قصة ملهمة خاضتها وعايشت تفاصيلها. كان الاكتئاب طريقها لبلورة مسارها مع الرياضة التي بدأت بممارستها في نزهة قصيرة مشياً على الأقدام في حديقة الصفا بالوصل وقادتها إلى أن تكون أول إماراتية وخليجية تشارك في بطولة «ريبوك كروس فيت آسيا» بكوريا الجنوبية، لتتوج مسيرتها باختيار رياضة تلائم جسدها وتحاكي قدراتها وهي رفع الأثقال، وإن كانت واجهتها الكثير من المعوقات في بداية الطريق.
تعمل آمنة اليوم في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية وفي مجال الكتابة، وتتحدث عن رحلتها مع الاكتئاب للتوعية وحث الشباب على تجاوز أي محنة في هذا اللقاء:
انخراطك في مجال الرياضة كان بمحض الصدفة، كيف أنقذت الرياضة حياتك؟
لم أدخل مجال الرياضة بشكل منتظم في طفولتي عدا ممارسة بعض الرياضات العادية كالتزلج والسباحة، ولم أخض أي بطولات. في فترة من حياتي، كنت أمر بعوارض اكتئاب وقررت أن أغير هذا الإحساس بممارسة المشي في حديقة الصفا بالوصل لأشعر بعدها أني تحررت من الطاقة السلبية بشكل كبير. يومها، اجتاحني إحساس قوي بقدرتي على أن أغيّر من حياتي ومن نمط تفكيري، ما قادني إلى الانخراط في نادٍ رياضي.
اكتشفت موهبة كامنة داخلي وقدرة على تقوية جسدي والانسجام بين جسدي والأوزان. رياضة رفع الأثقال تتماهى مع قدرات جسمي، وهذا ما دفعني إلى خوض تجارب أخرى حيث شاركت في بطولة «كروس فيت – دبي» وتعرفت إلى هذه الرياضة وتدربت فيها وكانت ثمة بطولات محلية خضتها وأحببت هذا المجال. كنت أحاول استكشاف واستشراف ما سيترتب على الانخراط في هذه الرياضة ووجدت أني أمتلك القدرة وقررت التدرب لـ«كروس فيت الآسيوية» التي تقام في كوريا الجنوبية وخوض التحدي وذلك عام 2012، والحمد لله تأهلنا كفريق وكنت الإماراتية الوحيدة ضمن الفريق و أول عربية تشارك في البطولة، وعايشت الإحساس الجماعي. وبعد العودة للإمارات، قررت التركيز على الرياضة التي تناسبني وتناسب قدراتي الجسدية لكون الكروس فيت تضم تشكيلة متنوعة من التمارين الرياضية ولم أحبذ تعدد الخيارات كما أنها رياضة غير أولمبية.
ولذلك اتجهت نحو رفع الأثقال؟
كان جسدي يحب رفع الأثقال وقررت التركيز عليها كرياضة أولمبية باعتبار أنه يمكنني أن أرصد نقاط تطوري فيها ومكامن الضعف وتحسينها واستشراف مستوى الإنجاز، وهذا ما قادني إلى المشاركة في بطولة «أرنولد» عام 2013 حيث كنت العربية الوحيدة بين المشاركات بعد أن اجتزت اختبارات قياس المستوى التي يجريها الاتحاد الإماراتي، إلى مشاركاتي في فعاليات رياضية مرموقة عالمياً حيث حصدت 6 ميداليات ذهبية و3 فضية في مسابقات الاتحاد الدولي لرفع الأثقال بالأردن وتمكنت من المساهمة في تأهل الإمارات لدورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو عام 2016 كما نلت جائزة المرأة العربية في مجال الرياضة في العام نفسه.
رياضة رفع الأثقال تناسب كل فرد سواء كان ذكراً أو أنثى وهي ليست حكراً على أحد ولكن لكل فرد الرياضة التي تناسب جسده
بدأت مسيرتك الرياضية بعمر 21 عاماً، اضطررتِ معها إلى اختصار سنوات عبر التدريب المحكم، كيف تجاوزت التحديات لتحقيق إنجازاتك؟
كنت أذهب للنادي بشكل طبيعي ولم تكن تلك السنوات تعتبر ضمن فترة التجهيز للرياضة. كان عمري آنذاك 19 عاماً وكنت أقوم بتدريبات عادية وروتينية، وفي عمر الـ21 عاماً دخلت التدريبات الأكثر جدية التي تتطلب تركيزاً على التجهيزات والمرونة وكفرد، في الـ22 عاماً لم تكن مفاصلي مرنة، ما استغرق وقتاً طويلاً في التمارين والتدريب المحكم للتغيير من نمط جسدي واكتساب المرونة المطلوبة. واجهت صعوبات كثيرة، إذ كنت أمتلك القوة والقدرة ولكني كنت أفتقد المرونة، وهي عنصر ضروري في رفع الأثقال، تفادياً لتعرض المتدرب لأي أذى. فرفع الأثقال تعتبر رياضة صعبة وبتقنيات كثيرة وكل حركة قد تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي، وهذا على صعيد الصعوبات الجسدية التي واجهتها.
