17 مارس 2024

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

فريق كل الأسرة

فريق كل الأسرة

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

تواجه كثير من الداعيات والواعظات في بعض المجتمعات العربية، تحدّيات من أجل الحصول على حقهنّ في نشر الدعوة، لكونهن الأجدر والأحق بإيصال كثير من القضايا الفقهية المتعلقة بالنساء لبنات جنسهنّ، فالمتابع لشؤون الدعوة والوعظ يجد حضوراً طاغياً للخطاب الذكوري، يقابله تواجد على استحياء للداعيات من النساء، ما يلفت الانتباه، ويحتاج إلى أن نسلط الضوء على أسبابه.

«كل الأسرة» استطلعت آراء داعيات إسلاميّات من دول مختلفة للوقوف على الحضور النسوي في مجال الدعوة ومدى تقبّل المجتمع للمرأة الداعية:

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

د. نائلة صبري: الداعية تمثل القدوة والموجهة والمربية

هي أوّل امرأة قامت بتفسير القرآن الكريم كاملاً، في العالم العربي والإسلامي، كما شاركت في محاضرات لتفسير القرآن الكريم في عدد كبير من دول العالم، وسبق أن شاركت في إلقاء دروس دينية في الإمارات بدعوة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، والشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله.

هي الدكتورة نائلة هاشم صبري، داعية إسلامية من القدس، وخادمة كتاب الله تعالى في المسجد الأقصى المبارك، صاحبة المؤلفات العلمية، وأهمها «المبصر لنور القرآن»، وهو تفسير كامل للقرآن الكريم، صدر في 11 مجلداً، واستغرق إلى الوصول لخاتمته عشرين عاماً.

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

تؤكد د. صبري أن «المجتمع المسلم يتقبّل المرأة الداعية ويكّن لها الاحترام والتقدير، بخاصة عند النساء، فهي تمثل القدوة، والموجّهة، والمربّية، كما أن وجود الداعيات والعالمات والواعظات في المجتمع المسلم لم ينقطع عبر التاريخ الإسلامي، مع وجود تفاوت في درجة التأثير والنشاط، بناء على اختلاف الزمان والمكان».

وتقول: "مما لا ريب فيه أن المجتمع بحاجة ماسة إلى نموذج من الداعيات لتدرك المرأة متطلبات دينها ولا تلجأ إلى ثقافات شاذة غريبة يتعدّاها. فعلى الداعية أن تكون هاشّة باشّة حين دعوتها وأن تزرع الثقة في نفوس سامعيها وتشجعهن في الإقبال على العلم والعمل".

وتستند د. نائلة صبري إلى قوله تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)سوة النحل -الآية97، لتؤكد أن "للداعيات المؤمنات فضلا عظيما في تبليغ الأحكام الشرعية لهذا الدين ونشرها بين الناس في أماكن يتواجد فيها النساء بمختلف الأعمار كالمساجد وفي المدارس والجامعات والمراكز التعليمية الدينية والتي يقصدها ويؤمها طلاب وطالبات العلم الشرعي ".

وغالباً ما تتطرق د. نائلة صبري، في دروسها، إلى قضايا عامة ذات تماس مع المجتمع «الموضوعات التي أعالجها في دروسي هي موضوعات عامة، منها ما يتعلق بالنساء، ومنها ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية تتناول الحقوق الزوجية، وتربية الأبناء، وكيفية معالجة الخلافات الأسرية، وأحكام لباس المرأة المسلمة وهو الجلباب. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) سورة الأحزاب - الآية 59».

أما القضايا الاقتصادية التي تتطرق إليها د. صبري، فترتبط «بالسلوك الاستهلاكي، والمحافظة على موارد البيت، والاقتصاد المنزلي، والتحذير من المعاملات المحرّمة التي تقدمها البنوك الرّبوية، ومؤسسات الإقراض التي تستهدف النساء ولكن أركّز على تفسير آيات القرآن الكريم في أماكن تواجدي في بيتي وفي المسجد الأقصى المبارك ومساجد مدينة بيت المقدس ويتم من خلالها تفسير الآيات القرآنية تفسيراً تحليلياً، مع ربط المعاني المستفادة من الآيات بالواقع المعاصر».

