سيارة فارهة أو منزل أو مبلغ ضخم.. الشروط التعجيزية لـ "الرضوة" صمام أمان أم معول هدم؟
شهدت بعض محاكم الأسرة في الآونة الأخيرة شروط صلح تعجيزية، منها ما طالبت به زوجة بامتلاك سيارة فارهة للتنازل عن قضية طلاق للضرر، وأخرى اشترطت تسجيل المنزل باسمها، وثانية وافقت على الصلح بعد حصولها على مبلغ مالي ضخم، وغيرها من الاشتراطات التي جعلتنا نطرح تساؤلاً: هل يمكن أن تؤدي المبالغة في طلب «الرضوة» إلى استقرار الأسر من باب تخويف الزوج من عدم إغضاب شريكة حياته، أم تعد تلك الاشتراطات التعجيزية معول هدم لبيوت آمنة؟
تقول الدكتورة رقية حسين محمد، مستشارة تربوية وأسرية، «الهدف من «الرضوة» لم شمل الأسرة من جديد بعد أن يؤدي خلاف ما بين الزوجين إلى استحالة العشرة ووصول الأمر إلى طلب الانفصال، أما فيما يتعلق بمحور حدثينا وهو المبالغة فيها، فلي وجهة نظري الخاصة والمأخوذة عن كمية القضايا التي تعرض علينا بشكل دائم، والتي لا نألوا جهداً في ترسيخ مبدأ الصلح بين الزوجين منعاً من تفكك الأسرة وضياع الأبناء».
تستعرض الدكتورة رقية حسين أهم ما يمكن أن تحققه «الرضوة» من نتائج إيجابية:
- قد تكون رادعاً قوياً لبعض الأزواج في الحفاظ على الأسرة.
- تحمل جانباً تربوياً متيناً لبعض الرجال المستهترين بقيمة الزوجة وحقوقها وحقوق أبنائها.
- بمثابة وقفة حازمة لإيقاظ بعض الأزواج من غفلتهم وإدراك حجم التنازلات والتضحيات التي تقدمها الزوجة نتيجة تقاعسه عن القيام بواجباته تجاه ديمومة هذه الأسرة.
- بعض الرجال عديمي الخبرة بمتطلبات الحياة الزوجية، وتعد «الرضوة» في حال وقوع الخلاف صدمة توقظهم من غفلتهم.
- تعد درساً قوياً لاختبار مدى صدق الزوج وعدم وقوعه في نفس الأخطاء السابقة.
لست مع المبالغة في «الرضوة» إذا كانت الزوجة لا تعي ولا تدرك قيمة الأسرة
وتضيف د. رقية حسين «نلجأ في بعض الأحيان لـ «الرضوة» في محاولة لرأب الصدع بين الزوجين، إلا أنني ضد المبالغة فيها إذا كانت الزوجة لا تعي ولا تدرك قيمة الأسرة والآثار السلبية المترتبة على تفككها وضياع الأبناء، وهمها الوحيد قهر شريك الحياة واستغلال تمسكه بالحفاظ على هذا الكيان، فيضطر لتقديم تنازلات حتى وإن لم يكن بمقدوره، أو تكون الزوجة متسلطة لا تنشغل سوى بنفسها، أو تكون طلباتها تدل على كماليات مبالغ فيها تفوق طاقة الزوج على الرغم من أن التقصير منها وليس منه في حق هذه الأسرة، ففي تلك الحالات لا أؤيد بشكل أو بآخر المبالغات في «الرضوة»، لأن الذي لا يبنى على نوايا وأسس سليمة لا تكتمل مسيرة نجاحه».
الشروط التعجيزية لـ «الرضوة»
أما الدكتورة أسماء حمدان، محاضرة بقسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة، فتتبنى الفكرة من زاوية اجتماعية، وتبين «من البديع عودة العلاقات مرة أخرى والأجمل عودتها دون شروط، ولكن الأفضل هو التركيز على المشكلة الحقيقية وأسبابها التي أدت إلى الجمود ثم الانعزال ومن بعده الانفصال، وإذا وضعت شروط تعجيزية من قبل أحد الزوجين، أود التركيز هنا على الرغبة الداخلية بطلب تلك الشروط، وهي:
- إما انكسار الطرف الآخر والحصول على أكبر فائدة من هذا الموقف الصعب، أو ربما الرغبة بعدم العودة مرة أخرى، فتفرض الشروط التعجيزية.
