم والعلاجات الخلوية، نثق باستمرارية الدعم، وتطوير القدرات لتحسين تلك التجارب وتنميتها. وتعد تلك مسيرة متواصلة تشير فيها كل قصة نجاح إلى مستقبل تصبح فيه رعاية المرضى أكثر تخصيصاً، وفعالية وتوفراً.

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

كيف ترصدين الوعي حول أهمية زراعة نخاع العظم في المجتمع؟

يعد تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية زراعة نخاع العظم عملية متواصلة، تتضمن مجموعة من المبادرات النشطة والمتابعات المستمرة. وكطبيبة، أقيّم باستمرار مستويات الوعي عبر التواصل المباشر مع المرضى، وعائلاتهم، والمجتمع ككل، حيث تقدّم تلك الممارسة موارد قيّمة حول الفهم العام للمفاهيم الدقيقة، وسدّ الثغرات المتعلقة بزراعة نخاع العظم.

كما تشكّل الاستفادة من المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي طريقة فعّالة للوصول إلى جمهور أوسع. ويوفر التقييم المنتظم للتواصل والملاحظات والاستفسارات التي نتلقاها عبر تلك القنوات، مؤشرات فورية حول اتجاهات وعي الجمهور العام.

كذلك يسهم التعاون مع المؤسسات المجتمعية، ومجموعات دعم المرضى، وغيرها من المتخصصين في الرعاية الصحية، في تبادل المعلومات، ويضمن تناسق وتأثير جهود التوعية واستجابتها لاحتياجات المجتمع المتطورة باستمرار، وعليه، قمنا بإطلاق منصة هامة في هذا المجال، وهو مؤتمر زراعة نخاع العظم والعلاجات الخلوية في نوفمبر 2023، الذي شهد افتتاحه سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، حيث استضاف المؤتمر العديد من المتحدثين العالميين البارزين في المجال، واستقطب أكثر من 1500 مشارك، كما تم عرض آخر المستجدات الطبية وإبراز جهود مركز أبوظبي للخلايا الجذعية وإنجازاته في الأبحاث والعلاجات المتقدمة.

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

تستوجب الكثير من الحالات العلاج خارج الدولة، ما مدى إسهام المركز في تقليص الحاجة للسفر؟

لقد قطعنا خطوات كبيرة في تقليل الحاجة إلى السفر والعلاج خارج الدولة. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، انعكس هذا بعد تنفيذنا الناجح لأول إجراء عملية لزراعة نخاع العظم، وإطلاق برنامج أبوظبي لزراعة نخاع العظم في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، الذي أتم أكثر من 60 زراعة لنخاع العظم.

وانطلاقاً من كوننا في طليعة الطب التجديدي والخلوي، فقد لعبنا دوراً هاماً في تحويل مشهد الرعاية الصحية. وشهدنا طفرة في السياحة الطبية، ما يعكس ترسيخ دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز حيوي للرعاية الصحية المتقدمة.

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

كيف تنظرين إلى مستوى تقدم البحث العلمي في الإمارات في هذا المجال؟

لقد شهدنا مستويات متقدمة، وتطورات هائلة في البحث العلمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، مدعومة بجهود حكومة دولة الإمارات، ودائرة الصحة، ووزارة الصحة، إضافة إلى المبادرات ومشاريع الأبحاث والتجارب السريرية مثل التي نقوم بها في «مركز أبوظبي للخلايا الجذعية».

وبدعم الجهات المعنية، تؤكد جهود البحث في «مركز أبوظبي للخلايا الجذعية» على التزام دولة الإمارات بالابتكار العلمي، ومساهمتها البارزة في مجال أبحاث الرعاية الصحية، على المستوى العالمي. وتماشياً مع المبادرات الهامة مثل رؤية «نحن الإمارات 2031»، تعمل الدولة بشكل متواصل على تعزيز النمو في مختلف القطاعات، وجذب أفضل المواهب، وتعزيز مكانتها كمركز للابتكار والبحث العلمي.

د. فاطمة الكعبي: أطمح لمواصلة إطلاق البرامج والمبادرات لتحسين الصحة في مجتمعنا

تتولّين منصب نائب رئيس الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد، هل لكِ أن تشيري لنا إلى أهم الحالات التي تعنى بها الجمعية؟

الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد هي منظمة غير ربحية، تم إطلاقها في دولة الإمارات، تهدف إلى تقديم الرعاية والدعم والخدمات للأشخاص المتعايشين مع التصلب المتعدد (MS). وتشمل مهمتها تنظيم برامج ومبادرات مختلفة، لمساعدة الأشخاص المصابين بهذا المرض. وتتوافق جهود الجمعية مع التزامها بتحسين حياة المصابين بمرض التصلب العصبي المتعدد، والمساهمة في الأبحاث المستمرة التي تهدف إلى فهم ومعالجة تطورات المرض.

ما طموح الدكتورة فاطمة الكعبي؟

يتمثل هدفي في المساهمة في مواصلة إطلاق البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تحسين الصحة والعافية، في مجتمعنا. إضافة إلى الحرص المستمر على إبراز دور المركز، وخدماته، وقدراته، وإمكاناته، وتعزيز مكانته كجهة رائدة في مجال الرعاية الصحية والأبحاث. كما أسعى للاستفادة من الخصائص المتميزة للمركز وكوادره الطبية لتعزيز التقدم في قطاع الرعاية الصحية بدولة الإمارات والمنطقة والمساهمة في تعزيز الابتكار.

أما على المستوى الشخصي، فأطمح إلى تعزيز دوري في الارتقاء بمنظومة الرعاية الصحية في الدولة، وضمان تقدمها، وتكاملها. وتتماشى طموحاتي الشخصية مع هدف دعم أساليب الحياة الصحية، وتحسين جودة حياة الأفراد، والمساهمة في بلوغ أعلى مستويات الجاهزية لمستقبل الرعاية المتخصصة. كما آمل أن أحقق طموحاتي، المهنية والشخصية، وأساهم من موقعي في تحقيق الأهداف الطموحة لبلادي.

* تصوير: محمد السماني