لا تختّص الداعية الإسلامية من القدس بأمور النساء فقط «أتناول قضايا عامة أستنبطها من كتاب الله -عز وجل- ومن السنة النبوية المطهرة ومنها الصلاة والصيام والطهارة والحج وقضايا أخرى تخص النساء من شرائع وأحكام ودعوة المرأة إلى التجاوز عن التقاليد الجاهلية الاجتماعية والدعوة إلى التخلق بأخلاق القرآن والتأدب بأدبه وتحقيق الوعي واستشعار رسالتي كداعية وتأهلي قيادة الناس إلى الخير وإزالة مشاكلهم».

وتعزو الداعية نائلة صبري قلّة عدد الداعيات من النساء إلى «انشغال المرأة الداعية بأسرتها، وتربية أبنائها، بخاصة في بداية حياتها، ولعدم وجود النشاط الإعلامي المرافق لعمل الداعيات»، مستبعدة أن يعود الأمر إلى نقص في الكوادر البشرية، لكون «عدد الخريجات في كليات الشريعة في فلسطين يفوق عدد الخريجين، كما أن عدداً كبيراً منهنّ يكملن دراساتهن العليا، وعدد الملتحقات بدروس التجويد وحلقات حفظ القرآن يفوق عدد الرجال».

وتخلص إلى أن «هناك جهوداً دعوية تقوم بها الداعيات لا تتم تغطيتها إعلامياً، على اعتبار أنها جهد طبيعي لا يحتاج إلى تسليط الأضواء، ولا الإعلان عنها لذلك فالجهود الدعوية موجودة، ونطمح إلى زيادتها وتطويرها».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

د. سعاد صالح: التعصب لا يزال موجوداً للخطاب الذكوري في مجتمعنا الحديث

لقّبها الإعلام بـ«مفتية النساء»، و«فقيهة المرأة»، هي الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات - جامعة الأزهر، التي تقول «الخطاب الذكوري في كل المجالات يؤثر في موقع المرأة، ومكانتها، بل ودورها نحو مجتمعها ودينها وأسرتها، فهناك مفاهيم خاطئة بأن دورها قاصر في البيت فقط، استناداً إلى قوله تعالى «وقَرن في بيوتكن..» وهذا كان خطاباً موجهاً لنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبتكملة الآية «ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى»، والتبرّج لا يكون إلا خارج البيت، إذ يوجد تلميح من الآية إلى أنْ يخرجن، ولكن غير متبرّجات، وآية أخرى «واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة»، وهذا أمر موجّه لنساء النبي رضوان الله عليهنّ، والقيام بدورهن نحو المحيطين بهن».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

وتكمل د. سعاد صالح «طلبت النساء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلّم، أن يخصص لهن يوماً يتفقهن فيه، وقلن «يارسول الله هل جعلت لنا يوما نتفقه فيه في ديننا كما فعلت للرجال؟»، فاستجاب لهنّ النبي صلوات ربي وسلامه عليه، وجعل لهن يوماً للتفقه، وللقيام بدور الدعوة، وبيان المفاهيم والأحكام وآيات القرآن الكريم، وكذلك فعلت السيدة عائشة، رضي الله عنها، والتي كان لها دور في الدعوة والفتوى، وكانت تختلف مع كبار الصحابة في الأحكام الفقهية، ولم ينهَها الرسول عن هذا، ولكن في المجتمع الحديث، وللأسف الشديد، الأمر مختلف، فهناك قلة من النساء يقمن بهذا الدور، ولكنها تحارب، ولا أستثني نفسي، فقد حصلت على الأستاذية في الفقه منذ 30 عاماً، ومع هذا لا يوجد اعتراف بي كمفتية وكداعية من داخل جامعتي، وهنا نعود ونقول إن التعصب لا يزال موجوداً للخطاب الذكوري، وأطالب بأن يكون هناك تشجيع للمرأة المتخصصة في أحكام دينها، أن تبيّنها على الأقل لبنات جنسها، لأن هناك من الأحكام الفقهية المتعلقة بالمرأة تشعر معها بالحرج في أن تسأل عنها رجلاً، مثل أحكام الطهارة، والحيض، والنفاس، والجماع، وغيرها، إذ توجد للمرأة أحكام خاصة بها حسب طبيعتها التي خلقها الله تعالى بها».

