علياء السعدي: تعلّم أفراد المجتمع أبجديّات الأمن السيبرانيّ الضروريّة لمواجهة المتربصين
تعلّقها بدراسة المجال التقني وعلوم الحاسوب، دفعها لأن تدرك مبكراً متطلّبات سوق العمل، بدأ مسارها المهني في القيادة العامة لشرطة دبي من خلال مسابقة في المجال السيبراني، حظيت فيها بفرصة الانضمام لفريق عمل إدارة المباحث الإلكترونية، منها تأهّلت إلى مهام منصبها الحالي..
هي الملازم أول علياء مبروك السعدي، أول ضابط ارتباط إماراتية لدى المنظمة الدولية للشرطة الجنائيّة «الإنتربول»، التقيناها لنتعرّف من خلالها على ماهية الأمن السيبراني وكيفية مكافحة جرائمه:
بداية نودّ التعرف إليك من خلال مسيرتك التعليميّة وسنوات الخبرة في مجال الأمن التقني.
أنتمي لإمارة الشارقة، فيها درست أغلب المراحل التعليميّة، التي اكتشفت فيها شغفي وحبي للتقنيّة، فما من نشاط أشارك فيه إلا وتكون لي بصمة بالعديد من المشاريع التقنيّة، كتصميم المواقع الإلكترونية والتطبيقات البرمجيّة المختلفة والتصميم الجرافيكي وحصلت على مراكز متقدّمة في مسابقات عدّة، مثل مسابقة صيف بلا فراغ في عام 2008، ومسابقة التصميم الجرافيكي بجامعة الشارقة، وعند وصولي لمرحلة اختيار تخصّصي الجامعيّ توجهت على الفور لدراسة الحاسب الآلي في جامعة زايد بدبي، وتخصّصت في أمن المعلومات والشبكات وكان ما يزال حديثاً وكانت لي نظرة مستقبليّة أنه سيكون أحد أهم التخصصّات المطلوبة في سوق العمل؛ لما لاحظته من تطوّر كبير في مجال التقنيّة.
كيف جاءتك فرصة الانضمام للقيادة العامّة لشرطة دبي؟
تدرّجت في العمل بإحدى مؤسسات الاتصالات بالدولة، من منصب مهندس مركز عمليات أمن المعلومات، إلى مدير الاستجابة لحوادث أمن المعلومات، وكان لهذه الفترة من مسيرتي العمليّة الأثر الكبير لما وجدته من دعم مهنيّ وتوجيهيّ من قبل رؤسائي في العمل وزملائي، والتي استطعت خلالها أيضاً استكمال دراستي العليا في تخصّص أمن المعلومات في جامعة الإمارات في عام 2018.
أما المنعطف المهني في مسيرتي فقد تمّ بعد أن قرّرت المشاركة في مسابقة نظّمتها شرطة دبي تستهدف المتخصّصين في المجال السيبراني لحل تحدّيات مختلفة وتأهّلت فيها للمرحلة النهائيّة، وقتها كنت الفتاة الوحيدة المشاركة التي وصلت في تصفيّات المسابقة للنهائي ولم يحالفني الحظ في الفوز، إلا أننّي حظيت بأنه وقع علي الاختيار من قبل القيادة العامة لشرطة دبي ليتم استقطابي لفريق عمل إدارة المباحث الإلكترونية في عام 2019، والتحقت بها برتبة ملازم أول.
من هنا دخلت مجال الجريمة الإلكترونية، تعمّقت فيه وكنت محظوظة لأن تنوع خبراتي أهّلني لأدوار عديدة ومختلفة كالتوعية وإدارة المشاريع والعمل في فرق العمل واللجان المختلفة التي تدعم التوجهات الاستراتيجية للقيادة العامة لشرطة دبي بشكل عام وتوجهات الحدّ من الجريمة السيبرانية بشكل خاص.
شعوري بقيمة ما أؤديه من دور لوطني دفعني لتكملة المشوار الصعب
باشرت عملك مطلع العام الجاري في مكتب «الإنتربول» بسنغافورة، فما أكثر شيء افتقدتيه عند مغادرتك أرض الوطن؟
افتقدت كل ما يتعلق بالوطن، مثل لمّة العائلة وتجمّعات الصديقات والعمل كفريق مع الزملاء، كما افتقدت روتيني اليومي، الذي لا يخلو من صناعة الذكريات الجميلة، كل ذلك ترك بداخلي أثراً كبيراً في نفسي، إلا أن شعوري بقيمة ما أؤديه من دور لوطني دفعني لتكملة المشوار الصعب.
