كانت أول طبيبة إماراتية تتخصص في طب الطوارئ والعناية المركزة، وهما مجالان عملت بهما بعد تذليل الكثير من الصعوبات وبعد أن رسم لها القدر مجال التخصص إثر دخول والدها العناية المركزة بالتزامن مع سنة الامتياز، كما كانت أول طبيبة ضمن قوات التحالف.
لا تنحصر اهتمامات الدكتورة عائشة مصبح المعمري بالمجال الطبي الذي تعتبره شغفها الأول، فهي قارئة وباحثة وهاوية تسلق جبال وتمارس أنواعاً أخرى من الرياضة ومنها الجري لمسافات طويلة وقيادة القوارب، مع نيتها بتعلم مهارة صيد السمك.
ما الذي دفعك للتخصص في مجال طب الطوارئ؟
منذ طفولتي، كنت أحب مساعدة الآخرين ودعمهم، لذا قررت أن أصبح إما طبيبة أو أدخل السلك العسكري لحماية أفراد المجتمع. هذه الأحلام كانت تراودني وأنا في السادسة من عمري.
مرت السنوات والحلم يكبر في داخلي، ودخلت كلية الطب وشاءت الأقدار أن يصاب والدي بوعكة صحية وأنا في أول يوم من سنة الامتياز واضطرت حالته دخول قسم الطوارئ. في تلك الفترة، لم يكن تخصص طب الطوارئ معروفاً، ويوجد عدد قليل من الأطباء المتخصصين في هذا المجال بالإمارات. لم يستطع الطبيب تشخيص الحالة، وأدى التأخير إلى تدهور الحالة وقضاء والدي 6 أشهر في المستشفى، أغلبها في العناية المركزة، وأوشكنا على فقدانه. في تلك اللحظة، أدركت أن تقديم شكوى ضد الطبيب لن يجدي نفعاً، ويتوجب علي أن أدخل هذا التخصص وأعمل على تطويره لأنقذ أفراداً يعانون مثل والدي.
ذهبت إلى كندا في بعثة دراسية لدراسة طب الطوارئ بعد أن تم ترشيحي وقبولي في الجامعة، كانت العناية المركزة جزءاً من تدريب أي طبيب طوارئ في السنة الثانية، ولدى دخولي للعناية المركزة، بدأت الذكريات تعود إلى مخيلتي عندما كان والدي في غرفة العناية والمحاولات العديدة والمتكررة لإنعاشه، شعرت أني لا أمتلك القدرة على الخوض في هذا التخصص، ولكني في غرفة العناية كنت أرى أبي في هؤلاء المرضى، وأشعر بمعاناة أهلهم. كانت هذه المشاعر كفيلة بكسر حاجز الخوف والرهبة لأتخذ قراراً مصيرياً بدراسة تخصص العناية المركزة إلى جانب طب الطوارئ.
ما أبرز التحديات التي واجهتك عند خوض المجال؟
أمام رغبتي في دخول هذا التخصص، لم أوفق في السنة الأولى بالحصول على برنامج تدريبي، فعاودت المحاولة عام 2005 وحصلت على قبول من ثلاث جامعات، واخترت منها جامعة ميجيل في كندا، كونها احتضنت أول برنامج لتدريب طب الطوارئ في كندا، والذي بدأ عام 1972.
الحصول على التخصص كان التحدي الأكبر الذي واجهني، وبتوفيق من الله ودعم حكومتنا الرشيدة بتوفير برامج الابتعاث والمتابعة من الملحقيات الثقافية، ذلّلت الصعاب. توالت التحديات بعد التخصص، كان أولها رفض بعض الزملاء فكرة الجمع بين تخصصي طب الطوارئ وطب العناية المركزة، ورفضهم أن أعمل في المجالين، بالرغم من وجود نقص فيهما، و حصولي على شهادة البورد في التخصصين. بدأت ممارسة التخصصين منذ عام 2012، وكل تخصص لا يخلو من التحديات، ولكن يتوجب علينا كأفراد استيعاب الواقع، والعمل على تحجيم المشكلة ووضع خطة للتغلب على التحدي، والمضي قدماً نحو الهدف المنشود.