وتلفت د. سعاد صالح «لردم الهوّة بين الجنسين في مسألة الخطاب الديني، لابدّ أن يكون هناك ثقة بالمرأة الداعية من جانب المجتمع، فوجودها يحمي النساء من الفتاوى المتعصبة تلك التي تحصل عليها، سواء من الرجال، أو من يُطلق عليهنّ داعيات، لكنهن متعصّبات في الأحكام الفقهية والأدلة الشرعية، فالداعية أو المفتية، لابدّ أن تكون ملمّة بمجريات الحياة، وعلى دراية بالقضايا الفقهية الحديثة، وألّا تكون في برج عاجيّ منفصل عن قضايا المجتمع، فالشريعة الإسلامية جامعة مانعة، ولابد أن يساير الإنسان قضايا عصره، والله سبحانه وتعالى يقول «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

د. حصة بن حضيبة: الوعي بأهمية المرأة الداعية قائم والنساء يرحّبن بدورنا

حصة خلفان بن حضيبة، هي مفتٍ أول في قسم الإفتاء بإدارة الإفتاء -دائـرة الشــؤون الإســلامية والعمــل الخيـــري، في دبي.

تؤكد أنّ الدعوة لا تقتصر على الرجال «لطالما كانت المرأة من عصر النبوّة، والعصور بعدها داعية ومعلّمة ومفتية، وثمة نماذج مشرقة من تاريخنا المجيد، كزوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم، أولاهنّ السيدة خديجة، رضي الله عنها، أول من ناصرت الدعوة إلى دين الله، وساندت نبي الله صلّى الله عليه وسلّم، بنفسها ومالها، ومنهنّ السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث كانت مرجع الصحابة في ما خفي عليهم من أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وغيرهما من نماذج مشرقة من تاريخنا».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

بات الوعي بأهمية المرأة الداعية في مجتمعاتنا مهما، حيث تلفت المفتية حصة بن حضيبة إلى عوامل ترسي لهذه الأهمية وأولها «اهتمام دولتنا وحكومتها، وأصحاب القرار، بالمرأة على كل المستويات، ودعم تواجدها في كل الميادين والمجالات، إلى تزويد الداعية بمقومات الدعوة»، مشيرة إلى أنّه «من خلال عملنا في الإفتاء، وجدنا ترحيباً واسعاً، من شريحة النساء خاصة، حيث تجد المرأة امرأة مثلها تعرف احتياجها، وتوجّهها لما فيه خيرها، ويوجد جيل من المتميزات في مجال الشريعة يمكن أن يشكّلن انطلاقة جيدة لداعيات واعيات».

وحول محاور اهتمامها بالدعوة، توضح حصة خلفان بن حضيبة «التخصص في أي أمر من الأمور الحياتية أنفع، والنساء بحاجة إلى امرأة مثلهن حتى تكون أقرب لفهمهنّ، لكن لا يمنعنا التخصص في الأمور النسائية من المشاركة في القضايا العامة، وقد كانت النساء في عهد النبوّة يدلين بدلوهنّ في أمر العامة، وخير مثال موقف أم سلمة، رضي الله عنها، الحكيم يوم صلح الحديبية، كما في صحيح البخاري (3/ 196): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا»، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا».

وفي ما يخص الحضور القليل للداعيات من النساء مقابل حضور طاغٍ للدعاة من الرجال، تورد حصة خلفان بن حضيبة الأسباب وأهمها «طبيعة المرأة وانشغالها بوظيفتها الأولى كأم، وعدم حب الظهور في الإعلام المرئي والمسموع»، مشدّدة على «دور الإعلام في إبراز الصور المشرقة للداعيات من عهد النبوة إلى يومنا، وإبراز دور الداعيات الحالي».

كما تتلمس الحاجة إلى إصدار مجلات نسائية دعوية إلكترونية، تختص بأمور النساء، ووجود معاهد شرعية نسائية لتعليم النساء تعاليم دينهنّ الصحيح، وإعداد الداعيات الفقيهات كداعيات سواء كنّ أمهات أو معلمات أو موظفات، لتربية النشء التربية الصحيحة، للتمييز بين الغث والسمين في عصر التكنولوجيا".

