الشيخة ماجدة الصباح على غلاف مجلة كل الأسرة
في حوارها مع سلام ناصر الدين، أطلت علينا بإنسانية وكثير من تواضع ورؤى لخدمة الإنسان. ليس مبالغة القول إن ثمة حياة في اللقاء معها، وثمة حقيقة تتماس مع البعد الإنساني.
من مشوار الجمال والأعمال حيث باشرت مشروعها الخاص، إلى محاكاة واقع مجتمعنا والعمل على نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية، تطل الشيخة ماجدة جابر الحمود الصباح، رائدة أعمال وصاحبة مبادرات إنسانية لدعم مجال الصحة النفسية، لإطلاق مبادرة «هُنا» في إطار الدعوة إلى فتح الصناديق المغلقة والتعبير عن ذواتنا وحقيقتنا والتخلص من الحرج المتعلق بواقعنا النفسي.
الشيخة ماجدة الصباح
نشأة الشيخة ماجدة كانت صارمة في الطفولة وليس فيها أي دلع. تحكي لنا "كنت أشعر أنها نشأة قاسية، وبعد أن كبرت بت أعتبرها أفضل نشأة جعلتني إنسانة مكافحة، تعتمد على نفسها وذات مسؤوليات".
تضيف "أمثال الأحمد «ربتني عدل». كانت تربيتها صارمة بعيدة عن الدلال، حيث لم تكن طلباتي مجابة ونشأت على أهمية الاعتماد على النفس. مواقف كثيرة أصقلتني منها المصروف مثلاً، كنت أقول لوالديّ أحتاج لمبلغ من المال ويكون جوابهما «أنت أنفقت مصروفك الشهري». كنت أعاني حتى بداية الشهر القادم خصوصاً أني أعيش في «بيئة مرتاحة» ولكني كنت أجابه بكلمة لا".
وتردف "لم يكن هناك تعامل على أساس شيخة، وهذا ينسحب على الواقع الحالي، وحتى كل من حولي يعرفون أني لا أتعامل على أني شيخة. أنا إنسانة أحصل على أي شيء أحتاجه بيدي، واتبعت نفس القاعدة في التربية مع بناتي فيما يتعلق بتحميلهن المسؤوليات، وأقول لهن إن ما ترغبن بالحصول عليه، تحصلن عليه بجهدكن دون مساعدة أحد".
الشيخة ماجدة الصباح مع والدتها الشيخة أمثال الأحمد
تقرّ الشيخة الصباح أن الاكتئاب الذي عاشت تفاصيله ويومياته قادها إلى «بلورة شخصية أعمق لماجدة»، معترفة أن نسبها للأسرة الحاكمة في الكويت «ساعدني على أن أخوض غمار نشر الوعي ولو أن البعض اعتبر أني كسرت الحواجز» ومقرة أن القلق والاكتئاب واضطرابات الطعام أكثر الاضطرابات النفسية في عالمنا العربي.
وتؤكد "كنت لا أتقن كيفية استقبال مشاعري بالشكل الصحيح ولم أكن أتحكم بها بالطريقة المناسبة، ولكن مع مسار الاكتئاب والرحلة في محاولتي لتخطيه، بلورت شخصية جديدة أعمق من شخصية ماجدة القديمة".
أرفض الإيجابية المطلقة وأعتبرها سماً من سموم العصر
تعتبر نفسها "مكافحة" وأنها لم تصل بعد لمستوى من الحكمة والمعرفة والراحة النفسية الأبدية. كما تنتقد بشدة فكر "الإيجابية المطلقة" ، موضحةً السبب "أنا لا أؤمن بها و أحاول قدر الإمكان محاربتها لأنها سم من السموم التي تكون في حياة الإنسان والتي تؤثر فيه سلباً".
وتواصل "أؤمن أن الإنسان هو إنسان في النهاية تعترضه عقبات وعثرات ويجب أن يشعر بالقاع ويعاني ويساعد نفسه على الخروج ليشعر بالمتعة.. هي أشبه بالرحلة، وتقبل وجود قاع ومعاناة سيجعل طريق الخروج من القاع «أظرف» وأكثر متعة".
البعض يعتقد أن كون الشيخة ماجدة الصباح من الأسرة الحاكمة للكويت قد شكل عائقاً أمامها، لكنها استطاعت أن توظف اسمها في الحديث برحابة عن مجال الصحة النفسية وأهميته، تشرح لنا "البعض يعتبر أني كوني من الأسرة الحاكمة شكّل عائقاً كبيراً أمام ماجدة، ولكن ماجدة كسرت الحاجز. أنا أرى العكس، أنه بعد أن جلست مع نفسي وفكرت لأني كنت أخاف دوماً أن أصنف ضمن فئة الأسرة الحاكمة. اليوم، أنا أوظف هذا الموقع الذي وضعني فيه الله سبحانه وتعالى لمساندة الناس الذين يحتاجون إلى مساعدة".