نعرف أنك واجهت مشكلات على صعيد نقص الدعم؟
كان من الصعب توافر الدعم المادي. ثمة أفراد قدموا لي الدعم وكذلك شركات ساعدتني خلال مشاركتي في مسابقة، بيد أن الدعم من بداية المسار إلى نهاية المسار كان غائباً، ما اضطرني إلى الاستعانة بما يسمى بالتمويل الجماعي أو التمويل التشاركي عبر منصة Launchgood الإلكترونية لدعم الأنشطة حيث كنت أعيش في أميركا وكنت سردت قصتي عبر«أونلاين»، وهذا الدعم ساعدني في اجتياز المسار الأخير. ولو استطعت تسمية كل شخص قدم الدعم باسمه وشكره، لما قصرت أو تقاعست. فمن دونهم، لما كنت قادرة على العودة إلى الدولة للمشاركة في البطولة المؤهلة للأولمبياد. ويمكن القول إن أنماط الدعم وأهدافه تنوعت بين من يدعمني من باب الفهم والإلمام بما أقوم به وأن هذا التوجه سيؤثر بطريقة إيجابية ويشجع النساء في الدولة على الحركة وممارسة الرياضة لأن المفترض أن يتحرك الجسد لتتحرك الحياة مع الإنسان.
بيد أنّ كثيرين لم يدركوا دافعي لممارستي رياضة تصنّف ذكورية. بالعكس، أنا أرى أن الرياضة تناسب كل فرد سواء كان ذكراً أو أنثى وهي ليست حكراً على أحد ولكن لكل فرد الرياضة التي تناسب جسده وشخصيته ومن المهم ألا نحكم على الناس مسبقاً بهذه الطريقة، ولكن البعض «فاضيين» ويستمتعون بأذية الآخر لو معنوياً وهؤلاء لا نقيم لهم اعتباراً لأن الفرد الواثق بنفسه وما يقوم به يستمر في طريقه دون الالتفات إلى تفكير الناس به.
يقولون إنك صوت النساء المسلمات في الرياضة وتعملين على رفع مستواهنّ، كيف تتلمسين أثر ذلك؟
في الواقع، المرأة تقوم بأكثر من دور في الحياة وهناك بعض الرجال الذين يرتقون بأدوارهم، ولكل إنسان طاقته مهما كان ومن الواجب أن يدرك قدراته ومداها لأن الضغط المضاعف سواء على نفسه أو جسده قد يقوده إلى الانهيار وقد يواجه اكتئاباً أو قلقاً. ومن الضروري أن يعرف نفسه وعما إذا كان استكمال المسار في أمر ما سيعزز قدراته ويساعده أو يؤذيه. ومن جانب آخر، بت ألاحظ لدى كثيرين وعياً أكبر بصحتهم النفسية وقدراتهم، وهذا عامل يساهم بتحقيق التوازن في حياتهم أكثر فأكثر. من الطبيعي أن يواجه الفرد بعض الأشياء بـ«لا» وبالأخص الأمور التي لا تساعده في حياته أو لا توفر له راحة البال بحيث يعرف حدود تحمله ولا يضغط على نفسه ويعرف تماماً كيف يتحرر ويتخلص من كل تلك الضغوط.
قبل خوض رفع الأثقال، خضت مجال الصحافة وتنقلت بين أكثر من مكان.. إلى أي مدى استطعت إرساء تغيير تجاه بعض الصور النمطية في المجتمع؟
كنت أعمل كصحفية وعملت في أكثر من مجلة وجريدة. أحببت الصحافة وعرفت ما يناسبني في هذا المجال وكنت خضت مجالات كثيرة قبل الصحافة منها في مجال المبيعات، في المراكز التجارية وفي المجالات الإبداعية وجايتكس وغيرها.أحببت أن أخوض تجارب متنوعة في حياتي على الصعيد المهني وأجد أن كل فرد يجب ألا ينحصر في وظيفة واحدة في حياته ومن الضروري أن يتسم بروح الاستكشاف ويعرف ما يحبه وما يناسبه. ما زلت أحب الكتابة وأحب رفع الأثقال ولكني أمارسهما بالطريقة التي تناسبني وتناسب جدولي. وهذا ما تعلمته بعد تجارب في حياتي أنه يمكن للفرد أن ينجز في أكثر من مجال ومن الرائع أن نتميز بمهارات في أكثر من حقل.
النجاح هو أن يشعر الفرد بالأمان الداخلي لأن الإنسان إذا وصل إلى أرقى المراتب وهو غير مقتنع بما أنجزه لن يشعر بالأمان أو الراحة النفسية
ما الشعور الذي انتابك وأنت تشاهدين تمثالك الشمعي في متحف مدام توسو بدبي؟
شعرت بالفخر الكبير أن يكون لي تمثال ضمن شخصيات مشهورة يضمها المتحف، ولم أتوقع هذا الشيء في حياتي، كانت لحظة فخر وامتنان على تقدير عملي والأخذ بالاعتبار ما أقوم به.
«ماذا قالت؟» هي مبادرة تستقطب نساء ملهمات وكانت رسالتك واضحة، ما الذي يمكن قوله عن أبرز عناصر النجاح؟
من وجهة نظري، النجاح هو أن يشعر الفرد بالأمان الداخلي لأن الإنسان إذا وصل إلى أرقى المراتب وهو غير مقتنع بما أنجزه لن يشعر بالأمان أو الراحة النفسية. فالأهم في المعادلة هو السلام الداخلي مترافقاً مع الإحساس بالقناعة. مبادرة «ماذا قالت؟» كانت حدثاً رائعاً لترجمة أفكارنا وتوصيل الصورة الكلية للنجاح، والمبادرة ترجمت قوة كل امرأة تواجدت فيها كامرأة ملهمة إلى جانب دورها في تغيير تفكير المجتمع تجاه الرياضة للنساء في الوطن العربي ولكل منهن قصة مؤثرة و دور إيجابي في مجتمعهن.
* تصوير: السيد رمضان