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

د. راضية هلال: إثبات وجود المرأة في المنبر الدعوي بالعمل لا بالتنظير

هي داعية إسلامية جزائرية تشغل منصب رئيسة مكتب التعليم القرآني عن بعد في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ,ورئيسة مقرأة الجزائر الالكترونية، وهي مقرأة رسمية موجهة للراغبين في تعلّم القرآن الكريم، حفظاً وتجويداً وقراءات.

تخصصت الدكتورة راضية هلال في الفقه وأصوله وهي باحثة في علوم التجويد والقراءات وعضو لجنة التحكيم في العديد من المسابقات القرآنية الوطنية والدولية ومقدمة برامج دعوية تلفزيونية وإذاعية .

تجد د. راضية هلال أن «ثمة تقبلاً للمرأة في مجال الدعوة في المجتمع الإسلامي، بيد أن إقناع المرأة الداعية للرجل، وإثبات وجودها في هذا المجال هو مقياس نجاح لها. ففي مجتمعنا الجزائري، دوماً ما يردّد بعض الرجال عبارة «لا تقنعني المرأة»، كأنه يحب أن يسمع من الرجل، أو من باب التشكيك في فكر المرأة، وقدرتها على التحليل، وتشخيص المشكلة وإيجاد الحل، ورغم تواجد المرأة في ميادين كثيرة، لم يزل هناك تحفظ، وموروثات خاطئة تشكك في قدرة المرأة في الناحية الدينية وفي مجال الدعوة».

وفي هذا السياق، تشدّد د. راضية على أن «الجواب لا يكون بالتنظير، إنما يكون بالعمل، وإثبات وجود المرأة في المنبر الدعوي».

تقول «مؤخراً، بدأت ألاحظ تقبّلاً من قبل بعض رجال الدين الذين يشجعونني على الانخراط في برامج تلفزيونية، ودورات توعوية، تخصّ فتاوى خاصة بالنساء ومشكلات المجتمع، ما يدلّ على تغيّر في القناعة لدى الرجل تجاه المرأة الداعية التي لا تقبل على هذا المجال إلا متسلحة بالعلم، والأسلوب الذي يميّزها عن الرجل، وبخصائصها القوية التي يمكنها من إخراج ذاك العملاق القوي منها بطرح القضايا الهامة، وبالقدرة على إيجاد حل، والتأثير».

ثمة عوامل في طغيان الحضور الذكوري في مجال الدعوة تحلّلها د. راضية هلال «فالسفر متاح للرجل بسهولة أكثر من المرأة التي قد تواجهها صعوبات لوجستية، أو تحديات اجتماعية، ومسؤوليات أمومية، ما يتطلب تخطيط برامج الداعية تبعاً لمنظومة ثقافية مختلفة، وهذا ينسحب على المجتمع الجزائري، وعلى الكثير من المجتمعات العربية، كأن يتواجد معها الزوج، أو عدم تكثيف ظهورها الإعلامي، وعدد من الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد المجتمعية، وحتى عدم مقدرة الرجل الداعية على الحديث براحة عن الداعيات النساء ونجاحاتهن وإنجازاتهنّ».

لا تتخصص د. راضية في قضايا نسوية بحتة «لست متخصصة في النساء، وأشارك في محاضرات ومناشط دعوية في المساجد، والجامعات، والجمعيات، لإلقاء دروس تحاكي كافة الشرائح الاجتماعية، وحتى تخصيص بعض المحاضرات للنساء، والإجابة عن استفساراتهن وأسئلتهنّ».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

أسيا رقي: منذ عصر النبوّة والمرأة داعية دينياً واجتماعياً

هي باحثة في العلوم الشرعية والسيرة النبوية الشريفة، من المغرب، وتلعب دوراً هاماً في مجال الدعوة، وفي تناول قضايا اجتماعية ونسوية بارزة.

ترصد الداعية أسيا رقي النظرة المتفاوتة للمرأة وقدرتها على القيام بأدوارها حيث «هناك من يرى أن المرأة لن تكون فاعلة ومعطاءة، وهناك من يعتقد استحالة جمعها لمهام البيت والتربية والعمل، والبعض يؤمن بوجوب تهميشها لاستنهاض المجتمع، كأنها حجر عثرة».