واصلت الشيخة ماجدة الصباح رحلتها نحو التوعية بالصحة النفسية بشغف وإصرار و أطلقت مبادرة ومنصة «هنا»، إيماناً بمسؤوليتها الإنسانية نحو نشر مفاهيم العلاج والإرشاد النفسي و توفيرها لمن بحاجة لها، تقول "منصة «هنا» هي صلة وصل ما بين الفرد الذي يحتاج إلى العلاج أو الإرشاد النفسي، حيث تقدم المعارف والموارد والدعم والإرشاد لمن يعاني مشاكل نفسية ويخجل من طرح الأسئلة، كما تتضمن قائمة من المراكز الصحية والبودكاست والمقالات والندوات الإلكترونية والفعاليات الحية والافتراضية إلى دليل للمعالجين النفسيين المرخصين"
منصة «هنا»
تؤكد الشيخة ماجدة الصباح "نحن لسنا أطباء وليست لدينا الصلاحية أن نوجه المشتركين مباشرة لإعطائهم حلاً لمشكلاتهم، وفعالياتنا ترتكز على نشر التوعية حيث إن حوالي 15% من سكان دول الخليج العربي يعانون اضطرابات نفسية، كما أن 75% من الذين يعانون مشاكل الصحة النفسية لا يلجأون لطلب مساعدة المختصين".
75% من الذين يعانون مشاكل الصحة النفسية لا يلجأون لطلب مساعدة المختصين
تشير الشيخة الصباح إلى أهمية السوشيال ميديا في نشر الوعي بمجال الصحة النفسية، وتقول "أشكر وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتبرها البعض سلبية وأنا أرى العكس لكونها أفادتنا للغاية في بث الوعي. الجانب السلبي أن ثمة أفراداً يتطرقون إلى مجال الصحة النفسية ويدّعون الخبرة ويوجهون الناس إلى طرق غير صحيحة. في منصة «هنا»، ندعو إلى استقاء الخبرة من الشخص المختص ولا يحق توجيه الناس إلى أساليب غير علمية".
الشيخة ماجدة الصباح
عن أبرز الاضطرابات النفسية التي نتعرض لها في مجتمعاتنا العربية، تقول الشيخة ماجدة الصباح "من خلال تماسي مع الأفراد الذين يشاركونني قضاياهم، يأتي القلق والاكتئاب في المرتبة الأولى، ويليهما اضطرابات الأكل التي للأسف لا يتم تسليط الضوء عليها حيث إن أفراداً خسروا الكثير مما يملكون في حياتهم بسبب اضطرابات الطعام، وكذلك فرط الحركة والاضطرابات التي تصيب الأطفال وتتفشى بكثرة هذه الأيام. سبق وقلت إني لست بطبيبة ولكن من خلال تواصلي مع أطباء ومعالجين من خلال المبادرة يؤكدون أن طريقة التغذية الحالية غير سليمة والتواصل المستمر للأطفال مع وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة كلها عوامل مؤثرة في الواقع النفسي".
الشيخة ماجدة الصباح مع زوجها الشيخ عبدالله النواف الصباح
تتعمد الشيخة ماجدة الصباح أن تبرز شخصيتها الحقيقية على مواقع التواصل دون زيف أو تعديل، فتنقل لحظات حياتها الطبيعية بتلقائية لهذا يتجاوب معها المتابعون بصدق وصراحة.
تقول "قلة من الناس تتماهى مع أسلوبي في التعبير إلا أن الأغلب يجب أن يخرجوا بأفضل صورة وبأفضل هندام ويتكلمون أفضل الكلام ، والقناع الذي يضعونه على وجوههم يجب أن يكون القناع المثالي الإيجابي. ما ميزني عن غيري أني كنت أخرج عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشعري «منكوش» ومن دون مكياج وفي أصعب لحظاتي، وهذا عادي لكوني أشارك لحظاتي التي لا أكون فيها على خير ما يرام ليرى الناس أن هذا أمر طبيعي. عندما «أتهندم» لا أعمد إلى التصوير ولكن أقوم بذلك عندما أكون متعبة لأقول لهم «هذه ماجدة الحقيقية»".
