10 يونيو 2024

بعد تراجع مستوى الأعمال الدرامية.. ورش كتابة السيناريو في قفص الاتهام

فريق كل الأسرة

بعد تراجع مستوى الأعمال الدرامية.. ورش كتابة السيناريو في قفص الاتهام
مسلسل "عتبات البهجة" في قائمة ورش السيناريو

بدأ النظام المعروف باسم «ورش السيناريو» يأخذ مكانه بشكل واسع، ورسمي، منذ مطلع العقد الأخير، حتى أصبح هو الشكل الأكثر سيطرة في كتابة الأعمال الدرامية المصرية، بعد أن خرج عدد من كتاب السيناريو من هذه الورش، وقام كل منهم بإنشاء ورشة خاصة به، غير أن النتيجة لم تكن دائماً في مصلحة الصورة النهائية للكثير من الأعمال الدرامية.

بعد تراجع مستوى الأعمال الدرامية.. ورش كتابة السيناريو في قفص الاتهام
باسم سمرة وأحمد السقا وطارق لطفي في "العتاولة"

عدد كبير من المتخصصين أكدوا أن المشكلة لم تكن في نظرية وجود «ورش السيناريو»، في حد ذاتها، لكن في تطبيق وجودها، حيث اعتمدت أغلبها على مجموعة من الشباب الهواة، سواء كمتدربين، أو من تجاوز مرحلة التدريب، ما جعل أغلب الأعمال الدرامية التي تخرج من هذه الورش، قاصرة في رؤيتها، وأفكارها، واهتماماتها، على أغلب القضايا الفرعية التي لا تهم سوى الشباب، في الوقت الذي اختفى فيه عدد كبير من أسماء كبار كتاب السيناريو، مثلما اختفت الأعمال التي تتناول القضايا العامة المهمة، ووصل الحال إلى أن تكتب الورشة الواحدة ثلاثة وأربعة أعمال في الموسم الواحد. وبعد أن كان ينضم إلى هذه الورش في البداية الموهوبون، أصبح أكثر المنضمين إليها من الهواة غير المحترفين، ما جعل البعض يشير إلى أمكانية تحقيق نبوءة الكاتب الراحل مصطفى محرم، عندما قال قبل رحيله إن فكرة الورش الفنية ستكون سبباً في تدمير الدراما التلفزيونية، ومع الوقت ستسيء إلى الدراما السينمائية أيضاً.

بعد تراجع مستوى الأعمال الدرامية.. ورش كتابة السيناريو في قفص الاتهام
سمية الخشاب في مشهد من مسلسل "بـ 100 راجل"

من يتبنّون وجهة النظر الأخيرة، دللوا على ذلك بالموسم الدرامي الأخير في رمضان 2024، الذي شهد العديد من المسلسلات التي أنجزها عدد من ورش الكتابة، من بينها مسلسلات: «عتبات البهجة» للنجم يحيى الفخراني، والمأخوذ عن رواية الكاتب إبراهيم عبد المجيد، وكتبته ورشة بإشراف الكاتب مدحت العدل، ومسلسل «خالد نور وولده نور خالد» للنجمين كريم محمود عبد العزيز، وشيكو، وكتبته ورشة كريم سامي وأحمد عبد الوهاب، و«بيت الرفاعي» للفنان أمير كرارة، وكتبته ورشة بيتر ميمي، عمرو أبو زيد، وهند عبد الله، ومسلسل «العتاولة» للنجوم أحمد السقا، وطارق لطفي، وباسم سمرة، وكتبته ورشة محمود شكري، هشام هلال، وحسام حلمي، ومسلسل «بـ100 راجل»، للنجمة سمية الخشاب، وكتبته ورشة محمود حمدان، ومحمد عبد المولى، ومسلسل «المعلم» بطولة النجم مصطفى شعبان، وكتبته ورشة محمد الشواف وعمرو الدرديري، ومسلسل «سر إلهي» بطولة روجينا، وكتبته ورشة أمين جمال وأيمن الشايب، ومسلسل «إثبات نسب»، وكتبه محمد ناير وجمال رمضان.. وغيرها العديد من المسلسلات.