بيد أن هذه القراءة لا تنطبق على حضور الداعيات في بلدها، تبيّن «في المغرب، تعيش المرأة الداعية أوجَها، خاصة عندما اعتلت منزلة رعاية الشأن الديني، وحظيت بعناية مولوية، وأدركت تشريفاً ملكياً من طرف ملك البلاد، وأنيطت بها مهام دينية، فهي العالمة، والواعظة، والمرشدة، ولكل صفة مهامها، وبذلك أصبح عمل الداعيات منظماً ومرتّباً. وانتعشت الحياة الدينية للمرأة، وأثمرت مجالس الوعظ ثماراً طيبة ساهمت في استقرار الأسر، ويقظة المرأة، ووقوفها على ما لها وما عليها».

تتمحور جل أبحاث أسيا رقي الدعوية حول المرأة، «أشارك وأحاضر في ملتقيات، محلية ووطنية ودولية، تعالج قضايا المرأة والأسرة، وأقدّم برامج ودورات تكوينية لهنّ في مواضيع متنوعة، لكن هذا لا يمنع من انفتاح على قضايا عامة تشمل، أنشطة ثقافية ودينية، وحملات توعوية موجهة للأسرة والشباب، كتقديم وإعداد برامج إعلامية في الإذاعات الوطنية، وبالضبط إذاعة طنجة المحلية، تقارب ظواهر اجتماعية، وإقامة دورات تعليمية تذكيرية في تخصصات مختلفة: في الفقه الإسلامي والتنمية الذاتية وأواكب شهر رمضان المبارك بإعداد برامج وحلقات دينية عبر الأثير، ومنها برامج الذوق المحمدي، ولك صمتُ، ومسك وعنبر في مجلس خير البشر، ونساء مؤمنات».

حضور المرأة الداعية ليس وليد اللحظة، كما تؤكد أسيا رقي «حضور الداعية له أصول، وأسس من عصر النبوّة، إلا أنه حضور يراوح ما بين مّد وجزر، حسب وعي المجتمع بمهام المرأة ومسؤولياتها. فمنذ عصر النبوّة والمرأة داعية دينياً واجتماعياً، فهي تؤمن بأدوارها الفطرية كأنثى، كزوجة، كأم، وبمسؤوليتها عن الخلافة في الأرض، وإعمار الحياة، وهي على دراية وعلم بأن لها في ظل الإسلام حقوقاً لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية جمعاء، إذ إنّ الإسلام رقّاها إلى درجة تكون هي وشقيقها سواء، يعين بعضهما بعضاً، ويكمل بعضهما بعضاً، يقول تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم». التوبة 91.

وتخلص «فالرجل والمرأة فرعان من شجرة واحدة، متساويان، وكلّما وعى المجتمع وفهم هذه المكونات الحضارية، كلما كان حضور المرأة قوياً، باعتبارها النصف الأساسي ومربية النصف الباقي من المجتمع».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

د. ميساء قطان: الدعوة إلى الله تعالى ليست حكراً على الرجال

أسّست أكاديمية «القرآن حياتي» لإعداد معلمات مجازات بالقرآن والحديث مجاناً، لكل دول العالم ولجميع الأعمار، وحازت أكثر من 20 إجازة بعلوم القرآن والحديث.

تقوم الدكتورة ميساء أحمد قطان، داعية سورية تقيم في دالاس بالولايات المتحدة الأمريكية، بتدريس تفسير وعلوم الحديث والسيرة النبوية، ودروس وعظية وتركز على ضرورة التربية الإيمانية للفتيات والنساء، من خلال شرح مفصّل، وإسقاطات على الواقع، وتدريس منهجي لجميع علوم القرآن.

وحول تقبّل المجتمع للمرأة الداعية، تؤكد د.ميساء حاجة المجتمع للمرأة الداعية، لأنّ «الدعوة إلى الله تعالى من أنبل وأشرف المهن، وهي مهمة الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه، وهي مجال خصب، وميدان فسيح للجهاد في سبيل الله، فالمجاهد والداعية كلاهما يسلك كل الطرق للوصول لهدف واحد».