من خلال عملك واجهتك مواقف عدّة، ما الموقف الأصعب؟
المواقف كثيرة ولكني أستطيع القول إن اتخاذ القرارات الحاسمة كقائد من أصعب المواقف التي مررت بها. ففي كثير من الأحيان يتطلب الموقف اتخاذ قرارات صعبة ومصيرية، دون أن نمتلك قدرة الإفصاح عن الأسباب الكامنة وراءها، بسبب سرية الموضوع، ويمكن أن نواجه بعض الانتقادات نتيجة عدم تفهم الأفراد لطبيعة عملنا وخصوصية مهامنا. لدى مواجهة هذه المواقف، أتمسك بالمبادئ الأساسية للأخلاق المهنية، وأعمل على تحري الدقة، وموازنة المصالح والأضرار، ومن ثم التوكل واتخاذ القرار الذي يخدم المصلحة العامة.
كنت أول طبيبة ضمن قوات التحالف. ماذا تحدثيننا عن هذا القرار؟
في عام 2011، دخلت برنامج زمالة للإغاثة الإنسانية، وكان يتضمن أسبوعين من التدريب النظري والعملي في جامعة هارفارد في بوسطن، ويوجد ضمنها 3 أيام محاكاة لسيناريو الحرب الأهلية، ودخلنا في وسط السيناريو كعاملين للإغاثة الإنسانية، بالرغم من إدراكنا بأنها محاكاة وتمثيلية، إلا أني شعرت بالخوف، وأني غير قادرة على التعامل في ظروف الحروب، وقررت التطوع للإغاثة الإنسانية في ظروف آمنة.
يوم الجمعة 4 سبتمبر 2015، تلقيت مكالمة بغرض ترشيح طبيب طوارئ للذهاب في مهمة ولم يكن لدي معلومات عن الوجهة والمدة والظروف. انتابني الخوف وطلبت مهلة 10 دقائق للرد. وعندما أغلقت الهاتف تضاربت الأفكار في رأسي بين قراري عدم الذهاب لأماكن غير آمنة وبين هدف خدمة الإمارات في مثل هذه الظروف، وصوت القائد يتردد داخلي: «كيف يمكنك إرسال زميل لك إن كنت أنت خائفة؟» استخرت الله، وإذا بالهاتف يرن مرة أخرى، وتأكيد بالحاجة إلى طبيب عناية مركزة وليس لطبيب طوارئ وأجبت بكل ثقة وعزم: «أنا مستعدة، سأذهب في المهمة» وبعدها أتممت صلاة الاستخارة.
وفي الميدان في اليمن، كان الفريق الذي التحقت به من شركة صحة، والخدمات الطبية العسكرية، يمتلك مهارات عالية، وينتمي لجنسيات متعددة، عملنا فريقاً واحداً، لتحقيق هدف واحد، يتمثل بإسعاف جنودنا، وإعادة المصابين إلى أرض الوطن.
أشعر بالسعادة تغمر قلبي عندما أساهم في خدمة أفراد المجتمع
تم تكريمك بجائزة أبوظبي 2016، ما الذي يعنيه لك هذا التكريم؟
كانت ومازالت لحظة خاصة ومميزة أفخر بها، هذا التكريم فضل من الله، الذي سخرني لخدمة وطني. وبدعم من دولتي الحبيبة وأسرتي الغالية، واصلت المسيرة وحققت أحلامي على الصعيد العلمي والعملي، وتمكنت من العمل، واكتساب الثقة التي نمت وتطورت داخلي، لأستطيع اتخاذ قرار الذهاب في مهمة عظيمة والتي حفزتني لأبادر في التطوع ضمن مشاريع عديدة لخدمة وطني وأفراده.
أشعر بالسعادة تغمر قلبي عندما أساهم في خدمة أفراد المجتمع، وتتملكني طاقة إيجابية هائلة، وأشكر الخالق على توفيقه لأنه سخرني للتخصص في مجالين ممتعين، أستطيع من خلالهما خدمة أفراد المجتمع والتخفيف من معاناتهم.
لديك مبادرات تطوعية كثيرة، من بينها السعي للتثقيف والتعليم المستمر
لا أتوانى عن السعي للتطوع بمختلف أشكاله، سواءً عبر المبادرات أو عن طريق المساهمات مع المنظمات المحلية والعالمية. أنا متطوعة مع منظمة كندية غير حكومية لتطوير طب الطوارئ في إفريقيا، وذهبت في رحلتين تطوعيتين للعمل هناك، كما أشارك في العديد من المؤتمرات في الإمارات والمنطقة، بهدف تثقيف الأطباء بكل جديد في طب الطوارئ، وأحرص على اختيار مواضيع جديدة في كل مؤتمر، وأبتعد عن التكرار لتعم الفائدة على الجميع.