بعد تراجع مستوى الأعمال الدرامية.. ورش كتابة السيناريو في قفص الاتهام
مصطفى شعبان وعبد العزيز مخيون في مشهد من مسلسل "المعلم"

المدافعون عن ورش السيناريو: مكاسب وفوائد عدّة

بعض الكتّاب والمؤلفين الذين يمتلكون هذه الورش، أو يقومون بالتدريب فيها، يرون أنها تتيح الفرص لاكتشاف الشباب الموهوبين، وإكسابهم خبرة فنية في مدة قصيرة، وهو ما أكده الكاتب والسيناريست د. مدحت العدل، الذي يقيم ورشة منذ سنوات، معتبراً أن كثرة عدد المسلسلات الرمضانية هو الذي فرض وجود هذه «الورش»، مشيراً إلى أنه حتى لو ان هناك بعض الأخطاء، إلا أن هذه «الورش» أضافت بُعداً لصناعة الدراما بالخبرات التي تثريها، وفي الوقت نفسه تقوم بشكل مباشر بتصفية كُتّاب السيناريو الموهوبين من المدّعين.

من جانبها، أشارت الكاتبة مريم نعوم، إلى أن «فكرة الورش ليست جديدة، وأن الكتابة المشتركة موجودة منذ نشأت السينما، فكان من الممكن أن يشارك ثلاثة كتّاب في كتابة فيلم واحد، القصة لكاتب، والسيناريو لآخر، والحوار لثالث، لكن كان لكل منهم خبرة كبيرة، وكافية لإنجاز عمل مكتمل العناصر الفنية»، وتضيف أن «السبب في وجود ورش السيناريو بالشكل الحالي، جاء بسبب ما أطلق عليه «سيت كوم»، وهو نظام معمول به في أوروبا وأمريكا، من خلال مجموعة من الكتاب يقومون بكتابة الحلقات تحت إشراف كاتب كبير، ولكون هناك بعض النتائج لم تقدم المنتظر منها، فهذا لا يعني أن الخطأ في التجربة نفسها».

ستزداد لأنها مكسب لصناعة الدراما في ظل ازدهار عالم المنصات

وتؤكد نعوم إن بداية تكوينها لـ«ورشة سرد» جاءت بعدما طلب منها المنتج جمال العدل كتابة مسلسل «ذات» في عام 2013، وبسبب عامل الوقت، وإحساساً منها بالمسؤولية، لجأت للعمل الجماعي، وحقق المسلسل نجاحاً كبيراً، ثم جاء مسلسل «موجة حارة» وعانت المشكلة نفسها، ضيق الوقت، فاعتذرت للمخرج محمد ياسين بأنها لن تستطيع الانتهاء من المسلسل في الوقت المحدد بمفردها، وكان الحل في اللجوء إلى مجموعة كتّاب كانت تترأسهم، وتوزع عليهم مهام العمل، فتكونت نواة «ورشة سرد».

وكان هدفها الأهم والأكبر هو أن تسهم في تعليم الآخرين تعليماً صحيحاً مما تعلمته هي على أيدي أساتذتها، كما تهدف في الوقت نفسه إلى تعويض أزمة نقص كتّاب السيناريو، وتعليم المتدربين بالممارسة في علاقة تبادلية، مؤكدة أن فكرة الورش ستزيد وتزدهر خلال السنوات المقبلة، وسيتم الاعتراف بالعاملين فيها بصورة أكبر، وسيكونون نقابيين وينضمون لجمعية مؤلفي الدراما، وهذا مكسب لصناعة الدراما، في ظل ازدهار عالم المنصات التي ستزيد إقبال الموهوبين على التدريب واكتساب الخبرات التي تتيحها الورش.

بعد تراجع مستوى الأعمال الدرامية.. ورش كتابة السيناريو في قفص الاتهام
روجينا في مشهد من مسلسل "سر إلهي"

المعارضون لورش السيناريو: «أسطى» يقود صبيان

وفي رأيها تقول الدكتورة عزة هيكل، أستاذ الأدب المقارن وعميد كلية اللغة والإعلام، ورئيس اللجنة الثقافية في المجلس القومي للمرأة، إن الأعمال الدرامية التي اعتمدت على الورش في السنوات الأخيرة، أخرجت لنا جيلاً من الكتّاب الشبان الذين اهتموا بنقل الواقع العنيف بألفاظه، وواقعه، من العشوائيات والجرائم، مع المبالغة في التصوير السلبي للمرأة، وحصرها في بعض الأدوار، مثل «الثرية المفترية»، أو «الفقيرة متدنية الخلق»، وغيرهما من النماذج الاستثنائية.