وفي هذا الصدد، تلفت إلى «إن الدعوة إلى الله تعالى ليست حكراً على الرجال، كما يظن البعض، وتتبوأ المرأة في هذا الجانب موقعاً في غاية الأهمية، لكونها مربية الأجيال، والنواة الأولى لكل أسرة.

ومما يؤكد لنا أهمية وضرورة ممارسة المرأة للدعوة وجود نصوص من الكتاب والسُنَّة تفيد باشتراك المرأة مع الرجل في خطاب التكليف، قال تعالى: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، إلى وجود نص صريح خاص بتكليف النساء بالدعوة كقول الله تعالى في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم «وقلن قولاً معروفاً»، وقوله أيضاً في حقهن «واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة».

كذلك من المعلوم أن الإسلام وضع ضمانات خُلقية للمرأة، تتمثل في وجوب حشمتها عن الرجال الأجانب، وهذا يستوجب وجود داعيات في الوسط النسائي، ووجود أعذار شرعية خاصة بالنساء، لا يطلع عليها غيرهنّ فهنّ أقدر على الإيضاح فيما بينهن».

تتلمس د. ميساء قطان الحاجة إلى المرأة الداعية الموجّهة في مجتمعنا وتشرح الأسباب «المرأة بحكم معايشتها لمجتمع النساء تستطيع أن تطرق المجالات كافة، التي تحتاج إليها المرأة في مجال الدعوة، وتميّز الأولويات في القضايا الخاصة بهن، وتستطيع ملاحظة الأخطاء، سواء ما يتعلق بالعقيدة، أو العبادات المفروضة، أو السلوك، ويتسنى للمرأة القيام بالدعوة الفردية التي يصعب على الرجل القيام بها، مع تحريم الخلوة، مع سهولة الاتصال، من خلال المدرسة والزيارات المتكررة والهاتف».

ويعتبر طريق الدعوة إلى الله تعالى من الطرق المحفوفة بالعقبات، كما تشير د.ميساء، موردة العقبات أمام المرأة الداعية، ومنها:

  • انشغال العديد من النساء بأمور الحياة عن الدعوة إلى الله.
  • عدم دراسة المرأة للشريعة الإسلامية.
  • خوف العديد من النساء من عدم القيام بمتطلبات هذه المكانة.
  • إهمالنا في الاهتمام بإعداد جيل جديد من الداعيات.

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

د. وفاء عبد السلام: الواعظة أكثر دراية بمشاكل وحيرة النساء

الداعية الدكتورة وفاء عبد السلام، واعظة معتمدة بوزارة الأوقاف المصرية، تقول «مما لا شك فيه أن المرأة الواعظة لها دور كبير في المجتمع، نتيجة أن كثيراً من السيدات قد يستحين أن يسألن إمام المسجد، أو أحد الدعاة من الرجال، في أمور دينهن، فالواعظة في هذه الحالات تكون أكثر دراية من الرجال بمشاكل وحيرة النساء في بعض القضايا الفقهية، فعندما تم اعتمادنا من الجهات المختصة كواعظات، توجّهنا للمرأة ليس في دور العبادة فقط، ولكن في بيتها، وفي محيط عملها وغيرها من أماكن تواجدها، والحمد لله وجدنا تقبلاً من الكثيرين للدور الذي نقدمه في نشر سماحة الدين، وأحكامه».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ

وتكمل د. وفاء عبد السلام «تصحيح المفاهيم يصب في مصلحة الأسرة والتي تعد نواة المجتمع، فقد لمسنا ترحيب بعض الرجال بإقبال زوجاتهم على التقرب من الواعظات في المساجد والمجالس الدينية، لما رأوه من انعكاس إيجابي على الأسرة، واستقرارها، وكم من عادات عانى منها البعض تقلصت في بعض الأماكن، مثل زواج القاصرات، وعدم تنظيم الأسرة، وغيرها، وكان السبب في ذلك هو تواجد الواعظات بالقرب من النساء، والحقيقة أنني لاحظت أثناء تقديمي للبرامج التلفزيونية اتصالات تأتي من رجال يسألون عن قضايا اجتماعية مختلفة، مثل تلك المتعلقة بالعلاقة الزوجية وتربية الأبناء، وغيرها، وهذا مؤشر لتغيير النظرة إلى الإيجابية وتقبّل الخطاب الأنثوي الديني من جانب الجنسين، وإن كان التغيير يتجه إلى الأمام على استحياء، إلا أنه خطوة في الاتجاه الصحيح والقادم أفضل بإذن الله، في مشوار الواعظات».