هل انعكست طبيعة عملك في طب الطوارئ على حياتك ضمن أسرتك ومحيطك؟
كان لعملي تأثير إيجابي حيث أشعر أني قادرة على مساعدة من يقصدني للاستفسار الطبي وأعطيهم الإجابة الطبية وأوجههم وفق المسار الصحيح ضمن النظام الصحي. ويسعدني تقديم المشورة لكل من يحتاجها. تثقيف أفراد المجتمع ببعض المهارات الإسعافية البسيطة قد يساهم في إنقاذ حياة إنسان، وكل ما نحتاج إليه برنامج ممنهج لتدريب أفراد المجتمع.
أعتزم البدء بالكتابة رغبة مني بمشاركة شغفي ومهاراتي مع الآخرين
ما أبرز الإنجازات التي تتوقفين عندها خلال مسيرتك المهنية؟
أبرز إنجازاتي تتمثل في نجاحي بتأسيس أحد برامج تدريب طب الطوارئ بأبوظبي في عام 2014 ومازال مستمراً، إذ أشرفت من خلاله على تدريب أطباء وطبيبات في طب الطوارئ، هم اليوم زميلات وزملاء يجيدون ممارسة طب الطوارئ. على المستوى الشخصي والأكاديمي، حصلت على 3 شهادات ماجستير في مجال الجودة في الإدارة الطبية (2014)، وزراعة الأعضاء (2017)، والإدارة والأعمال (2019)، كما قمت مع عدة زميلات وزملاء بنشر العديد من الأبحاث الطبية من ميدان العمل المهني في طب الطوارئ بأبوظبي.
ما هي تطلعاتك للمستقبل؟
على الصعيد المهني، أعمل على عدد من الأبحاث حالياً، وإن أتيح لي المجال هناك العديد من الفرص لتطوير طب الطوارئ في أبوظبي وأتمنى أن نغتنمها. كما أعتزم البدء بالكتابة رغبة مني بمشاركة شغفي ومهاراتي مع الآخرين.
حدثينا أكثر عن هواياتك؟
أختصر هواياتي بقيمة عظيمة، وتتمثل في أني أحب وأستمتع بالتعلم. أعشق القراءة وأقرأ في مجالات مختلفة تشمل التاريخ، والسيرة الذاتية للشخصيات، الفلسفة، تطوير الذات، والعلوم وغيرها. كما أمارس هواية المسير الجبلي منذ 2015 ووصلت لأعلى قمة في الخليج، جبل شمس في سلطنة عمان في 2021، كما وصلت لأعلى قمة في الوطن العربي – جبل توبقال في المملكة المغربية، وكذلك أعلى قمة بإفريقيا في 2017، ومؤخراً حاولت الوصول لأعلى قمة في قارة أوروبا – جبل ألبرس، إلا أن العواصف حالت دون ذلك، وسأعيد المحاولة العام القادم. كما أعتزم تسلق 5 من القمم السبع الأعلى في العالم خلال الخمس سنوات المقبلة. حصلت على رخصة قيادة القوارب الصغيرة في 2021، وأمارس قيادة القوارب، وأحرص على تطوير مهاراتي مع الوقت بنية تعلم مهارة صيد السمك.
وبدأت حديثاً ممارسة رياضة الجري، وشاركت في أول ماراثون لي، وهو سباق أدنوك السنوي في أبوظبي، الذي يهدف للتوعية بالتبرع وزراعة الأعضاء. تكسبني كل رحلة الكثير من المهارات والخبرات، كما أحرص على جذب أسرتي وأصدقائي لتلك النشاطات، ويسعدني مشاركة والدتي في سباقات الجري (تمشي ولا تجري)، ويعد إنجازاً لسيدة في عمر 67، وتمتلك القوة والصحة للقيام بذلك.
ما كلمتك لأفراد المجتمع لتكريس جهودهم لعمل الخير؟
ما نقدمه من خير هو لنا قبل أن يكون للغير، السعادة والرضا التي يحصل عليها الفرد من عمل الخير هي بمثابة ترياق للعديد من الضغوط والهموم، التي تصاحب حياة أي منا. أن نرسم البسمة على شفاه الآخرين هو شرف وفخر وعلاج في الوقت ذاته.