وتؤكد "أحاول أن أتكلم وأعبر عن كل شيء. رحلة الاكتئاب جعلتني صريحة مع نفسي ومن حولي، كل منا يجب أن يكون حقيقياً في كل ما يقوم به. كن كما أنت. كن حقيقياً. أعبر عن نفسي وما أرغب به ومن المفترض أن يفهم الناس أن هذه أنا على حقيقتي. لنكن واقعيين وطبيعيين.. الفرد يجب أن يكون حقيقياً وإنساناً بمعنى الكلمة. الحقيقة تسير بالتوازي مع الإنسانية. لا يمكن أن أكون إنساناً حقيقياً وأجرح من أمامي أو أخطئ بحقه. حقيقتك أن تكون إنساناً وواقعياً مع كل من حولك".
الاكتئاب طورني ودفع عملي للأفضل لأني بدأت التفكير بالمنتجات التي تبرز الجمال الحقيقي وتبلور الجمال الداخلي
نجحت الشيخة ماجدة الصباح كناشطة اجتماعية، تحكي لنا عن رحلتها في مجال الأعمال "بدأت في عالم الجمال وكنت وقتها ماجدة التي تفكر بالجمال الخارجي، وبعد البلورة لشخصيتي التي تلت معايشتي للاكتئاب، بت أركز في مجال ريادة الأعمال، على الجمال الذي يبرز الجمال الخارجي على طبيعته وصفائه وبساطته. الاكتئاب طورني ودفع شغلي للأفضل لأني بدأت التفكير بالمنتجات التي تبرز الجمال الحقيقي وتبلور الجمال الداخلي".
نشطت الشيخة ماجدة الصباح خلال الجائحة عبر برنامج وطني للإرشاد النفسي، تخبرنا عنه "هذه المبادرة كانت من دولة الكويت وتترأسها ابنة عمي الشيخة زين الصباح وشملت مجموعة فاعلة من الأفراد المتخصصين في جميع المجالات وكانت مجموعة تعمل بروح الفريق من أجل تهدئة النفوس أثناء جائحة «كورونا» التي تركت آثارها السلبية، وذلك عبر إقامة دورات وورش عمل عن بعد".
المرأة الإماراتية قدوة لكل النساء العربيات
للشيخة ماجدة الصباح صداقات عديدة مع نساء رائدات من العالم العربي وبالأخص من دول الخليج، والإمارات تحديداً. تتحدّث بحب وإعجاب كبيرين عن المرأة الإماراتية «المرأة الإماراتية سباقة في كل المجالات ولي صديقات إماراتيات أمهات لأبناء يراعين شؤونهم وفي الوقت نفسه نساء عاملات يخضن غمار المجال الوظيفي في مناصب عليا ويستطعن تحقيق التوازن بين العمل والأمومة. أعتبر أن المرأة الإماراتية قدوة لكل النساء العربيات».
تصف لنا يومياتها كجدة لعدد من الأحفاد "أنا جدة لـ6 أحفاد، أنجبت بناتي الأربع في عمر صغير، وهنّ شيخة، شريفة، مريم وأمثال (على اسم الوالدة)، فالبنت الأولى أنجبتها كان عمري 18 عاماً، نشأنا معاً وتحولت علاقتنا إلى علاقة صداقة أكثر من علاقة أم ببناتها ودوماً يسألونني «هل صحيح أن ولد الولد أغلى من الولد؟» أجيب بالنفي لأن معزة الأحفاد من معزة أمهاتهم وأنا أكّن لبناتي كل احترام لأنهن بنات وزوجات صالحات وأمهات رائعات، ولليوم هن يهتممن بي ويساعدنني بكل الطرق وهن واعيات لأسلوب تنشئة أبنائهن صحياً ونفسياً لجهة نظامهم الغذائي وتحديد علاقتهم بالتقنيات الحديثة ضمن نظام وساعات محددة سواء خلال العطلة الأسبوعية أو خلال أيام الأسبوع".
مع إحدى حفيداتها
في ختام اللقاء، وجهت الشيخة ماجدة الصباح رسالة للأجيال القادمة عبر مجلة كل الأسرة قالت فيها "لنعش حياة نحاول الارتقاء بها للأفضل، ولنجعلها من دون قيود ومن دون حدود، ولنتقبل الإنسان على ما هو عليه، ولنتلمس الاختلاف لدى الآخر ونحاول إبرازه وإظهاره أكثر لأن اختلافاتنا تميزنا كبشر. على صعيدي، ما زال الكثير أمامي وآمل أن أحقق الكثير من أجل خدمة الإنسانية، و«خدمة الإنسانية» ليست كلام مانشيت، فأنا أحاول أن أخدم الإنسان وأؤثر في إنسان لكي يعيش حياة أفضل".
* تصوير: السيد رمضان
* نشر الحوار كاملاً في مجلة كل الأسرة (العدد1516 ) بتاريخ الأول من نوفمبر 2022