وتضيف «تلك الورش غيرت خريطة الدراما، وأفقدت العمل الدرامي قيمة الترابط ورسم الشخصيات المتكاملة، بعكس كتاب الدراما السابقين، الذين كانوا يتمتعون بخبرة واسعة، وكنت تعرف اسم المؤلف من مجرد سماع جمل الحوار في أي عمل درامي».

ويرى السيناريست عاطف بشاي أن «ورش الكتابة» نظام غير سليم، يسعى إلى تدمير فن كتابة السيناريو، وتحويله إلى «صناعة» يقوم بها «أسطى» يقود مجموعة من «الصبيان» غير أكاديميين، وغير موهوبين، ومتنافري الاتجاهات، يعملون لدى منتجين لا يعنيهم المستوى الفكري والفني لهؤلاء الأشخاص، موضحاً أن الكاتب الراحل وحيد حامد شبّههم بـ«جلباب المجذوب»، ذي الرقع المتنافرة، شكلاً ولوناً.

ضعف بعض الأعمال الدرامية لا يعني أن النظام كله فاشل

كما يبين السيناريست تامر حبيب أن «ضعف بعض الأعمال الدرامية في الآونة الأخيرة لا يعني أن النظام كله فاشل، وفي ظني أن السبب الرئيسي هو التسرع والاستعجال في كتابة سيناريوهات الأعمال الدرامية كي تتم مشاركتها في الموسم، غير أن ذلك لا ينفي أن «الورش» نظام معترف به على مستوى العالم، لكن بشرط الحفاظ على شكل المعالجة الفنية للعمل الدرامي، وعلى البناء العام، فأنا شخصياً نفذت 3 مسلسلات بنظام الورش، وكانت من أنجح الأعمال التي قدمتها لأنّني أتبع نظاماً محدداً في الكتابة، حيث نجلس سوياً، ونتحدث مع بعضنا بعضاً حول الفكرة، ثم أترك أعضاء فريق الكتابة يخرجون كل الأفكار التي لديهم، وفي النهاية أنا المسؤول عن صياغة العمل».

ويؤكد المخرج عبد العزيز حشاد أن أسباب مشاكل «الورش» ترجع إلى أنه يتم توزيع خط درامي لكل كاتب في الورشة، ثم يقوم المشرف على الورشة بجمع هذه الخطوط، ويركز في رسم وبناء الشخصيات ولغتهم الدرامية، وغير ذلك، لكن ما يحدث أن الموضوع أصبح أقرب إلى «السبوبة»، فالكاتب صاحب الورشة مشغول بأكثر من عمل، فيضطر إلى التركيز في العمل الأكبر من حيث الإنتاج واسم النجم، فتكون النتيجة إهمال باقي الأعمال ويتركها لورشة الكتابة، وإما أن يترك الربط بين الخطوط لمن يثق به في ورشته، وإما يربط الخطوط بنفسه بشكل سريع من دون تدقيق، وتكون النتيجة أعمالاً باهتة.

وفي رأي الناقد طارق الشناوي، أن نظام ورش كتابة السيناريوهات متعارف عليه، وموجود منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ولكن بشكل غير معلن، فكان هناك كتّاب سيناريو يعمل لديهم أشخاص آخرون بالأجر، وكانوا يخرجون أعمالاً جيدة، وبالتالي فإن الورش لا تعني جودة المنتج النهائي، أو رداءته، لكن أعمال هذه الورش تمت محاصرتها بين الاستعجال من أجل اللحاق بالموسم، وبين الاستسهال في التناول لبعض الأعمال، خصوصاً الكوميدية التي تعد من أصعب وأخطر أنواع الأعمال الفنية، لأنّها بالأساس تقوم على الفكر الذي يأتي نتيجة مواقف اجتماعية لأبطال العمل وفقاً للقصة، لكن ما حدث أن أغلبهم استغرق أكثر من اللازم في التهريج والتركيز على الاسكتشات والنكات.

* القاهرة: نادية سليمان