الداعيات الإسلاميّات.. لآلئ مستنيرة تبحث عن طريق ممهد للمساواة مع الوعّاظ
د. روضة الفردوس مع زوجها

د. روضة الفردوس: المرأة الداعية أكثر حضورا من الداعية الرجل في ماليزيا

الدكتورة روضة الفردوس بنت فتح ياسين، هي داعية إسلامية ماليزية، محاضرة بقسم القرآن والسنة في كلية عبدالحميد أبو سليمان لمعارف الوحي والعلوم الإنسانية -الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا .

بدأت مسيرتها الدعوية منذ المرحلة الثانوية تحت إشراف أبيها وهو داعية إسلامي في ماليزيا وتحت إشراف مديرة المدرسة والتي تحولت فيما بعد إلى "والدة زوجها"، أي حماتها.

أول محاضرة للدكتورة روضة الفردوس كانت في مسجد مع النساء في ولاية برليس شمال ماليزيا، تقول عنها "كانت المديرة تصطحبني إلى محاضراتها وتدربني على إلقاء المحاضرات أمام الأمهات وكنت درست في معهد "فتيات العباسية" بالقاهرة في الأزهر. وعندما عدت إلى ماليزيا في الصيف، كانت تطلب مني أن أعتلي المنبر الدعوي بدلا منها والحديث في سياق العلوم الأزهرية التي لها مكانة في المجتمع الماليزي، وحتى شاركت في محاضرات لجمعية الطلبة الماليزية في مصر، وهذا أحد عوامل تفوقي في الدراسة".

رغم صغر سنها، كانت النساء يتقبلن د. روضة كداعية "في بداية الدعوة في المجتمع الإسلامي في ماليزيا، كنت ألقي المحاضرات أمام النساء فقط وتختص بعلوم التفاسير وغيرها، وبعد زواجي وفي بعض الأحيان، بدأت ألقي محاضرات أمام الرجال، وعندما باشرت عملي كمحاضرة في الجامعة، كنت ألقي محاضرات أمام الإداريين في الجامعة والموظفين في المكاتب الحكومية و اللجان وأقسام الكليات الموجودة بالجامعة العالمية بماليزيا، وكل هذا من باب الضرورة حيث يحتاجون إلى بعض الجوانب العلمية المتخصصة فيها ولكني بدأت أفوّض بعض الدعاة الرجال في حال انتفاء الضرورة وحتى كنت أشارك في "سيمينار" على المستوى الدولي وفي مؤتمرات دولية، وذلك نظرا للضرورة والحاجة إلى تقديم أفكاري ".

لا تقتصر موضوعاتها على أمور نسوية "فالنساء في ماليزيا متقدمات في الأفكار وفي العمل والثقافة والسياسة ويشاركن ويساهمن في مجالات اجتماعية ونحتاج إلى إشراك النساء في كوالالمبور للمساهمة في المجتمع بطريقة شرعية ومعرفة الحدود التي يجب أن تلتزم بها النساء في سياق التطور القائم".

وعن كيفية تقبل المجتمع للمرأة الداعية، ترصد د. روضة الفردوس تقبلا ملحوظا للداعيات الإسلاميات حاليا "وهذا ما لاحظته بالمقارنة بين واقع التقبل للداعية وأنا في عمر 16 عاما وتزايد عدد الداعيات في الوقت الراهن حيث أن المجتمع الماليزي يتقبل الداعيات النساء بأريحية والدليل هو تزايد عدد الكليات الإسلامية التي تجتذب النساء للتخصص في مجال الفقه وأصول الدين إلى مشاركة النساء في الدعوة في قضايا ومناسبات دينية عدّة".

وتخلص إلى أن عدد الداعيات من النساء كبير جدا حاليا "المرأة الداعية أكثر حضورا من الداعية الرجل في ماليزيا وحتى أن عدد النساء اللواتي يحضرن المحاضرات الدينية يفوق عدد الرجال".

تحقيق: سلام ناصر الدين - مروة محمد حسين

 

مقالات ذات صلة