حفل التخرج الخاص بالماجستير بدرجة امتياز من جامعة الإمارات العربية المتحدة 2019
يعكس ترشيحك للعمل في «الإنتربول» الدوليّ الدور الرياديّ للمرأة الإماراتية في السلك العسكريّ، حدثينا عن شعورك حين أُخبرت بتلك المهمة الموكلة لك؟
لم يأتِ الدور الرياديّ الذي تتبوأه المرأة الإماراتيّة اليوم من فراغ، فقد كان أحد الأسس التي عمل عليها الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، إذ وفّر لها كل السبل والإمكانات في سبيل تمكينها للانخراط في مسيرة التطوّر، بداية بالتعليم الأساسي ومن ثَمّ الجامعي ثمّ مساواة فرصها في التوظيف مع إخوانها الرجال في كافة المجالات.
أما فيما يتعلق بالمجال العسكريّ فأخص بالذكر القيادة العامة لشرطة دبي، فمنذ التحاقي بها وفي اليوم الأول وأنا شاهدة على مدى حرص القيادات فيها لتوفير الأفضل للعنصر النسائي وبما يؤسّس للحضور النسائي وتطويره للريادة والتميّز.
ماذا يعني مفهوم الأمن السيبراني الدولي، وما مهمته تحديداً؟
بداية، لابد من التفريق بين الأمن السيبراني والجريمة السيبرانيّة، فالأول يعني الممارسة المعنيّة بحماية الشبكات والأنظمة والبيانات من التهديدات التقنيّة والهجمات السيبرانيّة، ترتكز بشكل أساسيّ على الحفاظ على السريّة وسلامة البيانات وتوافرها متى ما تمّ طلبها من قبل المخوّلين.
أما الجريمة السيبرانيّة فتعني السلوك غير القانوني لاستخدام هذه الأنظمة وتنقسم إلى جريمة سيبرانيّة أصيلة، تعتمد أساساً على التقنيات لحدوثها كالاختراق الإلكتروني وهجمات الحرمان من الخدمة، والثاني وهي جريمة يتمّ تمكينها بواسطة التقنيّات وهي في هذا السياق تحسّن من الأسلوب الإجرامي للجرائم التقليديّة كالاحتيال وانتحال الصفة والسرقة والتشهير.
وفي كلا الحالتين تغلب على هذا النوع من الجرائم صفة الجرائم العابرة للحدود، تستلزم تضافر الجهود الدوليّة في صدّها ورصدها والتحقيق فيها وتعطيلها، وهنا يكمن الدور الذي تقوم به المنظمة الدوليّة للشرطة الجنائية «الإنتربول» في تعزيز العمل الشرطي والتعاون بين أجهزة إنفاذ القانون حول العالم؛ لمكافحة الجريمة وتحقيق أمن المجتمعات.
نعوّل على أفراد المجتمع في صدّ الهجمات السيبرانيّة
تعزّز الدولة من المبادرات الوطنية التي تهدف إلى نشر ثقافة الأمن السيبرانيّ، فما أهمية تلك الخطوة وصولاً للأمن المجتمعيّ؟
تلعب المبادرات الوطنيّة دوراً كبيراً في استهداف أهم حلقة في خطوط الدفاع لمواجهة التهديدات السيبرانية ألا وهي المجتمع وأفراده، فهم من نعوّل عليهم بشكل أكبر في صدّ الهجمات السيبرانيّة وإفشالها، إذ أظهرت معظم الأبحاث السيبرانية أن العامل الأكبر الفعال في عمليات الهجمات السيبرانيّة هم المستخدمون للأنظمة، وأنجح هذه الهجمات كانت نتاج خطأ بشري أو هندسة اجتماعية تستهدفهم للحصول على بيانات أو اتخاذ إجراءات تسهّل للمخترقين عمليّة شن الهجمات.
وقد لوحظ أن الحملات التوعويّة تلعب دوراً مهماً داخل المجتمع، ونجحت القيادة العامة لشرطة دبي في ابتكار طرق مختلفة تستهدف توعية المجتمع بالأساليب الإجرامية الإلكترونية، وأحد الأمثلة على ذلك إصدار أغانٍ توعويّة بالتعاون مع القطاع الخاص بهدف تنبيه الجمهور، التي لاقت رواجاً كبيراً بين كافة فئات المجتمع وانعكست إيجاباً على خفض معدلات الجريمة المتعلّقة بموضوع التوعية.
كما عودتنا دائماً، لا ترضى الإمارات عن المركز الأول بديلاً، إذ حقّقت رقم (واحد) عالميًا في الأمن السيبراني، فهل هذا كافٍ لحماية المجتمع من الهجوم الإلكتروني؟
تحقيق الرقم واحد عالميّاً إنجاز يُحسب للإمارات بالطبع، ولكن لكي نحافظ على هذا المركز المتقدّم وبما يضمن البقاء في الصدارة، لا بد من بذل المزيد من الجهود، ففي حين أننا نسعى للحفاظ على هذا المركز المتقدّم تتسارع الخطوات لتبنّي التقنيات والابتكارات الجديدة في الدولة، والتي تجعلنا في خضمّ سباق متواصل للموازنة بين التطوّر السريع وحماية البنى التحتيّة التقنيّة وأصولها وبياناتها، فهي معادلة تتطلّب منّا الخطوات الاستباقية والاستمراريّة في حماية أمن فضائنا السيبراني، هذا ما تتضافر عليه الجهود بهدف دعم وحماية مجتمعنا.