- إذا افترضنا أن المشكلة ليست مادية ولتكن مرتبطة بجفاف عاطفي، أو أن الزوج يقضي أوقاتاً كثيرة خارج المنزل، لماذا يكون الشرط التعجيزي من قبل المرأة سيارة فخمة أو بيتاً أو هدية ألماس؟ هنا المشكلة ليست سوى عدم تقدير لكيان الأسرة وعليها تغيير تلك النظرة واستبدالها باستراتيجية هدفها المحافظة عليها من العواصف التي تحيط بها».
وتضيف د. أسماء حمدان «التوفيق بين زوجين على وشك هدم بيتهما أمر يحمل قيمة هدفها الحفاظ على المجتمع باستقرار أهم مؤسسة فيه وهي الأسرة، والتي تعد لبنته الأولى ومن دونها لا يتحقق الاستقرار المجتمعي، ولكن علينا ترسيخ المبادئ التي تصب في مصلحة الطرفين، وأقصد هنا الزوجين، ومثل تلك الحلول أراها لا تجدي ولا تحل خلافاً قائماً، بل تعد كالمسكن الذي يوضع على الجرح كي يخفف الألم، والحل في البحث عن جذور المشكلة ومحاولة استئصال ورمها الخبيث كي يحيا الجسد معافى وسليماً».
«الرضوة» أنقذت أسراً من التفكك
نستعرض مع الدكتور حمدان راشد الدرعي، الباحث والمؤرخ في تاريخ الإمارات، الخلفية التراثية لمصطلح «الرضوة» ومتى يتم التحكيم بها، ويشير «تدخل «الرضوة» مسرح الأحداث حينما يستحيل التقارب بين الزوجين، ويحل الشقاق أمراً لا مناص منه ويخرج من نطاق الزوجية، وهنا يجتهد الوسطاء للحيلولة دون ذلك، وينظر البعض إلى «الرضوة» على أنها مفخرة تراثية، تحتسب للأجيال السابقة من أبناء الإمارات، الذين كانوا يغالبون داعي الحكمة على داعي الهوى، وصوت العقل على صوت كل ناعق».
ويضيف «الرضوة» وإن بدت على أنها ابتزاز للأزواج إلا أنها حالت دون تفكك كثير من الأسر وأسهمت في صمودها، ومن ثم في رفد المجتمع بالعناصر البناءة التي تخرجت في بيت متماسك، يعزى ذلك إلى قدرة أفراده على التكيف مع مصاعب الحياة، وما يموج فيها من تحديات ويتخللها من مشاق. وتفتخر الأسرة العربية بقدرتها على الصمود في مواجهة رياح التحدي التي تعصف بالاستقرار الأسري، وقد يكون ذلك في جزء كبير منه راجع إلى متانة تمسكها بالموروث الشعبي، الذي ينبذ الشقاق ويتمجد في التآلف، ومن ذلك ما جاء في المثل الشعبي «من خالف، ما والف»، أي أن من سلك طريقاً غير طريق الجماعة، لم يجد له وليفاً أو خليلاً، وبالتالي سيعاني شقاء العزلة».
ويشرح بعضاً من الأسباب «قد يكون مرد اللجوء إلى «الرضوة» في أغلب الأحيان هو إقدام الزوج، ودون تعمد، على إشعال نار الغيرة في قلب شريكة حياته بأن يلحقها بزوجة أخرى، مما يجعلها بين مطرقة «التشفي النسائي» وبين سندان نار الغيرة، ولا يسعف المرأة حينها إلا أن تشهر في وجه زوجها سلاح «المقاومة السلمية»، فترفض العودة إلى عش الزوجية، ولا يكون أمامه سوى أن يضحي بالضرة أو أن يرضخ لها، ولا سبيل إلى الجمع بين الاثنين، وهنا تأتي «الرضوة» التي يسبقها الشفعاء من ذوي القرابة، فيلجأ الزوج إليها للرفع من مقام شريكة عمره من خلال إقطاعها بستاناً أو أرضاً أو عقاراً في إشارة إلى تقديرها».
«الرضوة» في مجتمعاتنا العربية بمثابة لجنة المصالحة