من خلال ملاحظاتك، ما أكثر الفئات المجتمعية التي يجب أن يكون لديها وعي بأهمية الأمن السيبراني؟
جميعنا اليوم مطالبون بأن نكون واعيين سيبرانياً بلا استثناء، كوننا مستخدمين للأدوات الرقميّة، إن لم نكن كذلك فإن بياناتنا بلا شك مستخدمة أو مخزنة على تلك الأنظمة التقنية، وهو ما يفرض على أفراد المجتمع أن يكونوا على دراية بأبجديّات الأمن السيبراني؛ كي لا يصبحوا فريسة سهلة للمتربّصين ويتمكنوا من التصدي لهم.
ماذا عن تفاصيل يومك وعدد ساعات العمل التي تقضينها لممارسة مهامك فيه؟
ساعات عملي ثماني ساعات، خمسة أيام في الأسبوع، لكن بطبيعة العمل الشرطي يستلزم علينا أن نكون على أهبة الاستعداد لأي طارئ أو مشاركة أو عمل تنسيقي، وتتضمن مهامي وضع الاستراتيجيات ومتابعة الأداء العام للمشاريع والبرامج المتعلقة بالجريمة السيبرانية.
هل لديك اهتمامات أخرى تشغل بعضاً من وقتك وتفكيرك؟
لدي اهتمامات مختلفة مثل الرياضة بشكل عام، وقد كنت -سابقاً- عضواً في فريق نادي سيدات الشارقة للرماية ومنتخب الإمارات للرماية الأولمبية، وحالياً أمارس السباحة بشكل مستمرّ، يعتبر الأدب خاصة قراءة الشعر العربيّ الفصيح والعاميّ جزءاً من اهتماماتي، كما أحب السفر وزيارة المعارض الفنيّة واكتشاف الثقافات المختلفة، وتشكل هذه الاهتمامات منفذاً ووسيلة لكسر الروتين وفرصة للتأمل وصفاء الذهن وإعادة توزيع الأولويات ومساحة بعيدة عن مشاغل الحياة.
حدثينا عن أسرتك وأهم ما اكتسبتيه منها وعزز حبك للعمل والتميّز.
أسرتي تُعتبر العامل الأساسي في تمكيني وبناء شخصيتي وأكبر مشجع وداعم لي في جميع قرارتي، فأنا أنتمي لأسرة مكونة من ٩ إخوة وأخوات وأدرك أن مسألة تربيتنا لم تكن سهلة لكن مع ذلك وبالرغم من الإمكانات المتواضعة آنذاك، إلا أن والدي -رحمه الله- ووالدتي -حفظها الله- بذلا عظيم الجهد؛ لتوفير حياة كريمة وتربية متخصصة لكل واحد منّا، تتناسب مع شخصيته وميوله واهتماماته، أما ما يتعلّق بالاجتهاد في العمل والدراسة، فهي وصايا كانت وما زالت تتردّد على لسانهما وتنبع من تقدير وحرص لردّ الجميل للوطن في المقام الأول وتحقيقاً للذات وتطويرها.
من مثلك الأعلى في الحياة؟
لا أتخذ مثلاً أعلى مطلقاً في حياتي، لكني أنجذب للأشخاص أصحاب القيم النبيلة والمتفردين في مجالاتهم وإنجازاتهم وإن كانوا أشخاصاً عاديين بلا ألقاب أو مناصب.
ماذا عن طموحاتك المستقبلية على المستوى الشخصي والعملي؟
طموحي على المستوى الشخصي أن أحقق ذاتي، فالحياة رحلة تتطلب منّا الموازنة والسعي، أود أن أعيشها بكافة تجاربها، أما ما يتعلق بالمستوى العملي، فأطمح أن أكمل مسيرتي التخصصية في المجال الأمني وبالتحديد الجريمة السيبرانيّة، وأن أكون علامة فارقة ومرجعاً متخصصاً فيها؛ خدمةً لوطني وحمايةً لمكتسباته، كما أودّ أن أكون موجّهة للأجيال القادمة في هذا التخصّص؛ لتحقيق الاستدامة في نقل المعرفة، وهذا بالتأكيد يتطلب بذل المزيد من التخطيط والعمل المتسلح بالعلم.
* تصوير: يوسف الأمير